أنواع الإجماع وشروطه في الفقه الإسلامي

الإجماع من حيث القطع به

يتميز الإجماع بأنواع متعددة تختلف وفق الاعتبارات التي تم تقسيمه بناءً عليها. وفيما يتعلق بالقطع، يمكن تقسيمه إلى فئتين رئيسيتين كما يلي:

الإجماع القطعي

يُعرف الإجماع القطعي بأنه ما قرره أهل الإسلام -صلى الله عليه وسلم- بشكل غير قابل للجدل. فمثلا، إجماع الأمة على أن الصلاة واجبة، وأن الزنا والسرقة من الأفعال المحرمة يعتبر من الأمور القطعية. لا يوجد خلاف في هذه المسائل، وفهمها لا يتطلب دليلًا طويلًا. وقد ذهب الفقهاء إلى أن منكر الإجماع القطعي يعد كافرًا.

الإجماع الظني

أما الإجماع الظني، فيشير إلى ما يحتاج إلى اجتهاد ومراجعة للأدلة الشرعية، وغالبًا لا يكون معروفًا لدى كافة الناس. كمثال، يمكن اعتبار إجماع الأمة على أن للجد سدس الميراث إجماعًا ظنيًا، حيث إن من ينكر هذا الإجماع لا يُعتبر كافرًا بل فاسقًا، بينما قال آخرون إنه ليس فاسقًا. ويكون الإجماع ظنيًا إذا اختل فيه أحد شروط الإجماع القطعي. ومن شروط الإجماع القطعي نذكر ما يلي:

  • يجب أن يشتمل الإجماع على جميع الشروط المتفق عليها والمختلف فيها، وإذا وُجد خلل في أي شرط، يكون الإجماع ظنيًا حتى وإن كان هذا الشرط متنازعًا عليه.
  • يجب أن يكون الإجماع مُعلنًا بالتواتر، وإذا نُقل عن طريق الآحاد، يصبح إجماعًا ظنيًا.
  • يجب أن يُصرح المجتهدون بالإجماع؛ فإن كان السكوت هو السائد، تكون دلالته ظنية.
  • يتعين أن يكون الإجماع متعلقًا بأصول الفرائض، التي يعرفها عامة المسلمين، فإن كان في غير ذلك يصبح إجماعًا ظنيًا.
  • يجب أن يكون الإجماع مستندًا إلى دليل قطعي، ويجب أن يتفق المسلمون على قوته، فإن كان الدليل ظنيًا، يصبح الإجماع ظنيًا.

الإجماع من حيث أهله

فيما يتعلق بالإجماع من حيث الأطراف المشاركة فيه، يمكن تقسيمه إلى عدة أنواع كما يلي:

إجماع الأمة

إجماع الأمة هو ما اتفق عليه العلماء من الصحابة والتابعين ومن تبعهم من الفقهاء حول قضية معينة برأي موحد. ويُعتبر هذا الإجماع مطلقًا ولم يُقيد بطبقة معينة أو بلد واحد، دون وجود خلاف حول إمكانية تحقق الإجماع.

إجماع الصحابة

يعني إجماع الصحابة -رضي الله عنهم- الاتفاق على قضية معينة، ويعتبر إجماعهم حجة عند القائلين بحجيته، إذ إنهم الأجدر بحق ذلك. وقد أوضح بعض العلماء أن إجماع الصحابة له حجة تفوق إجماعات غيرهم بسبب قربهم من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وشهادتهم على نزول الوحي، كما أنهم أعلم الناس بما حرّم الله وأحلّ لعباده.

يقول الإمام الزركشي رحمه الله: “إجماع الصحابة حجة بلا خلاف بين القائلين بحجيته، وهم أحق الناس بذلك”. ويضيف الإمام الشوكاني بأن “إجماع الصحابة حجة بلا خلاف”. وقد نشأ انتقاع بين علماء الأمة حول حجيّة إجماع من جاء بعد الصحابة والذي يتمحور حول قولين، كما يلي:

  • إن إجماع الصحابة يُعتبر حجة، ولا اعتبار لإجماع من جاء بعدهم، وهو قول الإمام أحمد، والظاهرية، وبعض الحنابلة.
  • إن الإجماع حجة في جميع العصور، وهو رأي جمهور أهل العلم، وهو الرواية الثانية للإمام أحمد.

إجماع أهل المدينة

إجماع أهل المدينة هو توافق سكان المدينة المنورة عبر العصور التي تلت عصر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حول مسألة معينة في ظل وجود معارضة قائمة على الاجتهاد. وقد عُرف الإمام مالك -رحمه الله- بكثرة الاحتجاج بهذا الإجماع في الفروع الفقهية، حيث استدل بأكثر من أربعين مسألة. وقد قسم ابن القيم -رحمه الله- عمل أهل المدينة إلى عدة فئات كما يلي:

  • إذا كان الإجماع من أهل المدينة مشهورًا دون وجود مخالفات من الآخرين، يُعتبر حجّة دون خلاف.
  • إذا كان إجماع أهل المدينة مخالفًا لغيرهم، يُعدّ حجّة عند المالكية، بينما يختلف معهم الجمهور في ذلك.
  • إذا كان الإجماع بين مجموعة من أهل المدينة دون سواهم، بحيث وُجد خلاف بينهم، فإنه لا يُعتبر إجماعًا، ولا حجّة لرأي أحد الصحابة على حساب رأي آخر.

الإجماع من حيث النطق به

يُقسّم الإجماع من حيث النطق إلى قسمين، تتمحور تفاصيلهما كما يلي:

الإجماع الصريح

يُعرف أيضًا بالإجماع البياني، ومن الأساس أن يكون الإجماع صريحًا، وهو حجّة بدون خلاف. وينقسم إلى نوعين:

  • الإجماع بالقول

وهذا يعني أن كل فرد من مجموعة من الفقهاء والمجتهدين يعبّر عن تأييده لرأي تم الإعلان عنه، كمثال، إذا أفتى عدد من الفقهاء بأن عقود التأمين حلال ووافق كل فقيه مجتهد معاصر على ذلك، فإن إجماعهم سيكون ناتجًا عن هذا التصريح ويعدّ حجة شرعية.

  • الإجماع بالعمل

حيث يتحقق الفعل من جميع المجتهدين، مثل تطبيقهم لمبدأ الاستصناع والقيام بالمضاربة، حيث إن حالة العمل المشتركة بينهم تُعتبر إجماعًا عمليًا يُعد كذلك حجة مقبولة شرعًا.

الإجماع السكوتي

يتعلق الإجماع السكوتي بإعلان أحد المجتهدين أو مجموعة منهم برأي في مسألة فقهية معينة، أو بالقيام بفعل معين، مما ينتشر بين العلماء دون أي إنكار أو معارضة. وقد اختلف الفقهاء حول حجيته إلى ثلاثة آراء كما يلي:

  • يُعتبر حجّةً شرعيّة وإجماعًا معتبرًا.

وأيد هذا الرأي أحمد بن حنبل وأغلب الحنفية، وأبو إسحاق الإسفراييني من الشافعية.

  • لا يُحتج به شرعًا ويُعتبر غير إجماع.

وهذا هو رأي الإمام الشافعي وأتباعه والمالكية.

  • خذ رأيًا بأنه حجّةٌ شرعية إلا أنه لا يُعتبر إجماعًا.

وهذا نُسب إلى بعض المعتزلة.