أنواع الطلاق حسب الحكم الشرعي
قوم العلماء بتصنيف الطلاق بناءً على الحكم إلى صنفين رئيسيين هما:
الطلاق السنة
يُعرَّف الطلاق السنة بأنه طلاق المرأة المدخول بها في غير فترة الحيض، ويُعتبر هذا النوع جائزاً شرعاً. ولتكون صيغة الطلاق السنة صحيحة، ينبغي توفر شروط معينة، وهي كما يلي:
- يتوجب أن لا تكون المرأة حائضاً عند الطلاق. ورغم إمكانية وقوع الطلاق في حال طلّق الرجل المرأة وهي حائض، إلا أن ذلك يُعد ذنباً يستوجب الاستغفار والتوبة.
- يُشترط أيضاً أن لا يكون الطلاق قد وقع في حالة طهر جامعها فيه الرجل. في حال صدور الطلاق في هذه الحالة، فإن الطلاق يقع أيضاً، ولكن نجد أن الرجل يتحمل وزر هذا الفعل، ويحتاج إلى التوبة. لصحة الطلاق، يجب انتظارها حتى تحيض وتطهر دون أن يجامعها، ثم يُطلقها بالقول: “أنتِ طالق” أو “طلّقتك” أو “زوجتي فلانة طالق”. وإذا قال “أنتِ طالق بالثلاثة” أو كرَّر “أنتِ طالق” ثلاث مرات، فإن هذه الزيادة غير ضرورية، لأن الطلاق يتحقق معاشرة واحدة، ويُعتبر الزوج آثماً بذلك ويحتاج إلى الاستغفار.
الطلاق البدعي
قسم العلماء الطلاق البدعي إلى نوعين، وذلك لأنه يُعد مخالفاً لشرع الله:
- طلاق بدعي من حيث التوقيت: وهذا يعني أن الطلاق تم خلال فترة حيض أو نفاس المرأة، أو خلال فترة طهر جامعها الرجل ولم يُظهر الحمل. ورغم أن هذا النوع من الطلاق يمكن أن يقع، إلا أن فاعله يكون آثماً، وعليه مراجعة زوجته إذا لم يكن قد طلقها ثلاث مرات. وقد ورد عن النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- أنه طلب من عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يُراجع ضرتّه بعد طلاقها أثناء الحيض.
- طلاق بدعي من حيث العدد: ويعني أن عدد الطلقات المصرح بها غير صحيحة، مثل أن يقول الزوج: “أنتِ طالق بالثلاثة” أو يستخدم الصيغة المكررة “أنتِ طالق، طالق، طالق” خلال نفس الجلسة. في هذه الحالة، يعتبر الطلاق طلقة واحدة مع إثمه، ولكن إذا كان الطلاق لامرأة غير مدخول بها، أو صغيرة لم تحض، أو كبيرة آيسة، فيحق له تطليقها متى شاء.
بناءً على ما سبق، يمكن تلخيص أن الطلاق ينقسم إلى طلاق سنة وهو الطلاق أثناء طهر المرأة، وطلاق بدعي الذي يحدث في فترة الحيض أو بعدد غير صحيح من الطلقات.
أنواع الطلاق بحسب إمكانية الرجوع
الطلاق الرجعي
يشير الطلاق الرجعي إلى الطلاق الذي يتم فيه طلاق الزوج لزوجته للمرة الأولى أو الثانية، ويمكنه مراجعتها قبل انتهاء العدّة. وإذا انتهت العدّة دون مراجعتها، يتحول الطلاق إلى طلاق بائن بينونة صغرى. وهناك عدة أحكام متعلقة بهذا النوع من الطلاق:
- لا تُعتبر موافقة الزوجة شرطاً لعودة الزوجة في الطلاق الرجعي ولا يحتاج الزوج إلى عقد جديد لمراجعتها.
- تُعتبر العدّة في الطلاق الرجعي استمرارية لعلاقة الزوجية، مما يعني أنه في حال وفاة أحد الزوجين، يمكن للآخر أن يرثه.
- يُمنع الزوج من إخراج الزوجة من المنزل، كما يُحظر عليها مغادرة منزل الزوجية بموجب قوله -تعالى-: (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ، وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ)، وذلك لأنه قد يُفضي قرب الزوجين إلى إصلاح علاقتهما، بينما إذا كانت الزوجة تمارس الفحش، فلا حرص على بقائها في المنزل.
- يساهم الطلاق الرجعي في التقليل من عدد الطلقات التي حددها الله.
- يعتبر المنع هو الأصل في الطلاق، إلا أن الله أبيح للضرورة وحثّ على الرجعة.
- يجوز للزوج مراجعة الزوجة خلال فترة العدّة دون رضاها، وذلك بعبارات مثل “أمسكتها” أو “راجعتها”. مع ذلك، إذا كان الطلاق مبنياً على مال، فإنه يُعد طلاقاً بائناً.
الطلاق البائن
قام العلماء بتصنيف الطلاق البائن إلى نوعين وهم:
- الطلاق البائن بينونة صغرى: يحدث عندما يطلق الرجل زوجته قبل الدخول أو بعده مقابل عوض (الخلع)، على ألا يتجاوز عدد الطلقات الثلاث. في هذه الحالة، لا يمكن للمرأة العودة لزوجها إلا بعقد جديد ومهر جديد وبموافقة وليّها، وتكون هذه الطلقة محسوبة ضمن عدد الطلقات المتبقية. وكذلك يجب على الزوج توفير مسكن للمرأة خلال العدّة، ويدفع نفقتها إذا كانت حاملاً.
- الطلاق البائن بينونة كبرى: يحدث عندما يطلق الرجل زوجته ثلاث مرات، سواء كان هناك عوض أو لا. في هذه الحالة، لا يمكن أن تحل المرأة لزوجها إلا بعد انتهاء العدّة من الزوج الآخر الذي تزوجته بعد الطلاق، وبعد ذلك إذا تزوجت من جديد ودخل بها، ثم طلقها طلاقاً بائناً، فتكون عودتها إلى زوجها الأول بطلقات جديدة. بالنسبة لنفقتها أثناء العدّة، فإنها تستهدف النفقة المُطالبة بها في حالة الطلاق البائن بينونة صغرى.
بالمجمل، يتضح أن الطلاق حسب إمكانية الرجوع يقسم إلى طلاق رجعي يسمح بإعادة الزوجة في حال الطلاق الأول والثاني قبل استكمال العدّة، وطلاق بائن بانوعيه: بينونة صغرى تتعلق بعد انتهاء العدّة بعد الطلقة الأولى والثانية، وبينونة كبرى بعد الطلقة الثالثة التي لا تتيح للزوج العودة لها.
أنواع الطلاق بحسب العوض
قسّم العلماء الطلاق حسب وجود أي نوع من التعويض إلى نوعين:
طلاق بلا عوض
يُعَدّ إنهاء عقد الزواج، ولما يُجاز شرعاً تأكيد ذلك بقوله -تعالى-: (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ).
طلاق بعوض
هذا هو الخلع، والذي يعني انفصال الرجل عن زوجته مقابل بدل مالي يتم الحصول عليه من خلال لفظ الطلاق أو الخلع. وهو مرتبط بالنزع لما يذكره القرآن الكريم، الذي ينص على أن الطرفين لباسٌ لبعض. والخلع جائز شرعاً، إلا أنه يُعتبر مكروهاً نظراً لما يُحَدِثه من قطع صلة النكاح المطلوبة شرعاً، وقد تم تأكيد مشروعية الخلع في القرآن وسُنّة النبي.
قال الله -تعالى- في محكم كتابه: (فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا). وبالنسبة للسُنّة، روي عن البخاري أن امرأة ثابت بن قيس جاءت إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وذكرت له أنها لا تُعاب عليه في دين أو خلق وإنما تكره الكفر في الإسلام، فسألها النبي إن كانت ستعيد له حديقته، فأكدت ذلك، فقال: “اقبل الحديقة وطلقها تطليقة”.
يمكن تلخيص الفرق بين الطلاق والخلع كما يلي:
- يتم الطلاق دون أن يُضاف أي عوض للزوج، بينما الخلع يتطلب تعويضًا له.
- يستطيع المُطلِق مراجعة زوجته خلال فترة العدّة ما لم يكن قد طلقها ثلاث مرات، أما المُخالع فلا يمكنه ممارسة السيطرة لأنها قد تحل بسبب الخلع، ويعتبر البعض أن الخلع هو طلاق بائن بينونة صغرى.
بناءً على ما تقدم، يمكن تلخيص أن الطلاق حسب العوض يُقسم إلى طلاق بدون عوض أي إنهاء لعقد الزواج، وطلاق بعوض وهو الخلع الذي يعني رغبة الزوجة في الانفصال عن زوجها مقابل تعويض مالي.
أنواع الطلاق حسب مدى تعليقه
قد صنف العلماء الطلاق من حيث التعليق إلى عدة أنواع كما يلي:
الطلاق المنجز
هو الطلاق الذي يحدث فور صدوره من الزوج، مثل أن يقول: “أنتِ طالق” أو “طلقتكِ”، ويقع فوراً.
الطلاق المضاف
هو الطلاق الذي يقع عند حلول الأجل الذي حدده الزوج، مثل أن يقول: “أنتِ طالق بعد غدٍ”، أو “أنتِ طالق بعد شهر”.
الطلاق المعلق
هذا النوع من الطلاق يرتبط بحصول أمر معين مستقبلي، حيث يتم استخدام أداة شرطية. ويقسم الطلاق المعلق إلى نوعين:
- التعليق اللفظي: حيث يكون هناك أداة شرط واضحة مثل إذا أو عندما، مثال ذلك أن يقول الزوج: “إذا خرجتِ من البيت فأنتِ طالق”.
- التعليق المعنوي: حيث لا تُستخدم أداة شرط بشكل صريح، بل يُفهم المعنى، مثل أن يقول: “علي الطلاق لا أفعل كذا”.
ويرى بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية وكثير من الحنابلة أن الطلاق المعلق يتحقق عند تحقق الشرط، مستندين إلى قوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)، حيث يُدل على ضرورة الوفاء بالعقود بما في ذلك الأمور التي تم التعليق عليها. ومن السنة النبوية، قوله -صلى الله عليه وسلم-: (المسلِمون عند شروطهم، إلا شرطًا أحلَّ حرامًا أو حرَّمَ حلالًا)، وهو ما يُشير إلى أنه بما أن الطلاق المعلق لا يمثل حراماً شرعياً، فإنه يُعتبر واقعاً.
إجمالاً، يمكن تلخيص أن الطلاق بناءً على التعليق ينقسم إلى: طلاق منجز، وهو الذي يقع فوراً، وطلا ق مضاف، الذي يتم عند حلول الموعد المحدد، والطلاق المعلق، وهو المُربوط بشيءٍ مستقبلي.
أنواع الطلاق وفقاً للصيغة
صنفت العلماء الطلاق حسب صيغته إلى نوعين:
الطلاق الصريح
يحدث الطلاق الصريح عندما يستخدم الزوج لفظاً يُقصد به الطلاق، ويتكرر استخدامه لهذا الغرض، مثل أن يقول: “أنتِ طالق”، أو “طلقتكِ”، أو “أنتِ مُطلَّقة”. ويقع بمجرد اللفظ، دون الحاجة إلى نية أو دليل، ولا يُعتبر ادعاء الزوج أنه لم يقصد الطلاق.
الطلاق الكنائي
في هذا النوع، يطلق الزوج باستخدام لفظ يُحتمل فيه الطلاق وغيرها، حيث لا يُعتبر حديثاً معروفاً للاستخدام للطلاق، مثل أن يقول: “اذهبي إلى أهلك”، أو “اخرجي”، أو “أنتِ بائن”. ويكون الفهم هنا إما من خلال القرينة أو دلالة الحال، وقد اختلف الفقهاء حول صحته:
- الحنفية والحنابلة يرون أن الطلاق يقع بألفاظ الكناية مع وجود النية أو دلالة الحال، مثل أن يُذكر الزوج الطلاق أثناء حدوث خصومة.
- المالكية والشافعية يؤكدون أن الطلاق لا يقع بغض النظر عن الكناية دون وجود نية، ولا يُعتمد على دلالة الحالة.
في النهاية، يمكن تلخيص أن الطلاق بحسب الصيغة ينقسم إلى طلاق صريح يتم بألفاظ واضحة للطلاق، ويقع بلا تردد، وطلاق كنائي، أي الألفاظ التي تحتمل معنى الطلاق وغير الطلاق، مع تعدد الآراء الفقهية حول وقوعه.
الطلاق التعسفي
التعسف يعني سوء استخدام الحق الشخصي بحيث يتسبب في ضرر للآخر، إما بتجاوز الاستخدام المباح أو التسبب في ضرر أكبر من المنفعة التي يُحققها صاحب الحق. يُعتبر الطلاق التعسفي بسبب استخدام الزوج لحقه في الطلاق كوسيلة لإيذاء الزوجة، ويندرج الطلاق التعسفي تحت حالتين:
طلاق مرض الموت أو ما يماثله
أتفق الفقهاء على أن الطلاق البائن يقع في حالة الطلاق في مرض الموت، لكن وقع الاختلاف حول ما إذا كانت المرأة ترث منه وبيان ذلك كالتالي:
- الشافعية يرون أنها لا ترث حتى لو توفى وهي في العدّة، حيث أن الطلاق البائن يُقطع العلاقة الزوجية.
- جمهور الفقهاء من غير الشافعية يرون أنها ترث إذا توفي في فترة العدّة، باستثناء الحنابلة الذين اشترطوا عدم زواجها بآخر بعد العدّة، بينما المالكية يرون أنها ترث حتى بعد الزواج من آخر بسبب المعاملة بعكس ما يريده الزوج.
الطلاق بدون سبب
إذا قام الزوج بالتعسف في طلاق الزوجة من دون مبرر واضح يتسبب في ضرر للزوجة، فيجوز للقاضي الحكم بالتعويض عن هذا التعسف.
لمعالجة ما سبق، يمكن القول أن الطلاق بدون سبب يعتبر ظلماً، وينقسم إلى: طلاق بدون سبب معروف يهدف للأذى، مما يُمكن القاضي من إصدار حكم بتعويض للزوجة، وطريقة الطلاق في مرض الموت الذي يُعد تعسفياً لحرم الزوجة من الميراث، في حين أكد معظم الفقهاء أنها تظل تستحق الإرث.
الهامش
- آيسة من المحيض: تشير إلى المرأة التي تعدت المرحلة العمرية التي تنقطع فيها دورتها الشهرية، أو التي لم تحض أبداً.