أهمية السلام في حياتنا اليومية

تعريف السَّلام

السّلام، في معناه العام، لا يقتصر فقط على إنهاء الصراع والخلافات، بل يتطلب أيضاً بناء مجموعة من القيم والمبادئ والسلوكيات التي تعتمد على الاحترام الكامل لسيادة الدول، والحريات الأساسية، وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تعزيز الحوار والتعاون بين الشعوب والثقافات المتنوعة، والتخلي عن ثقافة القوة والعنف، وإكراه الشعوب على اتخاذ قرارات تخالف إرادتها.

عرّف المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي السّلام بقوله: “عِش ودع غيرك يعيش”، حيث أكد على أهمية منح السّلام للشعوب لكي يتحقق كحالة عامة. وبما أن السّلام يُعتبر نعمة للبشرية، فإن العنف والحروب تُعد لعنة. فالسّلام يُجسّد المحبة والتعايش، بينما تمثل الحروب العداء والانقسام.

الحرب كعكس السّلام

تسببت الحروب والنزاعات عبر العصور في إرهاق شعوب الأرض كلها، ويطمح الجميع اليوم إلى تحقيق السلام الذي يلبي آمالهم وطموحاتهم ويضمن لهم حياةً هانئة خالية من الخوف من القذائف، والرصاص، والقنابل، والأسلحة النووية. فهذه التهديدات تخيف الكبار، وتدمّر طفولة الأطفال، كما تُهدم المنشآت والحضارات وتراث الدول.

لقد سعت شعوب العالم جميعاً لتحقيق الهدف السامي الذي تسعى له البشرية، وهو الهدف الذي دعمتها جميع الديانات السماوية عبر العصور؛ فقد دعت جميعها إلى المحبة، والرحمة، والأخوة، والمودة، لبناء مستقبل مشترك بين كافة الشعوب والأعراق. فالسّلام هو اسم من أسماء الله الحسنى، وهو تحية المسلمين ودعوة الأنبياء جميعاً، وكأنه وصية إلهية على الأرض يجب على الناس الالتزام بها.

كما أشار الميثاق التأسيسي لليونسكو في مقدمته إلى أهمية بناء حصون السلام في العقول البشرية على اعتبار أن الحروب تبدأ فيها أيضاً.

أهمية السّلام في حياة الفرد

لا يمكن التغاضي عن الدور الحيوي الذي يلعبه السّلام، والمصالحة، والرحمة في الحياة اليومية. فُخلق الإنسان ليعيش في بيئة آمنة ومستقرة وليس ليُعاني من القتل والدمار. وما يمكن تحقيقه في أوقات السّلام يفوق بكثير ما يمكن إنجازه في أوقات الصراعات والحروب. وفيما يلي أهم النقاط التي تلخص أهمية السّلام في الحياة:

السّلام يُحوّل الأمور السلبية إلى إيجابية

يمتلك البشر قدرة فريدة على تحويل السّالب إلى موجب، كما يشير الطبيب النفسي الألماني ألفريد إدلر، وهذه القدرة تتطلب الاستقرار النفسي الذي يوفره السّلام. يعتبر عقل الإنسان مصدراً لا محدود للقوة، فإذا فقد طمأنينته أثناء الأزمات والحروب، فلن يستطيع الاستفادة الكاملة من قدراته العقلية. حيث تُعد الحروب والدمار عقبة كبيرة أمام التقدم البشري، إذ تعرقل عوامل السّلام والسكينة اللازمة للتطور.

عندما يستطيع الإنسان المحافظة على السّلام في جميع الأوقات، تفتح أمامه آفاق واسعة من الإمكانيات، وهذا يعكس تحويل السلبيات إلى إيجابيات.

آثار السّلام تمتد لكل الكائنات الحية

إنّ السّلام أمر ضروري لجميع الكائنات الحية في جميع أنحاء الأرض، ولا يقتصر تأثيره على البشر فقط. إذ تتجاوز آثار غياب السّلم والأمن حدوداً غير متوقعة، حيث تؤثر الحروب على الحيوانات التي تفقد مواطنها، كما يُحرق الغطاء النباتي الذي يعد مصدراً أساسياً للعيش لكل من البشر والحيوانات، وتُفنى الموارد. يمكن تصنيف آثار الحروب وانعدام السّلام على البيئة إلى قسمين:

  • آثار مُباشرة: مثل التلوث الناتج عن القصف المدفعي لمواقع صناعية، والتدمير المتعمد للموارد الطبيعية، والنفايات العسكرية، ودمار البنى التحتية.
  • آثار غير مُباشرة: مثل الدمار الذي يتركه النازحون في المناطق التي يتركونها، وانهيار الهياكل الإدارية المسؤولة عن حماية البيئة، وانشغال الناس والحكومات بعد الحروب بتوفير المأوى والغذاء، مما يؤدي إلى نقص التمويل لحماية البيئة.

السّلام يُساهم في حماية الإنسان من الأمراض

يسبب انعدام السّلم والأمن عددًا من الاضطرابات النفسية التي قد تؤدي بدورها إلى مشكلات جسدية، وظهر ذلك بوضوح بين الشعوب التي عانت من الحربين العالميتين. حيث تزايدت حالات الاكتئاب والهستيريا، والفوبيا، والقلق، وكذلك المشكلات الصحية الأخرى. 

وفيما يلي بعض النقاط التي تسلط الضوء على أهمية السّلام في الحياة:

  • يمكن في ظل السّلام تعزيز الأفكار الإيجابية التي قد تلاشت خلال العنف والدمار، وما حدث في صلح الحديبية يُعتبر خير مثال على ذلك حيث تمسك رسول الله محمد -عليه الصلاة والسلام- بالسّلام رغم الشروط الصعبة التي وضعتها قريش.
  • يمكّن السّلام الشعوب من اكتساب ونشر المعرفة والثقافة، وبناء الحضارات، مما يُعزز التنمية الاجتماعية والاقتصادية، فالعمارة لا تتم إلا في أوقات السّلم.
  • يساهم السّلام في زيادة وعي الناس بخطورة الحروب وأثرها عليهم، مما يجنبهم فقدان الأرواح والموارد.
  • يُعرقل السّلام التجارة التي تروج للحروب، ويحد من قدرة تجار الأزمات على الاستفادة من الصراعات.
  • تُظهر الحروب أسوأ ما في البشر، بينما يُبرز السّلام أفضل ما لديهم.
  • يخلق السّلام بيئة مشجعة على الإبداع، مما يعزز الإنتاج والجمال مقارنة بالدمار الذي تجلبه الحروب.
  • يعمل السّلام على رفع الروحانيات بين الأشخاص ويشجع على نشر القيم الروحية والهدوء.
  • نجاح السّلام في تقريب الناس وجمعهم على الحب والتعايش يعاكس الحرب التي تفرقهم وتؤدي إلى تدميرهم.
  • السّلام يدفع الإنسانية نحو مستويات أعلى من التحضر، بينما تقود الحروب إلى الانحدار نحو الهمجية.