قصيدة: حبيبتي والمطر
أخشى أن تمطر السماء، وأنتِ غائبة عني،
منذ رحيلك، أضحى المطر مصدر قلق لي.
كان الشتاء يحميني بمعطفه،
فلم أكن أشعر بالبرد أو الملل.
كان الهواء يهمس خلف نافذتي،
فتقولين: “أمسكي شعري هنا”.
أما الآن، فأنا أجلس تحت المطر،
الذي يضرب ذراعي، وجهي، وظهري.
فمن ينقذني، يا مسافرة،
كاليمامة التي تائهة بين العين والبصر؟
كيف أستطيع محو ذكراك من ذاكرتي،
وانتِ في قلبي كالنقش في الحجر؟
أحبك يا من تسكنين دمي،
مهما كنتِ بعيدة، سواء في الصين أو القمر.
ففيك شيء من المجهول أعتمده،
وفيك شيء من التاريخ والمصير.
قصيدة: كلمات
يسمعني حين يراقصني بكلماتٍ ليست كالتي أستخدمها،
يأخذني من تحت ذراعي ويزرعني في إحدى الغيوم،
والمطر الداكن يتساقط في عيني كزخاتٍ عفوية،
يحملني معه لمساءٍ وردي فوق الشرفات.
وأنا كالطفلة بين يديه، كريشة يحملها النسمات،
يهديني شمسًا، يهديني صيفًا وقطيعًا من الذكريات،
ويخبرني أني تحفته، وأنني أساوي آلاف النجوم،
وأني كنزٌ، وأني أجمل ما شاهده من اللوحات.
يروي أشياء تدور بي، تنسيني الرقص والخطوات،
كلمات تقلب تاريخي، تجعلني امرأة في لحظات،
يبني لي قصرًا من وهمٍ لا أسكنه سوى في لحظاتي.
وأعود لطاولتي، لا شيء معي إلا كلماتٍ،
كلماتٌ ليست كالكلمات، لا شيء معي إلا كلمات.
قصيدة: التحديات
أتحدى كل من سبقوني إلى عينيكِ، يا سيدتي،
يحملون الشمس في راحاتهم وعقود الياسمين.
أتحدى كل من وقعوا في شباكك،
من المجانين والمفقودين في بحر الحنين،
أن يحبونك بأسلوبي وطيشي وجنوني.
أتحداهم جميعًا أن يكتبوا لك رسالة حب،
كما أكتب أنا مكاتيب غرامي،
أو أن يأتوا إليك – على كثرتهم –
بحروفٍ كالتي أستخدمها وكلمات مشابهة لكلماتي.
أتحداك أن تتذكري رجلًا من بين من أحببتهم،
وأفرغ الصيف في عينيكِ كما فعلتُ بخياراتك.
أتحدى أشجع الفرسان، يا سيدتي،
وبواريد القبيلة.
أتحدى من أحبكِ واحببتهم،
منذ ميلادك حتى صرتِ كالنخلة العراقية.. طويلة.
أتحداهم جميعًا أن يكونوا قطرةً صغيرة في بحري،
أو يكونوا قد أطفأوا أعمارهم،
كما أطفأتُ في عينيكِ عمري.
أتحداك أن تجدي عاشقًا مثلي،
وعصرًا ذهبيًا كعصري.
فارحلي حيث تريدين، وابتسمي،
وابكي، وجوعي،
فأنا أعلم أنك لن تجدي موطنًا تنامين فيه كصدري.
قصيدة: إلى رجل
متى ستعرف كم أهواك يا رجلًا،
أبيع من أجله الدنيا وما فيها،
يا من تحديت في حبي له مدنًا،
سأكمل تحديها.
لو تطلب البحر، لأسكبه في عينيك،
أو تطلب الشمس، لأرميها في كفيك.
أنا أحبك، فوق الغيم أكتبها،
وللعصافير والأشجار، أحكيها.
أنا أحبك، فوق الماء أنقشها،
وللعناقيد والأقداح، أسقيها.
أنا أحبك يا سيفًا يسيل دمي،
يا قصةً لست أدري ماذا أسميها.
أنا أحبك، حاول أن تساعدني،
فإن من بدأ المأساة ينبغي أن ينهيها.
وإن من فتح الأبواب يغلقها،
وإن من أشعل النيران يطفئها.
يا من تدخن في صمت، وتتركني،
في البحر، أرفع مرساتي وألقيها.
ألا تراني في بحر الحب غارقة،
والموج يمضغ آمالي ويرميها؟
انزل قليلًا عن الأهداب، يا رجلًا،
فما زلت تقتل أحلامي وتحييها.
كفاك تلعب دور العاشقين معي،
وتنتقي كلماتٍ لا معنى لها.
كم اخترعت مكاتيب ستوجهها،
وأسعدتني ورود ستقدمها.
وكم ذهبت لوعدٍ لا وجود له،
وكم حلمت بثياب سأشتريها.
وكم تمنيت لو كنت تطلبني للرقص،
وحيرتني ذراعي أين ألقيها؟
ارجع إليّ، فإن الأرض واقفة،
وكأنما الأرض فرت من ثوانيها.
ارجع، فبعدك لا عقد أعلقه،
ولا أستطيع لمس عطوري في أوانيها.
لمن جمالي؟ لمن شال الحرير؟ لمن؟
ضفائري التي أربيها منذ أعوام؟
ارجع كما أنت، صحوًا أو مطرًا،
فما حياتي أنا إن لم تكن فيها؟
قصيدة: عيناكِ
عيناك كنهري أحزان،
نهري موسيقى حملاني لبعيد الزمان،
نهري موسيقى ضاعا سيّدتي، ثم أضاعاني.
الدمع الأسود يتساقط فوقهما أنغام بيان.
عيناك وعبيرهم، وأنا محترقٌ في المقعد،
تأكل نيراني.
أأقول أحبك، يا قمري؟ آه لو كان بإمكاني،
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني.
سفنّي في المرفأ باكية، تتمزق فوق الخلجان،
ومصيري الأصفر حطم إيماني.
أأسافر دوَنك، ليلى؟
يا ظل الله في أجفاني،
يا صيفي الأخضر، يا شمسي،
يا أجمل ألواني.
هل أرحل عنك وقصتنا أحلى من عودة نيسان؟
أحلى من زهرة الغاردينيا في عتمة شعر إسباني.
يا حبي الأول، لا تبكي، فدموعك تحفر وجداني،
أنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني.
أأقول أحبك، يا قمري؟
آه لو كان بإمكاني.
فأنا إنسان مفقود، لا أعرف في الأرض مكاني،
ضيّعني دربي وضّيّعني اسمي،
تاريخي! ما لي تاريخ إنني نسيان النسيان.
إنني مرساة لا ترسو، جرح بملامح إنسان.
ماذا أُعطيك؟ أجيبيني، قلقِي؟ إلحادي؟ غثياني؟
ماذا أعطيك سوى قدرٍ يرقص في كف الشيطان؟
أنا ألف أحبكِ، فابتعدي عني،
عن ناري ودخاني.
فأنا لا أملك في الدنيا إلا عينيك وأحزاني.
القصيدة الدمشقية
هذه دمشق، وهذه الكأس والراح،
إني أحببت، وبعض الحب ذابح.
أنا الدمشقي، لو شرحتم جسدي،
لسال منه عناقيد وتفاح.
ولو فتحتم شراييني بمديتكم،
سمعتم في دمي أصوات من راحوا.
زراعة القلب تشفي بعضًا من عشقوا،
وما لقلبي – إذا أحببت – جراح.
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني،
وللمآذن كالأشجار أرواح.
للياسمين حقوق في منازلنا،
وقطة البيت تغفو حيث ترتاح.
طاحونة البن جزءٌ من طفولتنا،
فكيف أنسى؟ وعطر الهيل فواح.
هذا مكان “أبي المعتز” منتظر،
ووجه “فائزة” حلوٌ ولمّاح.
هنا جذوري، هنا قلبي، هنا لغتي،
فكيف أوضح؟ هل في العشق إيضاح؟
كم من دمشقية باعَت أساورها؟
حتى أغازلها والشعر مفتاح.
أتيت يا شجر الصفصاف معتذرًا،
فهل تسامح هيفاء ووضاح؟
خمسون عامًا وأجزائي مبعثرة،
فوق المحيط وما في الأفق مصباح.
تقاذفتني بحارٌ لا ضفاف لها،
وطاردتني شياطين وأرواح.
أقاتل القبح في شعري وفي أدبي؟
حتى يفتح نوار وقداح.
ما للعربية تبدو مثل أرملة؟
أليس في كتب التاريخ أفراح؟
والشعر ماذا سيبقى من أصالته؟
إذا تولاه نصاب ومداح؟
وكيف نكتب والأقفال في أفواهنا؟
وكل ثانية تأتيك سفاح؟
حملت شعري على ظهري فأتعبني،
ماذا من الشعر يبقى حين يرتاح؟
قصيدة: أُحبك
أحبك حتى يتم انطفائي،
بعينين، كاتساع السماء،
إلى أن أغيب وريدًا وريدًا،
بأعماق منجدل كستنائي.
إلى أن أحس بأنك بعضي،
وبعض ظنوني، وبعض دمائي.
أحبك غيبوبةً لا تفيق،
أنا عطش يستحيل ارتوائي.
أنا جعدة في مطاوي قميص،
عرفت بنفضاته كبريائي.
أنا – عفو عينيك – أنت كلانا،
ربيع الربيع عطاء العطاء.
أحبك، لا تسألي أي دعوى،
جرحت الشموس أنا بادعائي.
إذا ما أحبك نفسي أحب،
فنحن الغناء ورجع الغناء.