أول قبلة للمسلمين
منذ أن بُعث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-، كان يُصلي نحو بيت المقدس في مكة المكرمة، حيث واصل ذلك حتى مغادرته إلى المدينة المنورة. وكان -صلى الله عليه وسلم- يتوجه في صلاته نحو القبلة، متضمنًا كلاً من الكعبة المشرّفة وبيت المقدس. ولكن بعد الهجرة، لم يعد بإمكانه الاستمرار في ذلك كما كان في مكة، فتوجه المسلمون في صلاتهم نحو بيت المقدس.
استمر المسلمون على هذا المنوال لما يقارب سبعة عشر شهراً، وذلك منذ وصولهم إلى المدينة حتى قرب غزوة بدر. وقد أجمع العلماء على هذا الأمر. ثم أنزل الله -تعالى- الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، والتي هي قبلة سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-. يُعتبر بيت المقدس رمزًا مهمًا في الإسلام، ويقع على عاتق المسلمين حمايته والدفاع عنه ضد أي تدنيس.
تحويل القبلة
بعد مرور ما يقارب سبعة عشر شهرًا على الهجرة إلى المدينة المنورة، أمر الله -تعالى- بتحويل القبلة لتصبح نحو الكعبة المشرفة. لقد كان -صلى الله عليه وسلم- يفضل توجهه نحو الكعبة في صلاته حتى لا تلتقي قبلة المسلمين مع قبلة اليهود، إضافةً إلى أنها كانت قبلة سيدنا إبراهيم -عليه الصلاة والسلام-. كما أنَّ هذا التوجه قد يساعد في جذب قلوب العرب إلى الإسلام.
أول من قامت صلاته تجاه الكعبة كان أبو سعيد بن المعلى وصديقه، بعد أن سمعا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يخطب عن تغيير القبلة. بعد ذلك، صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- صلاة الظهر مع المسلمين. وقد اتفق جمهور العلماء على أن تحويل القبلة حدث في منتصف شهر رجب، في حين أن هناك بعض الآراء الضعيفة تشير إلى أنه كان في منتصف شعبان. أما أول صلاة تُصلى باتجاه الكعبة، فقد اختلف العلماء حولها، فقيل إنها كانت صلاة الظهر، بينما قيل إنها كانت صلاة العصر.
الحكمة وراء تحويل القبلة
تحدث بعض العلماء عن الحكمة من تحويل القبلة إلى الكعبة المشرفة، مستندين إلى الآية الكريمة: (قد نرى تقلّب وجهك في السماء فلنولِّينَّك قبلة ترضاها). كان الرسول -صلى الله عليه وسلم- يتوق إلى الصلاة تجاه الكعبة، فاستجاب الله -تعالى- لهذا الطلب. كما أشار بعض العلماء مثل مجاهد والضحاك والسدي وقتادة إلى أن التوجه إلى الكعبة كان من أجل إنهاء الشائعات اليهودية التي تشير إلى أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- يشارِكهم في القبلة، مما قد يدفع البعض للاعتقاد بأنه قد يشاركهم في الدين أيضاً.
ولعل تحويل القبلة يدل على انتقال الإمامة من بني إسرائيل الذين كانوا يقيمون في بلاد الشام وبيت المقدس، إلى العرب في الحجاز. ولأن الحج مرتبط بالكعبة المشرفة، فقد كان من الأفضل استقبال الكعبة في صلاة المسلمين. وقد بيّنت الآية الكريمة مدى أهمية هذا الاختبار، حيث قال الله -سبحانه وتعالى-: (وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه…). المؤمنون تقبلوا هذا التغيير بسهولة، بينما الذين في قلوبهم شكوك كانوا يترددون بشأن هذا التحويل.
مكانة أولى القبلتين
تتمتع بيت المقدس بمكانة عظيمة في قلوب المسلمين؛ فهو أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين المسجد الأقصى المبارك. كان هذا هو قبلة المسلمين قبل التحويل إلى الكعبة، ومنه عُرج النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- إلى السماء السابعة في ليلة الإسراء والمعراج. وقد بارك الله -عز وجل- المكان في كتابه، حيث قال: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا…).