أويس بن عامر القرني (عالم جليل وتابعي مميز)
قال عمر بن الخطاب: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرئ منه، إلا موضع درهم له، ووالدته هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره. فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل. فذهب إلى أويس وقال له: استغفر لي).
لكن من هو أويس بن عامر ذلك الذي طلب منه الرسول -عليه الصلاة والسلام- أن يستغفر الله لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، وهل فعلًا التقيا؟
نسب أويس بن عامر
ذكر الإمام الذهبي في كتابه “سير أعلام النبلاء” أن أويس هو أبو عمرو، أويس بن عامر بن جزء بن مالك القرني المرادي اليماني، فقد وُلد في اليمن وبالتحديد في وادي قرن، في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وذكرت الروايات أن أويس قُتل في معركة صفين عام سبعة وثلاثين للهجرة، حيث كان ضمن صفوف جيش علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
أويس القرني والإسلام
رغم أن أويس القرني عاش في زمن النبي -صلى الله عليه وسلم-، إلا أنه لم يلتق به، حيث جاء وفد من اليمن وأعلن إسلامه، لكنه لم يكن معهم بسبب بره بأمه، ورعايته لها، كما أشار صاحب “حلية الأولياء”. ويُعتبر من كبار التابعين في عصره.
وعلى الرغم من عدم لقائه بالنبي، إلا أن الرسول قد ذكره في حضور عدد من الصحابة ومَدَحه، مؤكدًا أن الله ينفذ دعوته، مما يدل على فضله وسلامة سريرته. كما أوصى النبي عمر بن الخطاب، إن صادفه، أن يطلب منه الدعاء له.
وفي حديث آخر، ذكر الرسول أنه سيتشفع لكثير من الناس، بقوله: (ليدخلن الجنة بشفاعة رجل من أمتي أكثر من بني تميم)، وكان الحسن البصري يعتقد أن المقصود هنا هو أويس القرني.
موقف عمر بن الخطاب معه
كان عمر بن الخطاب يسعى لاستصادف أويس القرني من خلال سؤال وفود أهل اليمن القادمين للحج أثناء خلافته. وعندما لقيه مع وفد من قبيلته، سأل أويس عن بعض الصفات التي تحدث عنها النبي -صلى الله عليه وسلم-. وبعد أن تأكد من هويته، طلب منه أن يدعو الله أن يغفر له، فدعا له أويس، مما يعد منقبة عظيمة له.
ثم سأل عمر بن الخطاب أويس: إلى أين تريد الذهاب؟ فرد أويس بأنه يتجه إلى الكوفة، فقال له عمر إنه يمكنه أن يوصي به لدى والي الكوفة ليعنى به، لكن أويس رفض، مؤكدًا رغبته في العيش بينهم كأي شخص عادي، وهذا يظهر تواضعه وزهده.
زهده وورعه
قضى أويس بن عامر معظم حياته في الكوفة، حيث عاش حياة فقيرة، متجنبًا الاعتماد على ما في أيدي الناس. كان يتصدق بما لديه من ملابس على الفقراء، حتى أنه كان ينام بعض الليالي بلا ثياب. كما كان يعاني من قلة ما يملك، مما يجعله مقيدًا في منزله.
ومن شدة ورعه، كان إذا عاد إلى منزله في المساء، ينظر في المتاح لديه من الطعام والثياب، فيتصدق به، ويدعو الله قائلاً: “اللهم من مات جوعًا فلا تؤاخذني به ومن مات عريانًا فلا تؤاخذني به”.
بخصوص عبادته، خاصة قيام الليل، فقد كان دائمًا ما يحافظ على صلاته ليلاً، حيث يقول في ليلة: “هذه ليلة الركوع” فيركع حتى الفجر، وفي ليلة أخرى: “هذه ليلة السجود” فيبقى ساجدًا حتى صلاة الفجر.
بعض أقواله وحكمه
قد أدار الحاكم في كتابه “المستدرك” فصلًا بعنوان “أويس راهب الأمة”، وتضمنت نصائحه وحكمه التالية:
- “كن في أمر الله كأنك قتلت الناس كلهم”، إشارة إلى ضرورة تعظيم الذنب.
- “إن الموت لم يبق لمؤمن فرحًا”.
- “اللهم إني أعتذر لك من كل كبد جائعة وجسد عارٍ، وليس لي إلا ما على ظهري وبطني”.
ثم مر رجل من قبيلة مراد بسؤال أويس: “كيف أصبحت؟” فرد أويس: “أصبحت أحمد الله”. وسأله عن حال الزمان، فقال: “ما حال رجل إن أصبح لم ير أنه يمسي وإن أمسى لم ير أنه يصبح، فمبشر بالجنة أو مبشر بالنار، يا أخا مراد، إن الموت وذكره لم يدع لمؤمنٍ فرحًا، وإن علمه بحقوق الله لم يترك له في ماله فضةً ولا ذهبًا، وإن قيامه بالحق لم يترك له صديقًا”.