قوم عاد
ترجع أصول قوم عاد إلى عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح. كانت عاداتهم تعيش في وادي الأحقاف، الذي يقع بين عمان وأرض مَهرة، أو يمتد من عمان إلى حضرموت. وقد جاء من بعد عاد من يعبد الأصنام وأقاموا ثلاثة هي: الهباء، صمود، وصداء. يتكون قوم عاد من عشرة قبائل، وقد منحهم الله تعالى قوة بدنية كبيرة ساعدتهم على بناء حضارة ومدن رائعة لم يكن لها مثيل. ومع ذلك، فانغمسوا في الكفر والغرور، مما أدى إلى غضب الله تعالى واندثار مدينتهم بالطوفان. على مر الزمن، عادت الفكرة إلى الطغاة بإعادة بناء المدينة فوق الجبال والمرتفعات.
استكبر قوم عاد وعاثوا في الأرض فساداً بعد إعادة بناء مدينتهم، حيث أنشأوا قلاعاً وقصورا وأقاموا مصانع لنحت الأحجار. كما قاموا بإنشاء حدود تحمي مدينتهم من عوامل الطبيعة. وقد ذُكر قوم عاد في عدة سور في القرآن الكريم، مثل: سورة الشعراء، وهود، والمؤمنون، والذاريات، والأحقاف. سكنوا في وادي الأحقاف، حيث نحتوا الجبال لإقامة أعمدة ضخمة وبناء القلاع والقصور.
أما هود عليه السلام، فقد دعا قومه إلى تقوى الله تعالى وشكره على نعمه، وترك الكبر والاستعلاء. إلا أنهم قابلوه بقسوة واستعجلوا عذاب الله. أُرسل عليهم عذاب بعد انقطاع المطر لثلاث سنوات، فطالبوا آلهتهم بالاستغاثة. وعندها بعث الله لهم سحابة سوداء، ظنوا أنها بشرى، لكنها كانت عذاباً. أرسل الله ريحاً عاتية استمرت سبع ليالٍ وثمانية أيام، هرب خلالها الجبابرة إلى كل مكان، حتى إلى الكهوف والجبال، ولكنهم هلكوا جميعاً عدا هود ومَن آمن به.
إرم ذات العماد
ذُكر مصطلح إرم في كتب اللغة بمعنى الحجارة المنصوبة، وقد جاء في القرآن الكريم بصيغة “إرم ذات العماد”. قال تعالى في سورة الفجر: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ). وقد فسر المفسرون الآيات بطرق متعددة، مما أدى إلى اختلافاتهم في إعراب كلمة “إرم”. فيرجح البعض أن “إرم” تعني القبيلة ذاتها، بينما يفسر آخرون “إرم” على أنها اسم مدينة. وبشكل عام، فإن الغالبية من المفسرين يتفقون على كون “إرم” بلدًا أو مدينة.
موقع إرم ذات العماد
لم يتوصل الباحثون إلى توافق حول موقع مدينة إرم. اعتقد البعض أنها تقع في بلاد الشام، في حين رأى آخرون أنها في بلاد اليمن. يشير قوله تعالى: (وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ) إلى أن موقع القبيلة كان في الأحقاف. ووفقاً للياقوت، فالأحقاف عبارة عن وادٍ يقع بين عمان وأرض مَهرة، وهو جزء من أرض اليمن. بينما يروي ياقوت عن الإخباريين أن مدينة إرم تقع بين حضرموت وصنعاء في اليمن.
يعتقد ابن خلدون أن موطن قوم عاد هو الأحقاف الممتدة من عمان إلى حضرموت والشحر. وتعلق على رواية عدم وجود مدينة تدعى إرم، موضحاً أن إرم ربما تشير إلى قبيلة وليست مدينة. وتؤكد الدراسات اللغوية أن الأحقاف المذكورة في القرآن الكريم ليست خاصة بأحقاف اليمن، بل تشير إلى تجمعات رملية. هناك العديد من الأحقاف في الدول العربية، حيث ذكر ياقوت أن الأحقاف قد تكون جبلاً في الشام، مما يظهر عدم وجود قناعة دقيقة حول موقع إرم ذات العماد.
وقد ذُكر أيضًا أن بعض الباحثين يذهبون إلى أن مدينة إرم تقع في بلاد الشام، حيث اعتبر البعض أنها دمشق. كما أشار الحسن الهمداني في كتابه الإكليل إلى أن الأعاجم ربطوا موقع المدينة بدمشق. مع ذلك، نُلاحظ أنه لم يُذكر في أي نص أن هود عليه السلام نزل في دمشق. وقد قام عدد من الباحثين بإجراء دراسات وأسفرت عن اكتشافات تشير إلى موقع يُدعى “آراماوا” في بلاد الشام كما ذكر الجغرافي بطليموس. تشير الحفريات التي أجراها المعهد الفرنسي ودائرة الآثار الأردنية إلى أن إرم معروفة باسم “رم”، وهي جبال تقع شرق مدينة العقبة.
يستنتج أيضًا أن قوم عاد ربما سكنوا في الجزء الشمالي الغربي من شبه الجزيرة العربية، ويمتد ذلك من شمال الحجاز إلى نجد ثم إلى حدود بلاد الشام. وقد رُوِيَ عن ياقوت أن إرم هو جبل مرتفع من جبال حِسمى بالقرب من العقبة. وبالتالي، تشير معظم الآراء البحثية إلى أن موقع مدينة إرم قد يكون قريبًا من العقبة وليس في اليمن.
أساطير عن مدينة إرم
تشير الأساطير إلى أن شدّاد بن عاد هو من قام ببناء مدينة إرم، حيث سمع عن جنة الله للمتقين وما تحتويه من قصور من الذهب والفضة. هذا ألهمه لبناء مدينة تحمل نفس الصفات على الأرض، فاختار مئة رجل لقيادة ألف عامل من مختلف الدول لتجميع الذهب والفضة والياقوت والعنبر. أقام المدينة على مدى خمسمئة عام، وأحاطها بالجدول والممرات التي تجري بها الأشجار المثمرة من الجواهر.
قصره الخاص تم بناؤه في وسط المدينة، مرتفعًا بحيث يطل على جميع القصور. أُرسل الله سبحانه وتعالى هودًا عليه السلام برسالة تدعو قومه إلى الرجوع إلى الله والإيمان به، إلا أن شدادًا أصر على طغيانه. وبعد الانتهاء من بناء المدينة، خرج مع ثلثمئة ألف من جنوده ليجد أنه قد هلك مع الجميع بسبب صياح من السماء.
توجد روايات عن رجال دخلوا مدينة إرم، حيث يُحكى عن أحدهم أنه وجد لوحًا قديمًا يتحدث عن شداد بن عاد. ويقال أيضًا إنه عُثر على قبر هود عليه السلام في كهف، لكن يبدو أن تلك القصص قد تكون مجرد خيال.