لوحة الموناليزا
تعتبر لوحة الموناليزا من الأعمال الفنية الأبرز على مستوى العالم، وقد رسمها الفنان الإيطالي الكبير ليوناردو دا فنشي، الذي يُعد من أعظم الرسامين عبر العصور. عند النظر إلى الموناليزا، يتجلى في نظر المشاهد ابتسامتها الغامضة وعينيها اللتين تحملان طابع الغموض. ووفقًا للتقاليد، يُقال إن دا فنشي قام بتوظيف مهرج للحفاظ على ابتسامة موديلته أثناء فترات إنجاز العمل. يُعرف العمل أيضًا باسم الجيوكندا، ويتميز بحجمه الصغير مقارنة بأعمال دا فنشي الأخرى، حيث يبلغ ارتفاعه 30 إنشًا وعرضه 21 إنشًا.
موقع لوحة الموناليزا
هناك اعتقادات بأن لوحة الموناليزا ليست كاملة، إذ يُعتقد أن بعض تفاصيلها فقدت أو تعرضت للتلف نتيجة تنقلها بين إطارات متعددة. شهدت اللوحة تنقلات عبر بلدان مختلفة قبل أن تبقى مع دا فنشي، حيث انتقلت من ميلانو إلى روما ثم إلى فرنسا. قام الملك فرانسيس الأول بشرائها ليضعها في قصر شاتو فونتينبلو، ثم نقلت إلى قصر فرساي، وفي عام 1798م، تم نقلها إلى متحف اللوفر في باريس. وفي عام 1800م، أخذها نابليون ووضعها في غرفة نومه خلال الثورة الفرنسية، ليتم إعادتها إلى متحف اللوفر في عام 1804م. حاليًا، تستقطب اللوحة قرابة ستة ملايين زائر سنويًا، حيث يستطيع كل زائر التمتع برؤيتها مدة لا تتجاوز 15 ثانية.
تاريخ لوحة الموناليزا
بدأ ليوناردو دا فنشي برسم لوحة الموناليزا عام 1503م، وأنهى العمل عليها في عام 1510م، بناءً على طلب تاجر الحرير الإيطالي فرانسيسكو ديل جيوكوندو، الذي كان صديقًا مقربًا له. طلب تاجر الحرير منه رسم زوجته الثالثة تعبيرًا عن حبه لها، وفقًا لما كشف عنه المؤرخ الإيطالي جوزيبي بالانتي، الذي بحث هذا الموضوع لمدة 25 عامًا.
يشار إلى أن فرانسيسكو ديل جيوكوندو لم يتسلم اللوحة بسبب التأخير في إنجازها. ورغم وجود بعض الأدلة تبيّن معرفته بوجود الموناليزا، إلا أن هذه الأدلة لا تثبت بما لا يدع مجالًا للشك أنها المرأة المرسومة في اللوحة. تُطرح نظريات حول هوية العارضة، حيث يعتقد البعض أنها والدته، بينما يعتقد آخرون أنها مجرد تجسيد من خيال دا فنشي، أو حتى تمثيل لمريم العذراء.
توجد الكثير من الروايات حول شخصية الموناليزا وسبب ابتسامتها الحزينة، فقد قيل إنها تدعى مادونا ليزا دي انتينو، وهي الزوجة الثالثة للتاجر الذي طلب رسمها. من جهة أخرى، حلل دا فنشي ابتسامتها واكتشف أنها كانت تحب شخصًا آخر وقد توفي، مما ألقى بظلاله على حياتها. أما روايات أخرى فتشير إلى أنها كانت حامل وتعاني الألم الناتج عن هذا الحمل.
قال المؤرخ الصيني أنجيلو باراتيكو إن الموناليزا قد تكون تمثيلًا لوالدته، خادمة صينية تدعى كاترينا، مدعياً أن والدها كان كاتبًا حكوميًا وأنه كان يُنظر إلى والدته باحتقار بسبب حالتها الاجتماعية. وقد أمضى باراتيكو سنوات في البحث عن هذا الموضوع ودعم نظريته. ومع ذلك، أكد المؤرخ الفني فيتور تيكسيرا أن هذا الطرح غير مبني على أسس واقعية.
التقنيات المستخدمة في رسم الموناليزا
فنيًا، اكتسبت الموناليزا سمعتها العظيمة نتيجة استخدام تقنيات مبتكرة في صياغتها. اعتمد دا فنشي أسلوبًا دمج بين الإسقاط الجانبي والأمامي ليعطي عمقًا أكبر للتجسيم، والمعروف باسم الإسقاط المتوسط، مما مكنه من خلق شكل هرمي يُبرز تفاصيل الموضوع. يدعم الشكل العام للعمل تصميم الديناميكية لتوزيع الأشكال داخل الإطار.
تقنية أخرى قدمها دا فنشي هي الرسم المموه، والتي تخلت عن الخطوط الواضحة في تشكيل الملامح، حيث تتداخل الألوان بشكل ضبابي. هذه الطريقة مكنته من دمج خلفيات مختلفة في العمل، حيث تظهر الخلفيات في تناقضات واضحة ووضعيات ملتوية تعزز من جمال اللوحة.
حادثة سرقة اللوحة وإعادتها
في عام 1911م، تمكن شاب فرنسي يدعى فينتشنزو بيروجي من سرقة لوحة الموناليزا من المتحف دون أن تُلاحظ غيابه، حيث اعتقد الحراس أنها تم نقلها بغرض التصوير. لكن اكتشفت عملية السّرقة في اليوم التالي. وقد أُغلقت حدود فرنسا لفترة، وتم تفتيش جميع القطارات والسفن. بعد عامين، تم القبض على بيروجي، الذي كان نجارًا في المتحف آنذاك.
باع بيروجي اللوحة لأحد الفنانين الإيطاليين، ألفريدو جيري، الذي بادر بإبلاغ السلطات بعد تأكده من أنها النسخة الأصلية للموناليزا. بعد المفاوضات، تمت استعادة اللوحة، ولكن فينتشنزو استطاع أن يقنع الحكومة بأنه وطني إيطالي كان يخطط لإعادة العمل إلى إيطاليا، مما أدى إلى حكمه بالسجن ستة أشهر فقط.
الموناليزا عبر العصور
تعرضت لوحة الموناليزا لعدة محاولات تخريبية عبر الزمن، منها إلقاء حمض عليها في عام 1956م، وبنفس العام قامت امرأة برمي صخرة نحوها. وفي عام 1974م، تم رش الطلاء الأحمر على اللوحة، بينما في عام 2009م، شنت امرأة غاضبة هجومًا عليها بفنجان. كما أثر الرطوبة أيضًا على اللوحة، مما أدى إلى حصول تشققات في إطارها. نتيجة لهذه الحوادث، تمت حماية اللوحة بزجاج مضاد للرصاص لضمان سلامتها.