تعريف بإسماعيل بن حماد الجوهري
أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، عالم لغوي وشاعر، وُلِد عام (332هـ) في مدينة أترار، المعروفة اليوم بفاراب في كازاخستان. يعتبر الجوهري من أبرز الشخصيات في ضمان اللغة العربية والخط المنسوب. يُعتقد أنه كان الشخص الثاني الذي حاول الطيران بعد عباس بن فرناس، وقد وُصف بذكائه وفطنته، كما ذكر ياقوت الحموي عنه: “إنه من أعاجيب الزمان ذكاءً وفطنة”.
كان الجوهري عاشقًا للسفر، حيث قام برحلة واسعة لطلب العلم. زار العراق حيث تتلمذ على يد أبرز علمائها، ودرس اللغة العربية على يد أبي علي الفارسي والسيرافي. بعد ذلك، اتجه إلى الحجاز للنهل من العلم، حيث طاف بين القبائل مثل مضر وربيعة، واكتسب العربية مباشرةً من العرب. بعد هذه الرحلة، عاد إلى خراسان، ويقال إنه استقر في نيسابور حيث تولى التعليم والتأليف.
أعمال الجوهري
من أبرز مؤلفات الجوهري كتاب “تاج اللغة العربية وصحاح العربية”، المعروف اختصارًا بـ “الصحاح”. بالإضافة إلى ذلك، له مؤلفات أخرى مثل “العروض” و”المقدمة في النحو”.
عن كتاب الجوهري “الصحاح”
يعتبر كتاب “الصحاح” واحدًا من أشهر مؤلفات الجوهري، وقد حقق شهرة عظيمة بين علماء اللغة. يوضح الجوهري في مقدمة كتابه غرضه، قائلاً: “أودعت هذا الكتاب ما صح عندي من هذه اللغة التي شرف الله منزلتها، وجعل علم الدين والدنيا منوطًا بمعرفتها على ترتيب لم أسبق إليه وتهذيب لم أغلب عليه”.
قسَّم الجوهري كتابه إلى 28 بابًا تبعًا لنهاية الكلمات، ثم نظر إلى بداية الكلمات ليقسم الفصول داخل كل باب. وقد تجرد من حروف الزيادة في أول الكلمات وآخرها، مثلًا: “أرنب” وزنه “أفعل”، و”أنبوبة” وزنه “أفعولة”، حيث تُعتبر الحروف الموافقة للفاء والعين واللام (فعل) أصول الكلمات، بينما تُعد الحروف الباقية حروف زيادة.
آراء النقاد والعلماء حول مؤلفات الجوهري
احتوت مؤلفات الجوهري على آراء متنوعة من العلماء والنقّاد، حيث دافع بعضهم عن أعماله بينما انتقد آخرون تلك المؤلفات. من أبرز ما قيل:
- قال ابن منظور في مقدمة معجمه “لسان العرب”: “رأيت أبا نصر إسماعيل بن حماد الجوهري قد أحسن ترتيب مختصره وشهره بسهولة وضعه فخف على الناس أمره فتناولوه وقرب عليهم مأخذه فتداولوه وتناقلوه”.
- أما أبو محمد إسماعيل بن محمد بن عبدوس النيسابوري فقال في “الصحاح”:
هذا كتابُ الصحاح سيدُ ما
صنف قبل الصحاح في الأدب
تشملُ أبوابهُ وتجمع ما
فُرَّق في غيره من الكُتبِ
براعة الجوهري في الشعر
على غرار إتقانه لعلوم اللغة العربية، أظهر الجوهري مهارات بارزة في نظم الشعر. حيث قال عنه الذهبي: “وللجوهري نظمٌ حسن”، بينما وصفه الثعالبي بالقول: “وللجوهري شعر العلماء، لا شعر مفلقي الشعراء”. وقد تنوعت أعماله الشعرية التي سنذكر بعضًا منها فيما يلي:
يقول الجوهري:
يا ضائع العمر بالأماني
أما ترى رونق الزمانِ
فقُم بنا يا أخا الملاهي
نخرج إلى نهر بُشتقانِ
كأننا والقصور فيها
بحافتي كوثر الجنان
والطير فوق الغصون تحكي
بحسن أصواتها الأغاني
وراسل الورق عندليبٌ
كالزير والبمِّ والمثاني
فرصتك اليوم فاغتنمها
فكل وقتٍ سواه فانِ
كما يقول:
رأيت فتى أشقرًا أزرقًا
قليل الدماغ كثير الفضول
يفضل من حمقه دائبًا
يزيد بن هندٍ على ابن البتول
وفاة الجوهري
يُروى عن ياقوت الحموي أنه ذكر: “اعترى الجوهري وسوسة فانتقل إلى الجامع القديم في نيسابور، وصعد إلى سطحه، وقال: أيها الناس، إني عملت في الدنيا شيئًا لم أُسبق إليه، فسأعمل للآخرة أمرًا لم أُسبق إليه. وضمّ جناحيه مصراعي باب وتأبطهما بحبل، واعتقد أنه سيمكنه الطيران، لكنّه سقط وتوفي”. وقد وُفِي الجوهري عام (398هـ).