إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار هو تصرف ينتج عنه ضرر وأذية للجسد، وهو سلوك محرم وغالبًا ما ينتج عن شخص ذي شخصية هشّة وضعيفة، وكثيرًا ما يكون بسبب شعور مؤقت أو دائم بالعجز والإكتئاب، وسنُبَيِّن حكم إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار وما هي أسبابه ودوافعه على موقع سوبر بابا.
إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار
لقد حَرم الله إيذاء الإنسان لغيره أو لنفسه، أو تعريضها للتهلكة، والدليل على ذلك قوله تعالى: “وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ” (البقرة: 195)، لقد أمرنا الله بعدم التفريط في أنفسنا، لأن أرواحنا ليست ملكًا لنا، بل ملك لله الذي خالقها.
في قوله تعالى: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا” (النساء: 29)، إن الله رحيم بنا مهما أذنبنا فهو يغفر الذنوب جميعًا، فمن نحن لكي نحكم على أنفسنا بالموت أو الأذى؟! ونحن الذين لا نملك من أمرنا شيء!
اقرأ أيضًا: ماذا يعنى الاحتراق الذاتي النفسي في الإسلام
الأحاديث التي تحرم إيذاء النفس
تعددت الأدلة من سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التي تحرم وتنهى عن إيذاء النفس بأي شكل من الأشكال، ومن ضمنها ما يلي:
- ما ورد في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن قَتَلَ نَفْسَهُ بحَدِيدَةٍ فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَتَوَجَّأُ بها في بَطْنِهِ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن شَرِبَ سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَحَسَّاهُ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا، ومَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ فَهو يَتَرَدَّى في نارِ جَهَنَّمَ خالِدًا مُخَلَّدًا فيها أبَدًا.”
- حدثنا جندب بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قال: “كان فيمن كان قبلكم رجل به جرح، فجزع، فأخذ سكينا فحزّ بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه؛ حرّمت عليه الجنة” (رواه البخاري).
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ” الذي يخنق نفسه يخنقها في النار، والذي يطعنها يطعنها في النار“.
إن روح الإنسان أمانة تركها الله للعبد، ومن الواجب عليه الحفاظ عليها، وقد حُرَّم الاعتداء على النفس أو على الغير، وفي ذلك الحفاظ على حق الله في النفس، وفيه رحمة ورأفة من الله بنا، حيث حرم علينا أن نؤذي أنفسنا.
أسباب إيذاء النفس
يوجد العديد من الأسباب منها ما هو نفسي وما هو عقلي، ومنها ما يكون مجرد حالة من الغضب أو اليأس المؤقت، ومن ضمن هذه الأسباب ما يلي:
- عدم قدرة الشخص على فهم نفسه وحالته النفسية.
- قلة وضعف إيمان المرء بالله تعالى.
- الشعور بقلة التقدير، والشعور بالإحباط واليأس.
- استخدام إيذاء النفس كوسيلة للفت الانتباه أو البحث عن الإهتمام.
- وسيلة لمعاقبة النفس على فعل معين أو شعور ما.
- عدم قدرة الإنسان على حب نفسه أو فهمها.
- قلة ثقة بالله وبالنفس.
- الرغبة في السيطرة على الألم العقلي القوي.
- الشعور بتدنّي قيمة الذات والحياة.
- عدم إحساس بالأمان والإطمئنان.
- التعرض المستمر للهجران والخسارة.
- عدم التأقلم مع الآخرين ومع من حوله.
- الشعور الدائم بالحزن والأسى.
- الشعور بالوحدة والنبذ المجتمعي.
- محاولة إشعار الآخرين بالذنب.
- محاولة الشعور بالقوة والسيطرة على نفسه ومشاعره.
- التعبير عمّا بداخله بطريقة خاطئة.
- الشعور بعدم وجود الرابط العاطفي تجاه الوالدين.
- عدم الشعور بقيمة الحياة والنعم الموجودة فيها.
- الشعور بالعزلة الاجتماعية، والشعور بالثقل على الآخرين.
- المرض العقلي، واضطراب ثنائي القطب واضطرابات الطعام.
- الرغبة في الهروب وعدم مواجهة مشاعر الخسارة أو الفقد.
- القلق المستمر والشعور بأنه عبء على من حوله.
- الجهل بحكم إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار.
كيفية الوقاية من الإصابة بحالة إيذاء للنفس
إن الوقاية من هذه الحالات لا تعتبر مسؤولية الفرد نفسه، على قدر ما تعتبر مسؤولية المجتمع والعائلة والأصدقاء أو المحيطين بهذا الشخص، ومن طرق الوقاية ما يلي:
- تحديد حالة الشخص ومن ثَم تقديم المساعدة بناءً على ذلك.
- تعلّم مهارات التأقلم والتعامل مع مشاعر الحزن أو الغضب التي يشعر بها والسيطرة عليها.
- تجنّب الحديث في الأمور السلبية، والانتقاد الدائم والتقليل والسخرية منه.
- نشر الوعي بين الأطفال والمراهقين عن حرمة إيذاء النفس والشرح لهم ماذا يعني.
- خلق دائرة اجتماعية صحية حول الشخص الذي يمر بفترة اكتئاب، والمحاولة في التخفيف عنه.
- عدم تركه للوحدة والحزن، ومحاولة خلق أي مناسبات أو أجواء بهجة لشغله بها، والتأثير الإيجابي على حالته النفسية.
- تشجيع الشخص على الخروج من العلاقات المؤذية والدوائر المغلقة، ومساعدته على بناء الثقة في نفسه مرة أخرى.
- مساعدة الشخص على البدء من جديد إذا أصابته حالة من الملل أو فقدان الشغف.
- تشجيعه على طلب المساعدة ومساعدته على خلق وتقوية روابط اجتماعية سويّة.
- عمل أنشطة تطوعية وتشجيعه على المشاركة فيها، ففعل الخير يُحسّن من نفسية الإنسان، وعلاقته بالآخرين.
اقرأ أيضًا: فضل جهاد النفس
علاج المصاب بحالة إيذاء للنفس
من طرق علاج حالة إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار العلاج النفسي والعلاج بالقرآن الكريم وبيانه فيما يلي:
- العلاج النفسي يكون عن طريق الذهاب إلى مختص نفسي أو طبيب نفسي يساعد الشخص في تحديد وتشخيص حالته، ومساعدته على إيجاد حل لها.
- تحديد المشكلة أو السبب الذي يحفز لديه رغبته في إيذاء نفسه، والعمل على علاج المشكلة من الجذور.
- عن طريق العلاج السلوكي وهو عبارة عن جلسات مستمرة أسبوعيًا وبشكل فردي، وفي خلالها يقوم المعالج بمساعدة الشخص على التحكم بمشاعره، والتكيف مع الظروف من حوله.
- العلاج عن طريق تنظيم مشاعره وفهمها، وإدراك مشاعر الغضب والانفعالات وكيفية التعامل معها.
- العلاج بالقرآن يحقق حالة نفسية مستقرة ومنضبطة للإنسان، ويضيف حالة من السكون والاطمئنان، فالقرآن من أفضل العلاجات النفسية، فمن يستمع إليه يشعر بالسكينة والهدوء، ويغمره براحة نفسية كبيرة.
- أما بالنسبة للرقية الشرعية فهي مفيدة، وقد صحّ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان إذا مرض قرأ المعوذتين ونفث في يده ومسح على جسده وهو يقول: “اللهمَّ ربَّ الناسِ أذهبِ البأسَ واشفِ أنت الشافِي لا شفاءَ إلا شفاؤُك، شفاءً لا يُغادرُ سَقمًا “، يقول أيضا: “ أَعُوذُ بكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ، مِن كُلِّ شيطَانٍ وهَامَّةٍ، ومِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ.”
كيفية التعامل مع شخص يؤذي نفسه
الشخص الذي يؤذي نفسه غالبًا ما تكون نفسيته غير مستقرة، ويشعر بقلة الثقة وعدم حب النفس، ولنعرف كيفية التعامل معه علينا اتباع هذه الإرشادات:
- محاولة التحدث معه بهدوء واستيعاب مشاعره، ومساعدته في التعبير عنها وإخراج ما بداخله.
- الصبر عليه وعدم الحكم والتسرع في اتخاذ موقف أو قرار بناءً على كلمات الشخص أو تعبيره عن مشاعره.
- عليك أن تحدد أسباب المشكلة ودوافعها، هل هي نفسية أم عقلية؟ هل هي اضطرابات مؤقتة، عليك معرفة أسباب المشكلة ومن ثم العمل على حلها عن طريق شخص ذو خبرة أو مختص نفسي.
- اقتراح بدائل مؤقتة لعلاج الحالة في الوقت الحالي، ومنها محاولة تغيير الظروف والأسباب المحيطة، وإخراجه من الدائرة السامة التي يدور فيها.
- مساعدته على عمل أنشطة تُهدئ النفس والعقل، مثل الإستماع إلى أصوات مثل أمواج البحر أو موسيقى هادئة.
- الكتابة وسيلة جيدة وفعّالة في إخراج المشاعر المكبوتة داخل الإنسان، وهي تساعده على التعبير عن مشاعر الغضب والحزن والارتياح منها.
- عدم وضع افتراضات لما يشعر به، والتصرف بناءً على ذلك.
اقرأ أيضًا: كيف ندرس الحالة النفسية
نصائح لتعيش بإيجابية
الحياة فيها ما هو سيئ وما هو جيد، والجميع يمرون بأوقات سعيدة وأوقات حزينة، ولكي تعيش بإيجابية عليك العمل بهذه النصائح:
- تقبل الفشل ولا تخف من وقوعه، فالفشل مرحلة من مراحل النجاح، ولا يوجد نجاح بدون فشل.
- عزّز ثقتك بنفسك، وبأفكارك، آمن بأهدافك، واسع لتحقيق طموحاتك.
- اِنس الماضي وعش الحاضر وخطط لمستقبلك.
- خُذ قراراتك بنفسك وتحّل مسؤوليتها.
- سامح الآخرين وأصفح عنهم لتتحرر من الشعور بالغضب أو الكره.
- مارس الرياضة فهي تُغذّي الروح، وتُنشّط الجسم.
- اجعل تفكيرك واقعيًا ومنطقيًا.
- ابحث عن كل ما يُؤمنّ لك شعور الراحة والطمأنينة.
- جالس الأطفال الصِغار وشاركهم اللعب.
- تجنّب الأشخاص السلبيين وابتعد عنهم.
- قوّي إيمانك بالله -عز وجل- وتوكل عليه.
- ضع أهدافك الخاصة بالحياة ولا تتأثر بأهداف الآخرين.
- خذ إجازة طويلة بعيدًا عمّا يسبب لك التوتر والضغط.
- غيّر روتين حياتك اليومي، وأضف بعض العادات الجديدة عليه.
- اقرأ كثيرًا، فالثقافة هي غذاء العقل والنفس، وهي وسيلة مجانية لتنمية الذات والنضج العاطفي.
- استقبل كل ما تواجهه بحب، تصالح مع الحالة التي أنت عليها في هذه اللحظة، وضع جانبًا أي مشاعر غضب أو اشمئزاز.
- امنح نفسك الوقت للتعافي من أي ألم، وذكّر نفسك قدر الإمكان بأن الشفاء يستغرق وقتًا.
- تخلّ عن السيطرة، فستمر بأيام سترغب في التحكم بالأمور حينها وتسريع عملية الشفاء، ولكن عليك ألّا تقوم بذلك.
يجب معرفة أن إيذاء النفس في الإسلام محرم ومنهي عنه، وفعل ذلك يعدّ من الكبائر التي نهانا عنها النبي -صلى الله عليه وسلم- لأن النفس لها حقٌ علينا، وعلينا التعامل برحمة ويُسر مع أنفسنا.