الحديث النبوي
يُعرف الحديث في اللغة بأنه كل ما يُتحدث به من أقوال أو أخبار، بينما يُعرف الاصطلاح الحديث النبوي بأنه ما أُضيف إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من قول أو فعل أو تقرير، بالإضافة إلى الصفات الخَلقية والخُلقية. ومن المفيد الإشارة إلى أن التقرير يُعنى بعدم إنكار النبي -عليه الصلاة والسلام- على أقوال أو أفعال الصحابة -رضي الله عنهم-، حيث يُعتبر سكوت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بمثابة إقرار لهذا الفعل أو القول، مما يضفي عليه صفة شرعية؛ لأن النبي لا يقرُّ ما هو غير مشروع. وفيما يتعلق بالصفات الخَلقية، فقد وُرِد عنه وصف لون بشرته وشكل شعره وطوله وكيفية مشيه، بينما تعكس الصفات الخُلقية كرم أخلاقه وشجاعته وتواضعه، بجانب وصف رحمة النبي بالمساكين والفقراء، وحلمه عما يستحق العقوبة، وغيرها من الفضائل الأخلاقية. ومن المهم أن نلاحظ بعض العلماء يعتبرون أقوال وأفعال الصحابة والتابعين من ضمن الحديث النبوي.
ينقسم علم الحديث إلى قسمين: علم الحديث درايةً وعلم الحديث روايةً. وباستطاعتنا القول إن علم الحديث روايةً هو من أسمى العلوم وأشرفها، حيث يُعنى بنقل أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وصفاته، بالإضافة إلى الحذر من الأخطاء في نقلها، ما يساعد على فهم كيفية الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام-. ويتجلى في قوله تعالى: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّـهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّـهَ كَثِيرًا). ويُعتبر محمد بن شهاب الزهري، شيخ الإمام البخاري، من الرواد في هذا العلم، حيث كان أول من وضع أسس التدوين العام له. إن أهمية هذا العلم تتعزز لأنه يشكل قاعدة للاحكام الشرعية، ويساعد على توضيح ما أُجمل في آيات القرآن الكريم.
الأربعون النووية
كتاب الأربعون النووية يُعتبر من أبرز الكتب في مجال الحديث النبوي. وقد سُمّي بهذا الاسم نسبةً لمؤلفه الإمام النووي، ونظراً لاحتوائه على أربعين حديثًا نبوياً تمثل جوامع أقوال النبي -عليه الصلاة والسلام-، كما تتناول العديد من قواعد الإسلام وأحكام الشريعة والفقه. يجدر بالذكر أن معظم الأحاديث الواردة في الأربعين النووية صحيحة، حيث يتفق العلماء على اثني عشر حديثًا، بينما انفرد الإمام مسلم -رحمه الله- بثلاثة عشر حديثًا، بينما تم رواية باقي الأحاديث بين الترمذي، ابن ماجة، الدارقطني، البيهقي، والنسائي. وعبر الإمام النووي عن أهمية هذا الكتاب بقوله: “وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث، لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره”.
ولقد بذل عدد كبير من علماء السلف والخلف جهدًا كبيرًا في جمع أربعين حديثًا نبوياً، حيث قاموا بتأليف العديد من المصنفات، مع اختلاف أهدافها وترتيبها. اعتمد البعض على ذكر أحاديث التوحيد وإثبات الصفات، كما فعل أبو إسماعيل الهروي والإمام الذهبي، بينما تطرق آخرون لأحاديث العبادات كالذي قام به تلميذ الإمام السيوطي يوسف بن عبد الله الحسيني الأرميوني المصري. وعلى الرغم من تنوع كتب الأربعين، يبقى كتاب الأربعين النووية الأبرز، حيث سعى الإمام النووي لجمع أربعين حديثًا في أساسيات الدين وأصوله، مؤكدًا صحتها، حيث قال في مقدمة الكتاب: “وألتزم في هذه الأربعين أن تكون صحيحة، ومعظمها في صحيح البخاري ومسلم”. بينما كان هناك خلاف بينه وبين بعض أئمة الحديث مثل الحافظ ابن رجب الحنبلي بشأن تحسينه لبعض الأحاديث، حيث أشار إلى ضعف أسانيد بعضها. ويمكن ذكر بعض الأحاديث كما يلي:
- الحديث الثاني عشر: رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (من حُسن إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه).
- الحديث التاسع والعشرون: رُوي عن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (وهل يَكُبُّ النَّاسَ في النَّارِ على وجوههِم، أو مَناخيرهم إلَّا حَصائدُ ألسنِتِهم).
- الحديث الثلاثون: رُوي عن أبي ثعلبة الخشني عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إِنَّ اللهَ فَرَضَ فَرَائِضَ، فلا تُضَيِّعُوها، وحَّدَ حُدُودًا فلا تَعْتَدُوها، وحَرَّمَ أَشْياءَ، فلا تَنْتَهِكُوها، وسَكَتَ عن أَشْياءَ رَحْمَةً لَكُمْ غيرَ نِسْيانٍ، فلا تَبْحَثُوا عَنْها).
- الحديث الحادي والثلاثون: رُوي عن سهل بن سعد الساعدي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (ازهد في الدُّنيا يحبُّك الله، وازهد فيما في أيدي النَّاس يحبُّك النَّاس).
- الحديث التاسع والثلاثون: رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إن اللهَ تجاوز عن أمتي ثلاثةً: الخطأَ والنسيانَ وما استُكرهوا عليه).
- الحديث الحادي والأربعون: رُوي عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (لا يُؤمن أحدكُم حتَّى يكون هواهُ تبعاً لما جئتُ به).
الإمام النووي
الإمام الزاهد الورع محيي الدين يحيى بن شرف النووي، الملقب بأبو زكريا، وُلد في عام 631هـ في قرية نوى التي تقع في سهل حوران في سوريا. بدأ رحلته في طلب العلم في سن مبكرة، إذ حفظ القرآن الكريم ودرس الفقه عند العلماء قبل أن يتجاوز العاشرة من عمره. وفي عام 649هـ، سافر برفقة والده لطلب العلم في مدرسة دار الحديث، وسكن في المدرسة الرواحية. وسرعان ما تميز الإمام النووي عن أقرانه بفضل اجتهاده، وحرصه على طلب العلم، وسرعة حفظه، فضلاً عن سعة علمه وثقافته المتنوعة وكثرة إنتاجه. فقد كان يقرأ يوميًا اثني عشر درسًا على مشايخه.
ذكر العطار -رحمه الله- عنه أنه كان حافظًا للمذهب الشافعي وأصوله وفروعه، فضلاً عن مذاهب الصحابة والتابعين. وقد قام الإمام النووي -رحمه الله- بتأليف العديد من الكتب المهمة مثل: المنهاج، رياض الصالحين، الروضة، الأذكار، شرح صحيح مسلم، والأربعين النووية، وغيرها الكثير. وعاش حياته في خدمة الدين والعلم حتى توفاه الله في الرابع والعشرين من رجب عام 676هـ في قرية نوى.