النطق باللغة العربية: من هو أول المتحدثين بها؟

اللغة

يُعاني علماء اللغة، سواء في العصور القديمة أو الحديثة، من عدم الاتفاق على تعريف شامل ودقيق للغة، وذلك نظراً لتعدد التخصصات العلمية المرتبطة بها. وقدّم العديد من العلماء تعريفات متنوعة تتباين وفقاً لخبراتهم ودراساتهم. ومع ذلك، كان هناك شبه إجماع بين العلماء القدامى على أن اللغة تُعتبر أداة للتواصل والتفاعل بين أفراد المجتمع، مهما اختلفت مواقعهم وأجناسهم. كما تُعد وسيلة للتعبير عن المشاعر والأفكار واحتياجات الإنسان ومتطلباته. من جهة أخرى، توصل العلماء المعاصرون إلى أن اللغة تعبر عن إشارات منظمة يستخدمها البشر للتعبير عن أفكارهم وعواطفهم.

من المهم الإشارة إلى أن قدرة الإنسان على استخدام اللغة تميزّه عن باقي المخلوقات. ففي حين يمكن للكائنات الأخرى أن تتواصل بطرق مختلفة، إلا أنها لا تستطيع استخدام اللغة كوسيلة رسمية للتواصل وتبادل المعلومات في حياتها اليومية. وعند تناول موضوع اللغة، يسترعي الانتباه أن هناك حالياً نحو سبعة آلاف لغة مختلفة حول العالم، وقد شهد هذا العدد انخفاضاً ملحوظاً مقارنة بما كان عليه في الماضي، نتيجة لتفشي اللغات المستخدمة في الدول الكبرى.

أول من نطق بالعربية

تباينت آراء العلماء حول تحديد أول من تحدث باللغة العربية، وظهرت روايات متعددة في هذا السياق. فقد ورد في تفسير القرطبي ما رواه كعب الأحبار، وهو كعب بن ماتع الحميري اليماني، التي تتضمن عدة آراء حول هذه المسألة، يمكن تلخيصها كالتالي:

  • قيل إن سيدنا آدم -عليه السلام- هو أول من نطق بالعربية، حيث وضع الكتاب العربي والسرياني، وتحدث بجميع الألسن.
  • قيل إن جبريل -عليه السلام- هو أول من نطق بالعربية، ومن ثم نقلها إلى لسان سيدنا نوح -عليه السلام-، الذي نقلها بدوره إلى ابنه سام.
  • قيل إن إسماعيل -عليه السلام- هو أول من تحدث بالعربية الفصحى، وكان عمره أربع عشرة سنة، وذلك وفقاً لحديث النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي قال: “أول من فُتِقَ لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة.”
  • قيل إن يَعرُب بن قحطان هو أول من نطق بالعربية.
  • قيل إن أول شخص تحدث بالعربية يدعى (جُرهُم)، من قبيلة جُرهُم البائدة، والذي كان من بين الذين ركبوا مع سيدنا نوح في السفينة.
  • قيل إن أقواماً من العرب البائدة مثل عاد وثمود، وأيضاً الجُرهُم وحِميَر وقحطان هم أول من تحدث بالعربية.

ورجح القرطبي أن يكون سيدنا آدم هو أول من تحدث بالعربية، مستنداً إلى قول الله -تعالى-: “وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.”

وقد وردت في تفسير هذه الآية الكريمة ثلاثة تفاسير:

  • أن الله -تعالى- علم آدم الأسماء جميعها.
  • أن الله -تعالى- علمه أسماء محددة، مثل أسماء الملائكة والقوماني وغيره.
  • أن الله -تعالى- علَّم آدم صفات الأشياء وخصائصها.

بناءً على ما سبق، يبدو أن سيدنا آدم -عليه السلام- كان عالماً بجميع اللغات الأساسية، وليس اللهجات. والفكرة هنا تركز على الأصول اللغوية، حيث اعتبر علماء اللغة أن آدم تحدث بكل اللغات، بما في ذلك اللغة العربية. أما ما ذكره العلماء عن أن أول من تحدث العربية هم أبناء إبراهيم وإسماعيل -عليهما السلام-، فالمقصود هنا هو أول من تحدث بها من قبيلتهما. ويُفترض أيضاً أن جبريل هو أول من تحدث بها بين الملائكة، حيث تم نقلها إلى سيدنا نوح بعد أن علمها الله لجبريل أو آدم.

اللغة العربية

تُعد اللغة العربية واحدة من اللغات السامية القديمة، التي يُنسب أصلها إلى سام بن نوح، الذي استقر مع أجياله في شبه الجزيرة العربية. تشمل هذه اللغات النبضية، والكنعانية، والحبشية، والبابليّة. تجدر الإشارة إلى أن اللغة العربية قد استطاعت أن تصمد أكثر من غيرها من اللغات، وذلك بفضل ما تحتويه من خصائص لغوية وإعرابية، حيث تضم الأصوات والعديد من صيغ جمع التكسير.

تتميز اللغة العربية بمكانة بارزة لدى العديد من الشعوب، حيث أصبحت لغة عالمية حية تُعرف بسرعة انتشارها وارتفاع عدد المتحدثين بها، الذين يتجاوز عددهم 422 مليون نسمة. وهي تعتبر اللغة الرسمية في جميع البلدان العربية، بالإضافة إلى إريتريا وتشاد. كما يتحدث بها قريب من نفس العدد من المسلمين غير العرب كلغة ثانية. وقد أطلق العرب عليها اسم لغة الضاد، نظراً لأنها تحتوي بين حروفها على حرف الضاد، والذي لا يوجد في باقي اللغات. بالإضافة إلى ذلك، اختار الله -تعالى- هذه اللغة لتكون لغة القرآن الكريم، مما منحها مزيداً من الخصائص والجودة وأكد على خلودها، حيث ارتبط بقاؤها ببقاء كتاب الله الذي تعهد بحفظه من الزوال.

اللغة التي تكلم بها إسماعيل

كانت اللغة العربية هي لغة العرب البائدة مثل أقوام عاد وثمود، وكذلك لغة جُرهُم وحِميَر وقحطان من العرب الباقية، حتى ظهور سيدنا إسماعيل -عليه السلام-. حدث انتقال كبير في عالم العربية بعد أن ضرب جبريل -عليه السلام- الأرض بقدميه، فخرج ماء زمزم، ونزلت قبيلة جُرهُم عند أم إسماعيل، حيث تعلم إسماعيل -عليه السلام- اللغة العربية منهم. وقد ورد في الحديث الشريف: “أول من فُتِقَ لسانه بالعربية المبينة إسماعيل، وهو ابن أربع عشرة سنة.” ومن ثم ألهمه الله -تعالى- العربية الفصحى، فأصبح يتحدث بها. وهكذا، جمع سيدنا إسماعيل بين التحدث بالعربية الفصحى المعاصرة والتي ألهمه الله إياها، وتعلم أصول اللغة العربية من قوم جُرهُم. وقد أشار مؤرخو السير إلى أن العربية التي يتحدث بها إسماعيل كانت تفوق بفصاحتها اللغة التي كان يتحدث بها جُرهُم ويَعرُب وقحطان. وبالتالي، أصبحت العربية التي يتحدث بها إسماعيل هي اللغة العربية الفصحى الواضحة، ومن ثم نزل القرآن الكريم بعد ذلك باللغة العربية، مما أحدث نقلة عظيمة في اللغة العربية ودعم مكانتها، حيث أصبحت لغة الإسلام الأولى.