تأثيرات الأمطار الحمضية على البيئة والموارد الطبيعية

تأثيرات الأمطار الحمضية

يُعرّف المطر الحمضي بأنه نوع من الأمطار الذي يحتوي على أحماض النيتريك والكبريتيك التي تُنتج بشكل أساسي نتيجة للأنشطة البشرية التي تعتمد بشكل كبير على حرق الوقود الأحفوري. ومن الجدير بالذكر أن المطر الحمضي يسبب العديد من الأضرار على النظم البيئية المتنوعة، بما في ذلك الانخفاض في التنوع البيولوجي، القضاء على مصادر الغذاء، وتدمير البيئة.

تأثيرات الأمطار الحمضية على الحيوانات

تظهر النتائج السلبية للمطر الحمضي بوضوح في النظم البيئية المائية مثل البحيرات، المستنقعات، والجداول. عند اختلاط المطر الحمضي بالتربة، تزداد حموضتها، مما يؤدي إلى تسرب أيونات الألمنيوم الى المسطحات المائية، مما قد يتسبب في تشوهات للأجنّة وموت بويضات العديد من البرمائيات التي تتكاثر في هذه المياه. تختلف قدرة الحيوانات على تحمل درجات الحموضة، فبعض الأنواع تكون أكثر حساسية لأيونات الألمنيوم. على سبيل المثال، معظم بيوض الأسماك لا تفقس عند درجة حموضة تبلغ 5، بينما قد تموت بعض الأسماك البالغة عند درجات أقل. ومن جهة أخرى، قد لا تتأثر بعض الحيوانات بشكل مباشر بحموضة المياه، لكن غذائها من النباتات والحيوانات الأخرى يتأثر، كما هو الحال مع الضفادع التي تتحمل درجة حموضة 4 بينما يموت ذباب مايو الذي تتغذّى عليه عند حموضة تقل عن 5.5.

تشير الأبحاث إلى أن الأمطار الحمضية تؤثر على الطيور أيضاً، وإن كان ذلك أقل وضوحاً. حيث تُظهر الدراسات أن الإصابة اللاحقة للطائر المعروف باسم سمنة الغياض (wood thrush) تنخفض بسبب المطر الحمضي، الذي يمكن أن يتسبب في موت الحلزونات، وهي مصدر غذاء لبعض إناث الطيور بسبب احتوائها على كميات كبيرة من الكالسيوم المساعد في تقوية بيضها. نتيجة لذلك، يعاني البيض من عيوب تؤدي بدورها إلى انخفاض التنوع البيولوجي للطيور في بعض المناطق.

تأثيرات الأمطار الحمضية على التربة والنباتات

يتمثل التأثير غير المباشر للمطر الحمضي على النباتات من خلال تغييرات كيميائية في التربة. إذ تعتمد النباتات على المواد العضوية التي تحللها الكائنات الدقيقة الموجودة في التربة لتوفير الغذاء. لكن المطر الحمضي يُضعف هذه الكائنات ويزيد من حموضة التربة، مما ينتج عنه تقليل نسب العناصر الغذائية ويموت بعض النباتات أو تتباطأ وتيرة نموها، إضافة إلى تقليل قدرتها على تحمل الظروف البيئية القاسية مثل الرياح القوية والبرودة الشديدة. بالإضافة إلى ذلك، يتفاعل المطر الحمضي كيميائياً مع التربة، مما يُفقدها العناصر الغذائية الضرورية، وهذا يؤثر سلباً على إنتاجية الغابات في المستقبل. للألمنيوم الناتج عن بعض هذه التفاعلات تأثير سام على جذور النباتات، حيث يُعوق امتصاص العناصر الغذائية الهامة مثل الفوسفات.

أيضاً، لا يقتصر تأثير الأمطار الحمضية على التربة والجذور فحسب، بل يمتد ليشمل الأوراق كذلك. حيث تساهم الأمطار الحمضية في إزالة الطبقة الشمعية الواقية للأوراق، مما يُظهر تأثيرها بشكل سريع على الأشجار التي تنمو في الجبال العالية، نظرًا لأن قممها تكون مغلقة في الضباب الحمضي.

أضرار الأمطار الحمضية على المباني والهياكل المعدنية والمعالم الأثرية

تلحق الأمطار الحمضية أضراراً جسيمة بالمباني والمعالم والنصب الأثرية، مما يزيد من تكاليف الصيانة إلى جانب الحاجة لإصلاح واستبدال المواد المتضررة مثل الطلاء. يؤدي ذلك إلى فقدان بعض المعالم الهامة وتلاشي تفاصيل العديد من المباني. تعود هذه الظاهرة إلى أن معظم هذه المعالم مصنوعة من الرخام والحجر الجيري، اللذان يتكونان أساساً من كربونات الكالسيوم (CaCO3)، والتي تذوب في الأمطار الحمضية، مما ينتج أيونات تتوزع مع الأمطار المتساقطة على المباني، كما هو موضح في المعادلة التالية: CaCO3 + H2SO4 → Ca+2 + SO4-2 + H2O + CO2

بالإضافة إلى ذلك، تتأثر المنشآت المعدنية أيضاً بالأمطار الحمضية، حيث تتفاعل مع الحديد مُنتجة أيونات حديد موجبة الشحنة. فعن طريق هذا التفاعل: (4Fe (s) + 2O2 (g) + 8H+ (aq) → 4Fe+2 (aq) + 4H2O (l)، تتفاعل أيونات الحديد الناتجة لاحقًا مع الأكسجين لتكوين أكسيد الحديد، الذي يُسبب تآكل وصدأ الحديد، كما هو موضح فيما يلي: 4Fe+2 + O2 (g) + 4H2O (l) → 2Fe2O3 (s) + 8H.

تأثيرات الأمطار الحمضية على صحة الإنسان

من غير المتوقع أن تُشكل الأمطار الحمضية ضرراً بشكل مباشر عند ملامستها لجلد الإنسان، إذ لا يتأثر الناس عند المشي تحت الأمطار أو حتى السباحة في بحيرات مُتأثرة بها. ولكن الضرر الحقيقي يكمن في استنشاق الهواء الملوث بجسيمات المواد الكيميائية المكونة للمطر الحمضي. حيث تتفاعل مركبات ثاني أكسيد الكبريت (SO2) وأكاسيد النيتروجين (NOX) في الغلاف الجوي لتكوين جسيمات كبريتية ونترات دقيقة يُمكن استنشاقها، وخضعت هذه الجسيمات للدراسة، إذ أظهرت نتائجها أن لها دوراً رئيسياً في التسبب بالنوبات القلبية، صعوبة التنفس، الربو، الصداع، السعال الجاف، وتهيج الحنجرة.

يمكن أن يتأثر الإنسان بالمطر الحمضي بطريقة غير مباشرة، حيث تمتص النباتات المواد السامة الناتجة عنه والمتواجدة في التربة. وتغذي بعض الحيوانات على هذه النباتات، مما ينقل السموم إليهم. وبالتالي، فإن استهلاك الإنسان للنباتات أو الحيوانات المحتوية على هذه المواد الضارة والسامة يمكن أن يسبب مشكلات صحية متعددة، مثل مرض الزهايمر، أمراض الكلى، والأذى الدماغي.

آثار أخرى للأمطار الحمضية

بجانب التفاعلات التي تنتج جسيمات ضارة بصحة الإنسان في الغلاف الجوي، تساهم بعض أكاسيد النيتروجين أيضاً في تكوين الأوزون، مما يؤدي إلى تدهور جودة الهواء وتقليل الرؤية. ومن المشاكل الأخرى الناتجة عن الأمطار الحمضية الأضرار التي تلحق بالطائرات والسكك الحديدية، مما يتسبب في تحقيق خسائر مادية كبيرة للشركات المسؤولة بسبب الحاجة الملحة لأعمال الصيانة.

العوامل المؤثرة على تأثير الأمطار الحمضية

يتأثر تأثير الأمطار الحمضية بالعديد من العوامل الفيزيائية، الكيميائية، البيئية، والبشرية. فيما يلي توضيح لهذه العوامل:

  • نوع الصخور المُكوّنة للمسطحات المائية: يختلف تأثير المطر الحمضي باختلاف نوع الصخر الذي يتعرض له. بعض مستجمعات الأمطار تحتوي على صخور الجرانيت التي لا تملك أي مواد كيميائية مقاومة للمطر الحمضي، مما يزيد تعرضها له.
  • استخدام الأراضي: تختلف تأثيرات المطر الحمضي حسب كيفية إدارة واستخدام الأراضي التي تسقط عليها، على سبيل المثال، قد تتعرض الأراضي الزراعية من خلال قطع الأشجار وضعف قدرتها على مقاومة الأمطار الحمضية.
  • الاضطرابات البيئية: المناطق التي تعيش حرائق أو مشكلات بيئية أخرى قد تكون أكثر حساسية لتأثير الأمطار الحمضية.
  • نوع النباتات المزروعة: تختلف استجابة النباتات لمطر الحمضي بناءً على أنواعها.
  • التضاريس الطبيعية: يعتمد التأثير على طبيعة التضاريس مثل وجود الغطاء النباتي وما إذا كانت الأرض مائلة أو مرتفعة.
  • تواجد العناصر الغذائية: العناصر الغذائية الطبيعية في التربة مثل الكالسيوم، البوتاسيوم، والمغنيسيوم يمكن أن تساعد في تخزين الأحماض، مما يعزز قدرتها على مقاومة التأثيرات السلبية.
  • عمق ونوع التربة: يختلف تأثير المطر الحمضي استناداً إلى عمق وتكوين التربة، فعلى سبيل المثال، الأرض الضحلة غالباً ما تتأثر أكثر مقارنة بالتربة العميقة، كما أن التربة الغنية بالعناصر الغذائية مثل الكالسيوم تكون أكثر مقاومة للأحماض من تلك المنخفضة في العناصر الغذائية.