قصيدة الحمدُ للهِ جلَّ الله منْ واقِ
يذكر محيي الدين بن عربي:
الحمدُ للهِ جلَّ الله منْ واقِ
الكلُّ يفنى ووجهُ الواحدِ الباقي
يقالُ عندَ فراقِ النفسِ من راقٍ
يا ليتَ شعري وهلْ في الكونِ من راقِ
الله يعلم هذا لا يكون ومن
يردُّ كأسَ المنايا أوْ هوَ الساقي
هو المنجي إذا ما الساق تبصرها
يومَ القيامِ لهُ تلتفُّ بالساقِ
إنَّ المكارمَ منْ خلقي ومنْ شيمي
فقد وسعت الورى جوداً بأخلاقي
لو أنَّ لي كلّ ما تحوي خزائنه
لما وفت بالذي عندي من أرزاق
إني فطرتُ على أخلاقِ خالقنا
والأمر ما بين مرزوقٍ ورزّاق
فالرزقُ يطلبنا ما نحنُ نطلبهُ
وذا دليلٌ على طيبٍ بأعراقِ
ما كنتُ أحسب أنَّ الأمر منه كذا
حتى علمتُ بذاتي أنني الواقي
فليسَ يحكمُ فينا غيرُ أنفسنا
عدلاً وجوراً فدائي عينُ درياقي
تدبير علمٍ بتفصيلٍ لنشأتنا
فكم نرى ذاك عن حكم بأوفاقِ
إني حننت إلى ذاتي لأبصرها
من أجل صورته حنينَ مشتاقِ
هبتْ عليَّ رياحُ القربِ منْ كثبٍ
شممتُ منْ عرفها أنفاسَ عشاقِ
أوحي إليَّ بها ما كنتُ أجهلهُ
بأنه نائب جوَّابُ آفاق
إني لعبدٌ ذليل بات يخضعُ لي
عندَ المناجاةِ ذي وجدٍ وأسواقِ
فلا تراه لكوني فيه مفتخرا
بأنه ربُّ تيجانٍ وأطواق
لهُ علومٌ بذاتي ليسَ يعلمها
إلا الذي هو ذو شرب وأذواق
يرنو إليّ إذا الأعيان تجهلني
عينا بعينِ نهى عن غير أحداق
تراه يرحمُ من ناداه من كرمِ
من غير جبر ولا حكم لإشفاق
إنَّ الشفيقَ له حكمٌ يخالفه
حكمُ الرحيمِ لما فيه من إطلاق
فما يقيِّدُه نعتٌ ولا صفةٌ
وليسَ يدخلُ في عقدٍ وميثاقِ
قصيدة نحنُ حزبُ اللهِ من يلحقنا
يقول محيي الدين بن عربي:
نحنُ حزبُ اللهِ من يلحقنا
حدنا جدٌّ وجدٌّ هزلنا
أشهد الأسرار من أحبابه
من يشاء ولها أشهدنا
فمتى أدرككمْ فينا عمىً
سائلوا عنا الذي يعرفنا
ذاكُم الله عظيمٌ جدَّه
يمنحُ الأسرارَ منْ شاءَ بنا
ما أماكُنا رجالاً هتفتْ
بهم الوُرقُ بدوحاتِ منهى
فرمينا جمرةَ الكونِ بها
فَرمَيْنا بمريشات الفنا
وازْدَلفنا زُلفةَ الجمع فهل
أسمع القوم مناجاة المنى
يا عبادي هل رأيتم ما أرى
يا عبادي هل بنا أنتم أنا
خرسَ القومُ وقالوا: ربنا
أنت مولانا ونحن القرنا
يا عباد الله سمعاً إنني
روحُ مولاكمْ أمينُ الأمنا
أنا ماحي الكونِ من أسراركمْ
أنا سرٌّ الكنز ما الكنز أنا
أنا جبريلُ هذي حكمتي
فاقرأوها تكشفوا ما كَمنا
جئتُ بالتوحيدِ كي أرشدكم
فاقتنوا أنفسكم منْ أجلنا
وخذوا عني فيكم عجباً
تجدوا السرَّ لديه علنا
ميزوا الأحوالَ في أنفسكمْ
لا تكونوا كدعيٍّ فتنا
إنَّ صحوَ العبد سكرانٌ بدا
عالم الأمرِ له فافتتنا
كما أنّ المحوَ دعوى إنْ بدتْ
في محياه علامات الوَنَا
قل إلى المثبتِ في أحوالهِ
طبتَ بالحق فكنتَ المأمنا
ليست الهيبة خوفاً إنها
أدبٌ يعربهُ العذبُ الجنى
حالها الإطرافُ منْ غير بكا
ووجودُ الجهدِ من غير عِنا
وحليفُ الأنسِ طلقٌ وجههُ
إنْ تدلَّى لحبيب وَدَنا
يرشد الخَلْقَ ويبدي رسْمَه
شاكراً واستمعوا إنْ أذنا
صاحبُ القبضِ غريبٌ مفردٌ
إن رأى بسطاً عليه حزنا
وخليلُ البسطِ يخفي غيرةً
ضرّ باديه ويبدي المننا
لا تراه الدّهرَ إلا ضاحكاً
تبصر الحسْنَ به قد قرنا
صاحبُ الهمةِ في إسرائهِ
سائر قد ذبَّ عنه الوَسَنا
صاحبُ التوحيدِ أعمى أخرس
لا أنا قالَ ولا أيضاً أنا
يا عبيد النفسِ ما هذا العمى
لم تزالوا تعبدون الوثنا
سقتمُ الظاهرَ من أحوالكمُ
ما لنا منكمْ سوى ما بطنا
فاقتنوا للعلمِ من أعمالكم
علمَ فتحٍ واشربوه لبنا
واخرجوا بالموتِ عن أنفسكم
تبصروا الحقَّ بكمْ مقترنا
وانظروا ما لاحَ في غيركم
تجدوه فيكم قد ضمنا
قصيدة يا رب يا عالم الحال
يقول ابن علوي الحداد:
يا رب يا عالم الحال
إليك وجهت لآمال
فامنن علينا بالإقبال
وكن لنا وأصلح الحال
يا رب يا رب الأرباب
عبدك فقيرك على الباب
أتى وقد بت الأسباب
مستدركاً بعد ما مال
يا واسع الجود جودك
الخير خيرك وعندك
فوق الذي رام عبدك
فأدرك برحمتك الحال
يا موجد الخلق طرا
وموسع الكل برا
أسألك إسبال ستر
على القبائح والأخطال
يا من يرى سر قلبي
حسبي اطلاعك حسبي
فامح بعفوك ذنبي
وأصلح قصودي والأعمال
رب عليك اعتمادي
كما إليك استنادي
صدقا وأقصى مرادي
رضاؤك الدائم الحال
رب يا رب إني
أسألك العفو عني
ولم يخب فيك ظني
يا مالك الملك يا وال
أشكو إليك وأبكي
من شؤم ظلمي وإفكي
وسوء فعلي وتركي
وشهوة القيل والقال
وحب دنيا ذميمه
من كل خير عقيمه
فيها البلايا مقيمه
وحشوها آفات وأشغال
يا ويح نفسي الغويه
من السبيل السويه
أضحت تروح عليه
وقصدها الجاه والمال
يا رب قد غلبتني
وبالأمان سبتني
وفي الحظوظ كبتني
وقيدتني بالَاُكبال
قد اشتعنتك ربي
على مداواة قلبي
وحل عقد كربي
فانظر إلى الغم ينجال
يا رب يا خير كافي
احلل علينا العوافي
فليس شيء ثم خافي
عليك تفصيل وإجمال
يا رب عبدك ببابك
يخشي أليم عذابك
ويرتجي لثوابك
وغيث رحمتك هطال
وقد أتاك بعذره
وانكساره وفقره
فاهزم بيسرك عسره
بمحض جودك والأفضال
وامنن عليك بتوبه
تغسله من كل حوبه
واعصمه من شر أو به
لكل ما عنه قد حال
فأنت مولى الموالي
المنفرد بالكمال
وبالعلى والتعالي
علوت عن ضرب الأمثال
جودك وفضلك يرجى
وبطشك وقهرك يخشى
وذكرك وشكرك لازم
وحمدك والإجلال
يا رب أنت نصيري
فلقني كل خير
واجعل جنانك مصيري
واختم بالإيمان الآجال
وصل في كل حالة
علي مزيل الضلالة
من كلمته الغزاله
محمد الهادي الدال
والحمد لله شكراً
على نعم منه تتري
نحمده سراً وجهراً
وبالغدو والآصال
من قصيدة مناجاة
يقول ميخائيل نعيمة:
ليلٌ بهيم، وسماءٌ غضبَى، وأرضٌ في وجوم. في الرأس سباقُ أفكار لا تنام، وفي القلب حفيفُ أشواق وارفة، نديَّة، وفي العين رسومُ أشباح تتساوم على بني الإنسان وتتصافق، وفي الأذن جلبةٌ من صلوات وعربدات، وزفرات وقهقهات، وأنين شيوخ، وانتحاب أطفال، ودمدمة براكين، وهدير بحور كثيرة. وعلى الشفاه دبيبُ حروف ومقاطع وكلمات تنتظم وتنتثر تسابيحَ خافتةً حَيِيَّة لاسمك القدوس، يا مَن تعالى عن الأسماء والتسبيح.