تجربتي في العيش في تركيا

تجربتي في العيش في تركيا

كثيرًا ما يتم توجيه الأسئلة لي فيما يخُص تجربتي في العيش في تركيا، ويرجع السبب وراء ذلك إلى رغبة عددٍ كبير من أصدقائي، أفراد عائلتي ودائرة المعارف المُحيطة بي بشكلٍ عام في معرفة السلبيات والإيجابيات الخاصة بهذه الرحلة، وعلى إثر ذلك قررت أن أُشارككم هذه التجربة لعرضها لكم عبر موقع سوبر بابا في سبيل الإلمام بالمعيشة هُناك.

قرار التوجه إلى تُركيا

لا شكَّ في كون تُركيا تُعتبر واحدةً من أكثر الدول التي يرغب عدد كبير من الناس في العيش بها، وفي واقع الأمر هُناك عدد كبير من الأسباب التي أدت إلى ذلك، فهُناك من يرغب في العيش بها نظرًا لما رآه من مناظر طبيعية عبر المُسلسلات، الأفلام والأغاني التُركية.

كما نجد أن هُناك من يود العيش في هذه البلاد لحُبه الشديد لثقافتها وتاريخها الإسلامي، الحضاري والعلمي، واختصارًا يُمكن القول إن لكُل شخصٍ يرغب في خوض هذه التجربة سببًا وغايةً قد تختلف إلى حدٍ كبير مع الأسباب التي يُفضل الآخرون العيش في تُركيا على إثرها.

ما عزز من ذلك في واقع الأمر هو كثرة التجارب الناجحة والمُحيطة بنا من الذين قرروا الانتقال بشكلٍ نهائي إلى هذه البلاد، ولكن تجربتي في العيش في تركيا كانت مُختلفةً بعض الشيء، إذ إنني في البداية لم أكن أنوي العيش فيها بشكلٍ نهائي.

أُدعى مُحمد، وبدأت تجربتي في العيش في تركيا عن طريق الصُدفة البحتة في واقع الأمر، ففي يومٍ من الأيام قررت وزوجتي قضاء الإجازة الصيفية أو ما يُعرف بالإجازة الموسمية خارج البلاد، فقد سئمنا من تكرار المناطق التي نرتادها بشكلٍ دوري في مثل هذه الأيام.

كُنا نمتلك من الوقت أسبوعين تقريبًا إن لم تُخنِّي الذاكرة، وقد كان هُناك عدد كبير من الخيارات لقضاء العُطلة بغرض السياحة والاستجمام، ولكن الخيار الأبرز كان بين لُبنان وتُركيا، وفي نهاية المطاف قررنا التوجه إلى تُركيا نظرًا لكوننا قد عثرنا على عرضٍ مُناسبٍ للغاية في واقع الأمر.

فمن المعروف كون تُركيا تُعتبر واحدةً من أبرز الوجهات السياحية في المنطقة ككُل، ويرجع السبب وراء ذلك إلى التنوع الثقافي الكبير هُناك، ناهيك عن البيئة والطبيعة الساحرة التي تجعل هذه البلاد تُخلد في قُلوب كُل من زارها، وبالفعل في غُضون أسبوعٍ واحد كُنا في العاصمة التُركية أنقرة.

اقرأ أيضًا: 60 دولار كم ليرة تركية

استكشاف العاصمة التُركية

أتذكر إلى يومنا هذا الشعور الذي راودني فور وصولي الأراضي التُركية مُعلنًا بدء تجربتي في العيش في تركيا بشكلٍ مؤقت، أو هذا ما كُنت أخاله فقط.

فقد رأيت للوهلة الأولى أجمل وأبهى المناظر التي كُنت أُمني النفس لرؤيتها على أرض الواقع في كُلِّ مرةٍ تقع عيني عليها على شاشة التلفاز أو الهاتف المحمول الذي اكتظَّ بصور مناطق تُركيا التي شاركها البعض تحت عُنوان “تجربتي في العيش في تركيا”.

الرغم من كُلِّ ذلك لم أكُن أُفكر قط بشكلٍ جِدي في زيارة هذه البلاد، ولكن أصبح الأمر في الوقت الراهن واقعًا، وأنا على الأراضي التُركية.

قُمنا أنا وزوجتي بالتوجه إلى فُندق يُدعى إيكالي كُنا قد حجزناه قبل الإقدام على استلام التأشيرة السياحية الخاصة بنا، وفور وصولنا إلى الفُندق تضاعف انبهارنا بتُركيا.

مع العلم أنه انبهار شمل كافة الجوانب الخاصة بالبلاد من مظاهر طبيعية، شوارع، الطقس العام وحتى التعامل الودود والوجه البشوش لحفنة الأشخاص الذين قابلناهم في رحلتنا فور الخُروج من باب الطائرة وحتى الدُخول إلى باب غُرفتنا في الفندق.

كُنا نرغب في النُزول إلى الشارع والتجول في كُل حدٍ وصوب في شوارع وأزقة العاصمة التُركية، ولكن ما حال دون ذلك كون الوقت الذي وصلنا فيه إلى الفُندق يُعد مُتأخرًا، بالإضافة إلى كوننا مُنهكين من طول الرحلة، لذا قررنا على إثر ذلك السهر على الأريكة التي تقع بجوار النافذة ذات الإطلالة الساحرة.

في الثامنة من صباح اليوم التالي قُمنا بتناول الإفطار في الفُندق وبعدها أخذنا نجوب أركان العاصمة أنقرة.. في واقع الأمر كُنَّا غايةً في السعادة على إثر ما خُضناه من تجارب في هذا اليوم، والحديث هُنا عما تناولناه من طعام، ما رأيناه من مظاهر طبيعية وحتى ما قُمنا بشرائه من ملابس أثناء تسوقنا في مول كنت بارك الذي يتوسط الإقليم بأكمله.

تحول الفكر من زيارة تركية المؤقتة إلى المعيشة

في إطار كافة تفاصيل هذه الرحلة لم يكُن يُخالجني وزوجتي إلا شُعورٌ واحد ألا وهو أن هذه المدينة هي التي نرغب في قضاء باقي حياتنا بين جُدرانها، ومن الواضح أثناء سيرنا شوارع وطُرقات المدينة أننا لسنا الوحيدين الذين فكرنا في ذلك في واقع الأمر.

إذ إننا لاحظنا كثرة أعداد غير الأتراك المُقيمين في أنقرة، وتستضيف تُركيا بشكلٍ عام وفقًا للإحصائيات آلافًا مؤلفةً من الراغبين في العيش فيها بشكلٍ دائم ومُستقر نظرًا لما لاقوه من مُعاملةٍ طيبةٍ وتجربةٍ مُميزة.

بحديثنا إلى الأشخاص الذين تعرفنا عليهم أثناء زيارتنا أجمعنا على بعض الإيجابيات والسلبيات التي حولت تجربتي في العيش في تركيا من محض رحلةٍ سياحية إلى كونها وجهة دائمةً لنا، وجاءت هذه الجوانب الإيجابية والسلبية التي صنعت الفارق في تجربتنا على النحو التالي:

أولًا: مُميزات العيش في تُركيا

هُناك عدد كبير من المُميزات التي تجعل التوجهات الفكرية للناس تميل ناحية الاستقرار في هذه البلاد، ويُمكننا القول إنها مُميزات عامة في واقع الأمر، ما يعني أنها السمة الشائعة للبلاد، ومن أبرز هذه الجوانب كُل مما يلي:

1- اعتدال تكلفة المعيشة

تُعد تكلفة المعيشة في تُركيا من أبرز مُميزات تجربتي في العيش في تركيا، إذ إنها تُعتبر مُنخفضة بشكلٍ ما، وذلك خاصةً في حال ما كان مصدر الدخل الخاص بك خارجيًا.

إذ إن سعر الصرف يُعتبر مُرتفعًا عن العُملات الأجنبية الأُخرى إلى الليرة التُركية، وعلى الرغم من أنه لا يُمكن القول إنها رخيصة ولكنها أقل من دول عديدة أُخرى، وذلك على الرغم من تقديم هذه الدول لجودة معيشية وحياتية أقل بكثير مما هو الحال عليه في تُركيا.

وجب التنويه إلى كون ذلك يتزامن إلى حدٍ كبير مع الجوانب الاستثمارية والفُرص التي يُمكن من خلالها تحقيق عائد مادي في البلاد، إذ إن تُركيا توفر في الوقت الراهن ما يُعرف ببرامج التجنيس مُقابل الاستثمار.

في هذه اللحظة يرتقي الزائر من فكرة كونه مُقيمًا بإقامة تتجدد بشكلٍ دوري إلى كونه مُواطنًا له ما لدى المواطن التُركي من حقوق وعليه ما عليه من واجبات.

الحد الأدنى من الاستثمارات للحُصول على الجنسية 250,000 دولار فما أكثر

2- رُقي المنظومة الصحية

في واقع الأمر هذا الجانب أعلمه تمامًا حتى قبل بداية خوض تجربتي في العيش في تركيا، فيُعرف عن الجُمهورية التُركية كونها تُقدم الخدمات الصحية بدرجة من المهنية والجودة تفوق إلى حدٍ كبير دُول الجوار التي تتواجد بجانبها.

فهُناك عدد كبير من العمليات التي تُقام في تُركيا دونًا عن غيرها من البُلدان، والحديث هُنا يشمل جانبي العمليات الجراحية والإجراءات التجميلية والصحية على حدٍ سواء.

على الرغم من هذا الرُقي إلا أن مُتوسط تكلفة الرعاية والتأمين الصحي هُناك يُعد مُنخفضًا إلى حدٍ كبير، وذلك بالنسبة للمواطنين والوافدين سواء ما كانت الخدمات مُقدمة من المراكز الصحية الخاصة أو التابعة للقطاع الحُكومي العام.

من الجدير بالذكر أن الأمر سيان بالنسبة للجهات والهيئات الأُخرى، وهذا يشمل كُل من التعليم، الصرف الصحي، المُرور، أجهزة الشُرطة وغيرها الكثير والكثير من الجوانب التي جعلت تجربتي في العيش في تركيا تتحول من رحلة سياحية إلى استثمار أرغب على إثره في العيش ضمن حُدود هذه البلاد طويلًا.

3- كثرة المُغتربين في تُركيا

هذا الأُمر يُعد ساخرًا إلى حدٍ ما ولكنه يجعلك تشعر بدرجة عالية من الراحة والأمان، والحديث هُنا عن وُجود عدد كبير من غير الأتراك في تُركيا، وعلى الرغم من كونكم جميعًا من بُلدانٍ مُختلفة في المقام الأول وغُرباء عن بعضكم البعض إلا أن هُناك عامل يجمعكم ألا وهو كونكم لستم بأتراك.

ذلك يخلق بشكلٍ ما نوعًا من أنواع الانتماء إلى ما يُعرف بمُجتمع المُغتربين، وذلك يُساهم إلى حدٍ كبير من الاستفادة من خبرات من قاموا بتطبيق ما تنوي القيام به قبل أن تقوم به.

على إثر ذلك تجد عدد كبير من النصائح، التعليمات والتلميحات التي يتم تقديمها لك بشكلٍ دورس، ولا أُخفيكم سرًا، فعن طريق الاستفادة من التجارب السابقة وعُصارة خبرات من خاضوا هذه التجربة قبلي وصلت تجربتي في العيش في تركيا إلى مرحلةٍ من الراحة لم أكُن أخالها قط.

ثانيًا: عُيوب العيش في تُركيا 

لا أُخفي عليكم أنه كان من الصعب أن أصل إلى جانب السلبيات في تجربتي في العيش في تركيا، ولكن جميعنا نعلم كون السلبيات والإيجابيات من صور المُترافقات التي لا يحل أحدها إلا في وُجود الآخر، وعلى الرغم من ذلك تُعتبر السلبيات شائعة ومُشتركة بين تُركيا وغيرها من البُلدان بشكلٍ عام، ولكن وجب علينا سردها لكم، حيث إنها اشتملت على:

  • الصدمة الثقافية: تُعتبر الصدمة الثقافية أمرًا شائعًا للغاية، وهذا يشمل جوانب عِدة مثل اختلاف الثقافات، المأكولات وغيرها من صور التقاليد التي اعتدت عليها مثل قضاء رمضان مع العائلة مثلًا، ولكن بإمكانك تخطي هذه الصدمة مع الوقت والتأقلم.
  • حاجز اللغة: يعتز الأتراك باللُغة الخاصة بهم إلى حدٍ كبير، ويميلون إلى التحدث بها مع الأجانب أكثر من ميلهم إلى الإنجليزية كلُغة وسيطة، ولكن بإمكانك تعلم اللُغة أو استعمال وسائل ترجمة عِدة في حال ما لم يكُن الشخص الذي تُحاوره راغبًا في التحدث بالإنجليزية أو مُلمًا بها.
  • التصاريح الخاصة بالعمل: يجد القاطنون الجُدد في تُركيا مُشكلاتٍ تتعلق بفكرة العمل وقُدرتهم على الحصول على التصاريح اللازمة، ولكن يُمكن التغلب على ذلك فور الحصول على التأشيرة الخاصة بالإقامة والعمل بدلًا من السياحية التي يُمنع على إثرها المُسافر من العمل بشكلٍ قانوني في تُركيا.
  • افتقاد الأهل والأصدقاء: هذا أمرٌ كثيرًا ما يُعكر صفو المُغتربين في واقع الأمر، وقد عانيت منه في بداية تجربتي في العيش في تركيا، ولكن سُرعان ما تأقلمت على الوضع، وخاصةً مع قيام أهلي وأصدقائي بزيارتي في تُركيا والعكس.

في المُجمل لا يُمكنني إلا أن أُعبر عن مدى سعادتي بتجربتي في العيش في تركيا والتي امتدت إلى ما يزيد عن سبعة أعوام، وأنصح الراغبين في انتهاج نفس نهجي بالإلمام بكُل ما تشتمل عليه التجربة بشكلٍ عام من سلبيات وإيجابيات من منظوري ومنظور الغير نظرًا لاختلاف التجارب التي نمر بها بطبيعة الحال.