ترتيب أحداث يوم القيامة
إجتمع العلماء على أن أحداث يوم القيامة تبدأ بالبَعْث، تليها النشور، ثم الحشر، وبعد ذلك يأتي الحساب حيث يكون هناك تطاير الصحف والكتب والميزان، ثم يُنتقل إلى الصراط. وقد اختلف الفقهاء حول مسألة الحوض، هل يكون قبل الصراط أو بعده، بناءً على الأدلة المتاحة لكل منهما.
النفخ في الصور
تحيا في هذه الدنيا العديد من الكائنات المرئية وغير المرئية، التي تظل في حركة دائمة حتى يأذن الله -تعالى- بالنفخ في الصور، فيسقط كل حي سواء في الأرض أو السماء، حيث قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّـهُ).
والصور في اللغة تعني القرن، وقد وضح النبي -عليه الصلاة والسلام- ذلك، حيث قال: (إن الله تعالى لما أتم خلق السموات والأرض، خلق الصور وأعطاه لإسرافيل، فهو واضعه على فيه يتطلع إلى العرش ينتظر الأمر). وقد أشار النبي -عليه السلام- إلى أن الملك المنوط به النفخ في الصور هو إسرافيل -عليه السلام-. يوم النفخ، لا يُمكن للإنسان أن يتحدث أو يعود إلى أسرته، وذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- أن أول من يسمع صوت الصور هو رجل يرعى إبله، فيسقط ثم يسقط الناس، وتكون في مدة سريعة حتى يكاد الشخص يرفع لقمة إلى فمه فلا يقدر على أكلها.
أما اليوم الذي ستقوم فيه القيامة، والذي يحدث فيه النفخ هو يوم الجمعة، حيث قال -عليه الصلاة والسلام-: (خير يوم طلعت فيه الشمس هو يوم الجمعة … ويصبح كل ما على الأرض مُصغياً).
وهناك أصناف من الكائنات لا تتأثر بالصعق، وقد اختلف العلماء في تحديدهم؛ فقد ذهب ابن حزم إلى أنهم الملائكة، فيما زعم مُقاتل أنهم جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت -عليهم السلام-، بينما أشار الإمام أحمد بن حنبل إلى أنهم الولدان والحور العين في الجنة. وقد أفاد القُرطبي بأنهم الموتى، مع ورود أخبار عن ابن عباس وأبي هريرة تفيد بأن الأنبياء والشهداء لا يُصعقون يوم القيامة. وقد جاء عن بعض العلماء، مثل القرطبي، أن الأصل هو التوقف بشأن هذه الأصناف، لعدم وجود أدلة صريحة تُحددهم.
البعث والنشور
تعني كلمة البعث في اللغة الإرسال، أما في المصطلح الشرعي، فهي إحياء الله -تعالى- للناس بعد موتهم من قبورهم ليكونوا محاسبين. ويكون البعث بروح وجسد كما ورد عن السيد سابق، والشاهد على ذلك من قوله -تعالى-: (إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ).
أما عن النشور في اللغة فهو الانتشار والتباعد، وفي المصطلح الشرعي يعني تفرق الناس بعد خروجهم من قبورهم إلى مكان الحساب، وهذا قد ذكر في قوله -تعالى-: (ثُمَّ إِذَا شَاء أَنشَرَهُ). حيث ينزل الله -تعالى- المطر، فتُحيى الأجساد مثل الزرع، ثم يُنفخ في الصور ليقوم الناس للحساب – كما وصف النبي -عليه السلام-: (ثم يُرْسِلُ اللهُ مَطَرًا كأنه الطَّلُّ، فيَنْبُتُ منه أجسادَ الناسِ، ثم يُنْفَخُ فيه أخرى، فإذا هم قِيامٌ ينظرونَ).
أرض المحشر
سيُحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء خالصة، وقد وُصفت في العديد من الأحاديث النبوية، منها قول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ علَى أرْضٍ بَيْضاءَ عَفْراءَ، كَقُرْصَةِ النَّقِيِّ، ليسَ فيها عَلَمٌ لأَحَدٍ).
ستكون لكل فرد فيها موضع قدميه فقط، فلا يوجد فيها جبال أو زروع، وسيكون الناس حفاة عراة، خائفين، ويعانون من الجوع والعطش والتعب، بينما يتوافد الأشخاص إلى أرض المحشر أفواجًا. بحيث يقترب بعضهم كالذر ويمشي البعض الآخر مشتعلاً بنار المعصية، كل حسب عمله.
يبقى الناس في أرض المحشر ليوم واحد، لكن بمقدار خمسون ألف سنة، وفيه تُدنى الشمس من الناس، وتغمرهم العرق بمقدار أعمالهم، وسيكون هناك أصناف من الناس يجلسون في ظل عرش الرحمن، كالشباب الذين ينشأون في طاعة الله، والمكفلين لليتامى وغيرهم. وفي الوقت نفسه، تأتي الملائكة بالنار، التي تُعرض على الناس في ترمي اللهب كما تُلقي المدن.
أهوال يوم القيامة
يوم القيامة مليء بالأهوال التي تقع في السماء والأرض والشمس والجبال، والتي تصاحب خروج الناس من قبورهم، ومنها ما يلي:
- السماء:
تُبدل السماء بسماء أخرى، كما جاء في قوله -تعالى-: (يَومَ تُبَدَّلُ الأَرضُ غَيرَ الأَرضِ وَالسَّماواتُ وَبَرَزوا لِلَّـهِ الواحِدِ القَهّارِ). كما تسبق ذلك انشقاق السماء وافتراقها ومورها، كما تُفتح بعد أن كانت مغلقة ومرتبة، ثم تموج وتذوب.
- الأرض:
تُبدل الأرض بأرض غيرها، كما تتمدد وتتمتع بالسعة لكي تُسع الناس في الحشر، وتُخرج كل ما فيها من الموتى والكنوز والأرزاق، كما ذكر الله -تعالى-: (وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ). وتتحرك الجبال التي كانت ثابتة، ثم تتحول إلى سراب وتنسفها الله -تعالى- حتى تصبح كالصوف المتطاير، وأما الشمس فستكون مكورة وذهاب نورها، كما جاء في قوله -تعالى-: (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ).
الشفاعة العظمى
أفاد العلماء أن الشفاعة العظمى تخص النبي -عليه الصلاة والسلام-، وهي المقام المحمود الخاص به. تحدث هذه الشفاعة عندما تقترب الشمس من المخلوقات بمقدار ميل، فيغمرهم العرق، فيأتون إلى آدم -عليه السلام-، ثم نوح -عليه السلام-، وإبراهيم -عليه السلام- وعدد من الأنبياء، وكلهم يعتذر ويقول: نفسي نفسي.
حتى يصلوا إلى النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- فيقول: (أنَا لَهَا، فأسْتَأْذِنُ علَى رَبِّي، فيُؤْذَنُ لِي، ويُلْهِمُنِي مَحَامِدَ أحْمَدُهُ بهَا لا تَحْضُرُنِي الآن، فأحْمَدُهُ بتِلْكَ المَحَامِدِ، وأَخِرُّ له سَاجِدًا، فيَقولُ: يا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ، وقُلْ يُسْمَعْ لَكَ، وسَلْ تُعْطَ، واشْفَعْ تُشَفَّعْ، فأقُولُ: يا رَبِّ، أُمَّتي أُمَّتِي…)، ويُشفع لمن يشفع له في أرض المحشر لتبدأ بعدها مرحلة الحساب والعرض.
الحساب والجزاء
بعد البعث، يجمع الله -تعالى- الناس ليحاسبهم على أعمالهم، فتتحدث الأرض عما حصل عليها، ويشهد اللسان والأيدي والأرجل والجلد بما عمله صاحبه، كما ذكر -تعالى-: (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ويكون الناس حفاة عراة، ويكون النبي إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- هو أول من يُكسى من الخلائق.
وتأتي الملائكة بالكتب التي سجّلت الأعمال على الناس في الدنيا، لتعرِض كتاب كل واحد على صاحبه، حيث يتضمن كل تصرف قام به الفرد. فمن الموفقين من يأخذ كتابه بيمينه وهم أهل الجنة، ومنهم من يأخذ كتابه بشماله وهم أصحاب النار. ثم تُوزن هذه الصحف بما تحمله من الأعمال، وتكون العقوبة وفق وزن الأعمال كما جاء -تعالى-: (فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ).
والله -تعالى- هو من يجري حساب الناس بلا حجاب أو واسطة، فالمؤمن لا يُناقش في حسابه رحمةً به، بينما الكافر يُفضح من قبل الله -تعالى-، حيث يُنادى عليه أمام جميع الناس بكذبه وظلمه، ويكون المؤمن فرحاً بما قدّم، وحسابه يسير، بينما تنزل الكآبة على الكافر، ويعجز عن الإنكار لما هو موجود في كتابه؛ حتى تتوقف ألسنتهم عن الكلام وتبدأ أعضاؤهم بالتحدث عما ارتكبوه من محرمات، ليكون حسابهم عسيراً جداً.
الميزان
يُعتبر الميزان من الأمور المهمة التي يجب على المؤمن الاعتقاد بها، وقد ورد ذكره في قوله -تعالى-: (وَنَضَعُ المَوازينَ القِسطَ لِيَومِ القِيامَةِ فَلا تُظلَمُ نَفسٌ شَيئًا وَإِن كانَ مِثقالَ حَبَّةٍ مِن خَردَلٍ أَتَينا بِها وَكَفى بِنا حاسِبينَ)، ويُرجى من الله -تعالى- في توزين أعمال العباد، أو ليوزن به صحائفهم، أو ليقيس العبد نفسه.
ولا يُعرف مقدار الميزان إلا الله -تعالى-، ومن عظمته أنه يزن السماوات والأرض، فمن كانت حسناته أكثر من سيئاته فقد فاز ودخل الجنة، ومن كانت سيئاته أكثر فقد خسر، ومن تساوت حسناته وسيئاته فهو في الأعراف، بين الجنة والنار.
وبعد الميزان يقف الناس حسب تساوي أعمالهم؛ فالظالم مع الظالم، والكاذب مع الكاذب، كما ذكر -تعالى- في ذلك: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ* مِن دُونِ اللَّـهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ). ثم يُقام لواءٌ لكل نبي، لتقف كل أمة تحت راية نبيها، وبعد ذلك يُحجب الله -تعالى- النور عن الناس، فيمشي كل فرد على مقدار نور عمله، فيُضرب الفاصل بين المؤمن والمنافق بحيث لا يُبصر المنافق شيئاً من شدة الظلمة فيقع في جهنم.
الحوض والصراط
سيكون لكل نبي حوض خاص به يوم القيامة، والذي يخص أمته أيضًا، وسيكون ذلك قبل الصراط، نتيجة لمعاناة الناس من العطش في أرض المحشر. سيأتي الناس إلى حوض النبي -عليه الصلاة والسلام-، وتقوم الملائكة بإبعاد البعض عنه بسبب ردتهم. ويكون ماؤه من نهر الكوثر في الجنة، ومن يتذوق منه لا يشعر بالعطش مرة أخرى، وبدلاً من ذلك سيكون الشرب بقصد التلذذ.
ويكون من اجتاز الصراط في جنات النعيم، حيث يُقتص للناس من بعضهم البعض، ليُزيل الحقد من قلوبهم، وهي ما تُسمى بالقنطرة، كما وثق النبي -عليه الصلاة والسلام- بقوله: (يَخْلُصُ المُؤْمِنُونَ مِنَ النَّارِ، فيُحْبَسُونَ علَى قَنْطَرَةٍ بيْنَ الجَنَّةِ والنَّارِ، فيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِن بَعْضٍ مَظالمُ كانَتْ بيْنَهُمْ في الدُّنْيا، حتَّى إذا هُذِّبُوا ونُقُّوا أُذِنَ لهمْ في دُخُولِ الجَنَّةِ).
والفقراء من المهاجرين هم أول من يدخل الجنة بعد النبي -عليه الصلاة والسلام-، يليهم فقراء الأنصار، ثم الفقراء من الأمة، وأما الأغنياء فيُؤخَّرون لمحاسبتهم، وهناك القصاص بين جميع المخلوقات حتى الحيوانات، حيث يُقتص للمظلوم من الظالم، سواءً كان مسلمًا أو غير مسلم، ويُقتص للشاة التي بلا قرون من الشاة التي لها قرون. كما وبين ابن حجر الهيتمي أنه يُقتص للحيوانات من البشر الذين يُجوعونها أو يحميلونها ما لا تُطيق.
الجنة والنار
قسم الله -تعالى- الجنة والنار من حيث الأعمال، ورغم أن كل منهما تعتبر واحدة، إلا أن الجنة تحتوي على درجات متعددة، بينما تتميز النار بمنازل مختلفة وذلك حسب أعمال أفرادها. وفيما يلي التفاصيل:
- الجنة:
ورد ذكر الجنة في القرآن والسنة بصيغة الجمع للدلالة على عظمها، ولم يحدد عدد درجاتها بشكل صريح، لكن بعض العلماء، مثل الخطابي، ذهب إلى أنها تتناسب مع عدد آيات القرآن. وأعلى درجاتها هي الفردوس، وهذا متفق عليه. وقد وردت بعض الأحاديث التي تحدد بعض الأعمال التي تؤدي لدخول الجنة ورؤية درجاتها.
ومن الأعمال التي تؤدي لدخول الجنة الإيمان بالله -تعالى- وصدق أنبيائه، كما قال النبي -عليه الصلاة والسلام-: (إنَّ أهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أهْلَ الغُرَفِ مِن فَوْقِهِمْ…)، مشيرًا إلى أن هناك رجالًا آمنوا بالله وصدقوا المرسلين.
أيضًا من الأعمال التي تُدخل الجنة الجهاد في سبيل الله -تعالى-، الصدق في الدعاء للحصول على الشهادة، والإحسان في سبيل الله، وكل ذلك يُكسب درجات رفيعة، تشمل كذلك إسباغ الوضوء والانتظار للصلاة والمشي للمساجد، وأيضًا الدأب في حفظ القرآن الكريم.
- النار:
تنقسم دركات النار بحسب أعمال الناس الذين يدخلونها، ولكن المنافقين يكونون في أدنى درجة ويُطلق عليها الدرك الأسفل، كما جاء في قوله -تعالى-: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ). وأدنى درجات النار تتضمن من لديه حذاءين من نار يغلي منهما دماغه، حيث قال -عليه السلام-: (إنَّ أهْوَنَ أهْلِ النَّارِ عَذابًا …).
تعريف الإيمان باليوم الآخر
يُعرف يوم القيامة كاليوم الآخر، ويبدأ من لحظة الحشر حتى ينتهي دخول الناس الجنة أو النار، أو إلى الأبد. سُمّي بذلك لأنه اليوم الأخير في هذه الحياة، أو لأن وقته قد حددته إرادة الله -تعالى- بعلمه. ويُعرف الإيمان به بأنه التصديق القلبي الجازم بنهاية الحياة الدنيا في الوقت المحدد.
كما يتم تعريفه بالإيمان بكل ما ورد في القرآن الكريم أو السنة النبوية عن الأحداث التي تلي الموت مثل البعث، والصراط، والشفاعة وغيرها، حيث تُعَد هذه الأمور غيبية ويتوجب الإيمان بها. وقد وردت الكثير من الآيات التي تثبت وقوع هذا اليوم، كقوله -تعالى-: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ عَالِمِ الْغَيْبِ…).