تأجيل الزكاة للضرورة وأمثلة توضيحية
إنّ الواجب في الزكاة هو أداؤها بشكل فوري، حيث يتعيّن على المسلم الإسراع في إخراج الزكاة عند حلول وقتها. ولتحقق وجوب الزكاة، ينبغي أن يكون المسلم قادراً على أدائها، أي أن يكون ماله تحت تصرفه دون عائق. من هذه العوائق تلقي الأموال في أماكن غير متاحة، أو أن يكون ممنوعاً من التصرف فيها، أو عدم القدرة على جمع السيولة المطلوبة. كما يجب أن تعثر الزكاة على الجهة المستحقة التي سوف تُصَرَف إليها، وذلك بالإضافة إلى مجموعة من الشروط الأخرى.
ومع ذلك، قد تطرأ بعض الاستثناءات على هذا الواجب، مما يسمح بتأخير إخراج الزكاة. واحدة من هذه الاستثناءات تتمثل في تعرض المسلم لضرر يقع على نفسه أو ماله نتيجة التعجيل في الإخراج، مما يتيح له تأجيل إخراج الزكاة حتى زوال هذا الضرر. كما يمكن أن يُعفى المسلم من التعجيل إذا كانت هناك ظروف قاهرة تمنعه، مثل عدم قدرته على توفير المال في لحظة معينة، أو إذا كان مسافراً واضطر لاستخدام أمواله لأسباب ضرورية خلال سفره.
بالإضافة إلى ذلك، يُسمح أيضاً بتأخير إخراج الزكاة لأسباب أخرى، كعدم قدرة المسلم على التصرف في أمواله لأي سبب كان. في هذه الحالة، يكون معذوراً لعدم الإسراع بإخراج زكاته. كما يُعذر في تأخير الأداء إذا لم يجد مستحقّي الزكاة، بحيث ينتظر حتى يجد هؤلاء المستحقين. وقد يحدث أيضاً أن يؤخر المسلم إخراج الزكاة لمصلحة معينة، مثل تقديمها لأحد أقاربه الفقراء. ينتظر حينها حتى يجده، أو قد يُفضل إعطاءها لفقراء بعيدين أكثر حاجة. ومن المسموح له التأخير في هذه الحالات، خصوصاً إذا كان التأخير بسيطاً، فذلك قد يضاعف أجره؛ حيث إن القريب الفقير أولى بمساعدة قريبه من الغريب، والأشد حاجة أولى من الأقل حاجة.
حكم تأخير الزكاة
ينبغي على المسلم الإسراع في إخراج الزكاة بعد وجوبها، وهو ما يُجمع عليه الفقهاء، استناداً إلى قوله -تعالى-: (وَآتوا حَقَّهُ يَومَ حَصادِهِ)، التي تتعلق بالنفائس والثمار، وتُعمم على سائر الأموال. وقد وُرِد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يسارع بعد الصلاة لتوزيع الزكاة على مستحقيها. وعندما سُئل عن سبب هذا الإسراع، أجاب: (ذَكَرْتُ شيئًا مِن تِبْرٍ عِنْدَنَا، فَكَرِهْتُ أنْ يَحْبِسَنِي، فأمَرْتُ بقِسْمَتِهِ)، والتبر يُشير إلى المعادن الثمينة مثل الذهب والفضة.
تجدر الإشارة إلى أن مشايخ الحنفية يرون وجوب تأخير الزكاة، حيث يمكن للمسلم إخراجها في أي وقت خلال السنة، ما لم يؤجلها حتى وفاته، وعليه، إذا توفي دون إخراج الزكاة، سيعتبر آثماً. كما أن الزكاة لا تسقط عن من أخّرها لعدة سنوات دون أداءها، حتى في حالة الجهل بوجوب الزكاة خلال تلك السنوات، إذ يجب عليه إخراجها عن كل السنوات التي وجبت عليه. وإذا لم يفعل ذلك، تظل في ذمته.
في حال تأخر المسلم عن إخراج الزكاة بعد مرور الحول مع القدرة على أدائها، وثم هلكت أمواله كاملة أو بعض منها، فلا تسقط الزكاة عنه، وفقاً لبقية الفقهاء. في حين أن الحنفية يرون أن الزكاة تسقط عن المسلم في حالة تلف المال بعد انتهاء الحول، حتى إذا كان قادراً على إخراج الزكاة حينها لكنه لم يفعل.
حكم تعجيل الزكاة
تحظر تعجيل دفع الزكاة قبل الوصول إلى النصاب، إذ تعتبر الزكاة غير واجبة في هذه الحالة بالإجماع بين العلماء. وعند بلوغ المال النصاب وتحقق وجوب الزكاة، هناك آراء متعددة حول حكم تعجيلها. فقد رأى غالبية الفقهاء جواز تعجيل دفع الزكاة بعد بلوغ النصاب وقبل انتهاء المدّة، استناداً إلى ما رواه علي -رضي الله عنه- بأن العباس سأله عن تعجيل زكاة قبل حلول وقتها، وقد سمح له بذلك.
في مقابل ذلك، يرفض كل من المالكية والظاهرية جواز تعجيل إخراج الزكاة قبل الحول، بالقياس على العبادات الأخرى التي لا يُسمح بتقديمها قبل وقتها، كما أن الصلاة لا تصح إذا أُديت قبل دخول وقتها. برأي هؤلاء، إن الحول يُعد شرطاً من شروط وجوب الزكاة مثل بلوغ النصاب، لذا لا يجوز دفع الزكاة قبل توافر الحولين.
أما بالنسبة لمدة التعجيل لإخراج الزكاة وفقاً لرأي جمهور الفقهاء، فهي متنوعة. حيث يرى الحنفية أن التعجيل لا يقتصر على فترة قصيرة بل يمكن أن يمتد لعدة سنوات، إذ يتحقق شرط الزكاة الذي يقتضي بلوغ النصاب. بينما ربط الحنابلة مدة التعجيل بحولين فقط، حيث لا يُبيحون ذلك طوال مدة أطول، مستندين إلى رواية تتعلق بالعباس -رضي الله عنه- حين تم تعجيل زكاة لسنتين، وقال: (وَأَمَّا العَبَّاسُ فَهي عَلَيَّ، وَمِثْلُهَا معهَا).