تعريف الحضارة
تشير كلمة “حضارة” في اللغة إلى مصدر الفعل “حضر”، وتجمع على “حضارات”، وتعني التمدن والتحضر، وهي تعكس عكس البداوة، وتعتبر مرحلة مهمة في مراحل التطور البشري. أما في الاصطلاح، فقد تباينت تعريفات الحضارة؛ إذ يعرفها ابن خلدون على أنها مرحلة طبيعية تحدث في المجتمعات المختلفة حيث يقوم سكانها بتطوير أساليب الرفاهية التي تعزز الانتقال من حياة البداوة إلى حياة التحضر وعمارة الأرض. وقد أشار ابن خلدون أيضاً إلى أن مظاهر الترف قد تنطوي على أسباب الفساد وانهيار الحضارة. كذلك عرّف العالم الإنجليزي تايلور الحضارة على أنها كيان معقد يتضمن العديد من الثقافة والفنون والعادات والتقاليد والقوانين التي يكتسبها الفرد كمواطن في المجتمع. ويضيف المؤرخ ول ديورانت أن الحضارة هي نظام اجتماعي يمكّن الإنسان من زيادة إنتاجه الثقافي. أما الحضارة الإسلامية، فهي تنسجم مع القيم والمفاهيم المستمدة من الإسلام، والتي تتعلق بمختلف جوانب الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والعلمية، وتعكس التصور الإسلامي الشامل للحياة واحتياجات الإنسان وتطلعاته في عمارة الأرض.
يمتد مفهوم الحضارة ليشمل مفاهيم عدة، ولا يوجد تعريف موحد لها نظراً لاختلاف الرؤى، ولكن يمكن القول بأن الحضارة عموماً هي مزيج من الفنون والعادات والتقاليد والقوانين والأخلاق، وتعتبر مجموعة من النظم التي تميز مجتمعاً عن الآخرين، وهي ناتج ما يتلقاه الفرد من مجتمعه.
الحضارات القديمة
تعددت الحضارات القديمة وتنوعت، ومنها الحضارة السومرية، الحضارة البابلية، الحضارة الإغريقية، الحضارة الفرعونية، الحضارة الفينيقية، الحضارة الصينية، وكذلك حضارة روما القديمة. سنتناول في هذه المقالة بعض هذه الحضارات وأسباب نهضتها.
الحضارة السومرية
نشأت الحضارة السومرية بين نهري دجلة والفرات، وتحديدًا في الجزء الجنوبي الشرقي من العراق المعروف ببلاد ما بين النهرين. تشير السجلات التاريخية إلى أن الحضارة السومرية تعتبر أول حضارة في العالم، حيث بدأت حوالي عام 3500 قبل الميلاد واستمرت حتى 2000 قبل الميلاد. امتدت تلك الحضارة من جبال طوروس إلى جبال زاغروس في إيران، وحتى الخليج العربي وصولاً إلى البحر الأبيض المتوسط، حيث امتزجت بحضارة الآشوريين والبابليين. كانت أقصى ذروة للتوسع السومري قبل القرن الخامس عشر قبل الميلاد بفضل ملك مدينة أدب لوجلالمند. ويعزى اسم “سومر” إلى إنجازات الشعب السومري. يمكن القول أن قيام أي حضارة يعتمد على مجموعة من العوامل السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
فيما يتعلق بعوامل قيام الحضارة السومرية، فإن العوامل السياسية تشمل:
- رغبة الحكام في الحصول على لقب الملك، مما أدى إلى توحيد البلاد تحت قيادة واحدة.
- التزايد في الحاجة إلى استخدام شبكة الري بين المدن المتجاورة.
- نمو المدن وسعيها لتفادي الصراعات فيما بينها، خاصة في مراحلها الأولى.
- اتباع مبدأ اللامركزية في الحكم والإدارة.
أما العوامل الاقتصادية التي ساهمت في ازدهار الحضارة السومرية فهي:
- زيادة إنتاجية الأراضي بين نهري دجلة والفرات.
- تحسين الإنتاجية الزراعية بفضل شبكة الري واسعة النطاق.
- اختراع العجلة الذي ساهم في تدجين الحيوانات وزراعة الأرض والنقل.
- توسع التجارة سواء البرية أو البحرية في مدينة سومر.
- الاهتمام الكبير بالصناعة وتطور المهارات والحرف والبراعة في التعدين وصهر المعادن.
كما كان للعوامل الاجتماعية دور كبير في تمكين الحضارة السومرية، والتي تتضمن:
- ظهور طبقات اجتماعية متعددة، تشمل الكهنة، العاملين في الحرف، العمال الأجراء، العبيد، والنبلاء مالكي الأرض.
- إدارة فعالة لأملاك المعابد أسهمت في تطور الحضارة من الناحية الاجتماعية.
الحضارة البابلية
تعتبر الحضارة البابلية من أقدم الحضارات في العالم، وقد قامت على ضفاف نهر الفرات في بلاد ما بين النهرين، حيث تشيرالسجلات إلى أنها نشأت حوالي عام 1894 قبل الميلاد واستمرت حتى عام 1165 قبل الميلاد. اتخذت بابل مدينة سومر عاصمةً لها، وتمتد المدينة حوالي 2 كم شمالاً وجنوباً، و 1.2 كم شرقاً وغرباً. تأسست الدولة البابلية على يد الملك حمورابي عام 1763 قبل الميلاد، وكان ازدهارها يعتمد أساسًا على الزراعة بالإضافة إلى عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية أخرى.
تتضمن العوامل السياسية التي ساهمت في تطور الحضارة البابلية:
- الاستفادة من المزج بين حضارة السومريين وحضارة الأكاديين، مع إضافة عناصر جديدة.
- إخضاع حمورابي لمعظم البلدان المجاورة، مما وحدها تحت حكم مدينة بابل.
- استخدام ملوك بابل للخبرة المكتسبة من الملوك السابقين.
بينما العوامل الاقتصادية المؤثرة تتضمن:
- ارتفاع إنتاج الأراضي الواقعة بين النهرين.
- تطور التجارة بشكل كبير جراء تعبيد الطرق التجارية.
- تنظيم قنوات الري، مما زاد من الإنتاجية الزراعية.
- استغلال العبيد كقوى عاملة مجانية، مما ساهم في النمو الحضاري.
أما بالنسبة للعوامل الاجتماعية، فقد تمثلت في:
- ظهور طبقات اجتماعية متعددة، تشمل طبقة الأرستقراطيين، وعموم الشعب “الموشكينو”، وطبقة العبيد.
- توزيع الحقوق بشكل متفاوت بين الطبقات، مما أثر على تفاعل المجتمع.
الحضارة الإغريقية
تأسست الحضارة الإغريقية بين عامي 1100 قبل الميلاد و750 قبل الميلاد، وجاءت نتيجة القضاء على الحضارة الإيجية وعودة اليونانيين إلى موطنهم، حيث بدأ المجتمع اليوناني بالتحضر تدريجياً. اعتمد النظام الملكي على قادة دينيين وعسكريين كنموذج للحكم. كان الملك شخصية قوية مسؤولة عن حماية المدينة وإدارة شؤونها، مُساعدًا بمجلس شورى للنقاش واتخاذ القرارات. تلعب الاتساع الجغرافي وزيادة الإنتاج دورًا هامًا في ازدهار الحضارة الإغريقية، وازدهرت التجارة والصناعة بشكل خاص خلال فترات الحكم المختلفة.
فيما يتعلق بالعوامل الاقتصادية، تشمل:
- زيادة الهجرات وضم أراضٍ جديدة إلى اليونان.
- نهضة أثينا كتوجه اقتصادي متنوع.
- استمرار استغلال العبيد كقوى عاملة مجانية.
- تطوير التجارة نتيجة للالتقاء مع الدول المجاورة.
بينما العوامل الاجتماعية تنقسم إلى عدة طبقات، تشمل المواطنين الأصليين، الغرباء، المعاتيق، وعبيد أتكا. وكانت الديمقراطية تلعب دورًا مهمًا في تنظيم حقوق الأفراد، مما أحدث توازنًا بين الطبقات.
حضارة روما القديمة
تعتبر حضارة روما واحدة من أهم الحضارات القديمة، حيث شهدت ازدهارًا لا نظير له، يُعزى إلى إنجازات الطبقات الكادحة العمل تحت إشراف النبلاء. استمرت الحضارة الرومانية لأكثر من خمسة عشر قرنًا، وقد اعتبرت مركزًا للعالم القديم. بدءاً من الملكية إلى الجمهورية، ثم الإمبراطورية، حكمت روما أجزاءً واسعة من العالم القديم.
تأثرت الحضارة الرومانية بالحضارة الإغريقية جراء التقارب الجغرافي بينهما، حيث استوعب الرومان الكثير من العناصر الثقافية والفنية من الإغريق، ومع ذلك، بقت الطبقات الاجتماعية في روما متفاوتة التفاعل مع هذا الامتزاج.
فيديو عن تاريخ الفراعنة
هل تعتبر الشوكولاتة، سكاكر النعناع ومكياج العيون أشياء جديدة؟ شاهد هذا الفيديو لتكتشف زمن ظهور هذه العناصر: