حكم المرتد في المذاهب الأربعة يجعلك تظن أنك خارج الدائرة وتنظر على عقوبة المُخطئ من على بعد، ولكن للأسف في تلك الأيام ونظرًا لسهولة استساغة بعض الألفاظ دون فهم أو وعي فمن الواجب معرفة حكمها، وكيفية التعامل مع ناطقها أو المخالف لتعاليم دينه، لتجنب الوقوع في الإثم دون وعي وهو ما سأعرضه لكم عبر موقع سوبر بابا.
معنى الارتداد عن الدين وحكمه
الارتداد يأتي من “الردة” أي أن يكفر الشخص والعياذ بالله بالإسلام والله عز وجل بعدما قال الشهادتين، وألا يكون معترفًا بأركان الإسلام ولا يراعي أي من المبادئ الخاصة بالدين، فيقوم ببعض العادات والأفعال التي تكون منافية تمامًا لأخلاقيات العبد المسلم.
قد أوضح الأئمة بخصوص ذلك الأمر أنه لا بد أن يتم إثبات ردة الشخص عن دينه عن طريق شهادة قاضيين، ويجب أن تكون موحدة، فقد جاء في ذلك الأمر قصة في عهد النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ سوف نتناولها فيما بعد.
الجدير بالذكر هنا أن هناك اختلاف ما بين الأئمة بخصوص حكم عقوبة المرتد عن دينه، وقد أوضحوا متى يكون المرء مرتدًا عن دينه، وفي ذلك سيتفاجأ بعض الناس ويتم الانتباه من كل فعل يصدر عنهم، ففيما يلي نتناول رأي أئمة المذاهب الأربع بخصوص حكم المرتد:
1- مذهب الأحناف
قد اتفق أئمة المذهب الحنفي أنه في حالة عُرض على الشخص أن يسلم ولم يردد الشهادة فإن العقوبة هي القتال أو الإسلام، وإن كان هناك شك في أنه قد ارتد عن دينه فيجب عليه أن يكشفه حتى لا يُظلم.
الإسلام هنا لا يكون إجباريًا بل إنه يكون بتعريفه الإسلام الحق، وأن يتم محاولة تصحيح أخطائه ومفاهيمه المختلفة، بعدما يُطلب منه الرجوع عن الردة، وإن طلب أن يتم تركه لمدة فيجب ألا تزيد عن 3 أيام.
فإن لم يرجع عن ارتداده يتم قتاله، واستشهد الأئمة في ذلك بقول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ في حديث شريف نُقل عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ: “من بدَّلَ دينَه فاقتُلوهُ“ [صحيح النسائي].
لكن من الجدير بالذكر هنا أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ عندما قال إن عقوبة الارتداد هي القتل، فإنه يقع ضمنًا لشروط، وهي أن يتم الحكم والتنفيذ من قبل الحاكم أو الإمام.
اقرأ أيضًا: حكم زيارة القبور للنساء عند الشافعية
2- المذهب المالكي
قد قال القاضي عياض اليحصبي المتبع الإمام في المذهب المالكي بكتابه الشفا:
“من سب النبي صلى الله عليه وسلم أو عابه أو ألحق به نقصًا في نفسه أو نسبه أو دينه أو خصلة من خصاله أو عرَّضَ به أو شبهه بشىء على طريق السب له أو الإزراء عليه أو التصغير لشأنه أو الغض منه والعيب له فهو ساب له… قال محمد بن سنحون أجمع العلماء أن شاتم النبي صلى الله عليه وسلم المُنتَقِصَ له كافر والوعيد جار عليه بعذاب الله له … ومَنْ شكّ في كفره وعذابه كَفَرَ”
يُوضح هنا جزء من معنى الارتداد بالنسبة للمالكية وهو أن يقوم أي شخص بسب النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو عيبه وقول ما لا يصحّ عليه، ففي تلك الحالة هو مرتد عن الدين بالنسبة لهم ومتبعيهم.
أما عن عقوبة الارتداد بالنسبة للمذهب المالكي فإن إثبات ردته يكون بمرور 3 أيام بهذا التفكير أو الفعل الذي صدر منه، والعقوبة بالنسبة لهم كذلك هي القتل، ويتم تنفيذها من قبل الحاكم أو الإمام.
3- المذهب الشافعي
قد وُرد على لسان الشيخ تقي الدين أبو بكر بن محمد الحصني الشافعي في تعريف الارتداد أنه:
“وفي الشرع الرجوع عن الإسلام إلى الكفر وقطع الإسلام، ويحصل تارة بالقول وتارة بالفعل وتارة بالاعتقاد، وكل واحد من هذه الأنواع الثلاثة فيه مسائل لا تكاد تحصر ..”
أي يوضح هنا أن الارتداد بالنسبة للمذهب الشافعي يكون بالقول أو الفعل أو الاعتقاد.
من ثم أكمل:
“فنذكر من كل نبذة ما يعرف بها غيره: أما القول: ولو سب نبيا من الأنبياء أو استخف به، فإنه يكفر بالإجماع، ولو قال لمسلم يا كافر بلا تأويل كفر، لأنه سمى الإسلام كفرًا”
ومن ثم أكمل في كتابه موضحًا أن الكفر بالفعل كأن يقوم الشخص بالسجود إلى الشمس، أو عبادة ما هو غير الله تعالى، أو أن يقوم بأعمال السحر وإلقاء المصحف في القاذورات.
كذلك أوضحوا نقطة هامة أنه من يحلل ما هو محرم بالإجماع من قبل الله تعالى وسنة نبيه وقول الأئمة أو الشيوخ فإنه مرتد، ذلك في قوله:
“أما الكفر بالاعتقاد فكثير جدا فمن اعتقد قدم العالم أو حدوث الصانع أو اعتقد نفي ما هو ثابت لله تعالى بالإجماع أو أثبت ما هو منفى عنه بالإجماع كالألوان والاتصال والانفصال كان كافرا، أو استحل ما هو حرام بالإجماع، أو حرم حلالا بالإجماع أو اعتقد وجوب ما ليس بواجب كفر أو نفى وجوب شىء مجمع عليه عُلِمَ من الدين بالضرورة كفر”
أما عن حكم الارتداد لديهم فمن الواجب على الإمام أن يؤجل الحكم والقتل ثلاثة أيام، حتى يرجع المرتد عن تفكيره، حيث إن كثيرًا من الأوقات يكون الارتداد نتيجة للشك فقط في أمور الدين، أو مراودة الفرد بعض الأفكار الغير حسنة.
4- مذهب الحنابلة
بالنسبة لعبد الله بن أحمد ابن قدامة المقدسي الحنبلي فإن المرتد هو من يرجع عن إيمانه بالله تعالى بعدما نطق الشهادتين وأعلن إسلامه، أو أن يكفر بوحدانية الله تعالى، كتابه أو سبه أو سب رسوله، فقد قال في كتاب المقنع:
“وهو الذي يكفر بعد إسلامه. فمن أشرك بالله أو جحد ربوبيته أو وحدانيته أو صفة من صفاته أو اتخذ لله صاحبة أو ولدا أو جحد نبيا أو كتابا من كتب الله تعالى أو شيئا منه أو سب الله تعالى أو رسوله كفر…“.
كما أنه في بقية الكتاب أوضح أن المرتد هو من يُحل ما حرّم الله تعالى ونبيه الكريم ـ عليه الصلاة والسلام ـ كالزنا أو تناول الخمور وغيرها من المحرمات المتفق عليها.
بينما يتفق أهل المذهب كذلك على أن يُعطى المرتد 3 أيام لكي يرجع عن معتقداته الخاطئة ويعيد التفكير في الدخول بالإسلام مرة أخرى، فإما أن يرجع لدينه أو يُنفذ عليه عقوبة القتل.
الخلاف ما بين المذاهب الأربعة بخصوص حكم المرتد
الجدير بالذكر أنه لا يوجد أي اختلاف ما بين أئمة المذاهب الأربعة بخصوص حكم المرتد، فقد اتفقوا على أن العقوبة هي القتل، ولكن كان هناك رأي مختلف وطريقة لعرض معنى الارتداد لدى كل منهم.
الجدل حول حكم المرتد
الجدير بالذكر أن قصة الجدل أو وجود خلاف بخصوص حكم المرتد عن دينه شائعة تلك الأيام فقط، فإنها من الأمور التي جرّمتها كل المذاهب ولم تتفق عليها أبدًا، بينما الأمر قد نشأ بعد هيمنة الثقافة العلمانية الغربية.
أقوال الصحابة في حكم المرتد
قد ذُكر في السنة النبوية الشريفة وسيرة صحابة النبي ـ رضوان الله عليهم ـ بعض الأحكام بخصوص حكم المرتد، أهمها ما نُقل عن عبد الله بن عباس ـ رضي الله عنه ـ حينما عاتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه عندما أحرق ناس، بأن النبي الكريم قد أمر بألا يتم التعذيب بما يُعذب الله تعالى عباده:
“أنَّ عَلِيًّا رَضِيَ اللَّهُ عنْه، حَرَّقَ قَوْمًا، فَبَلَغَ ابْنَ عَبَّاسٍ فَقالَ: لو كُنْتُ أنَا لَمْ أُحَرِّقْهُمْ لأنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا تُعَذِّبُوا بعَذَابِ اللَّهِ، ولَقَتَلْتُهُمْ كما قالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ” [صحيح البخاري].
بينما نصح عمرو بن العاص بأن يتم الانتظار على المرتد مدة من الوقت ودعوته للتوبة لله تعالى بدلًا من إقامة أي حد عليه، فقد قال له: “استتبه فإن تاب فاقبل منه وإلا فاضرب عنقه”.
كذلك قد قال عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ أن المرتد عن دينه يجب أن يدعى إلى التوبة ثلاث أيام “يستتاب المرتد ثلاثاً“.
اقرأ أيضًأ: حكم تأخير إخراج الزكاة عن وقتها بغير عذر شرعي
دليل قبول توبة المرتد في القرآن الكريم
بعض من الأقاويل المنتشرة تلك الآونة والتي يحاول فئة من الناس إثباتها هي أنه لا يتواجد عقوبة للمرتد في القرآن الكريم، وأنه لا يوجد ما يثبت أنه يمكن التوبة له وقبولها عند الله تعالى، لكن الفقهاء قد أوضحوا ذلك استشهادًا بقول الله تعالى:
(فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [سورة التوبة الآية رقم 5].
توبة المرتد
إن الله تعالى واسع المغفرة ورحيم، فيقبل زلّات عباده ويكفّر عنهم السيئات، ومن الهام العلم أنه يغفر حتى الشرك به، فقد قال في كتابه الكريم:
(قُل لِّلَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَنتَهُوا يُغْفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِن يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ) [سورة الأنفال الآية رقم 38].
فمن اقترف ذلك الفعل فيمكنه أن يتوب توبة نصوح إلى الله تعالى بنطق الشهادتين، وأن يندم على ما فعل ويكون صادقًا والتوبة نابعة من دواخله، وهناك شرط لقبولها ألا وهو أن يعزم ألا يعود لمثل تلك الأفعال مرة أخرى، ولا يعود فعلًا، وذلك ما اتفق عليه فقهاء المذاهب الأربعة.
استشهدوا في ضرورة النطق بالشهادة للرجوع إلى الدين قول النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ:
“ أُمِرْتُ أنْ أُقاتِلَ النَّاسَ حتَّى يقولوا: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، فمَن قالَ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، عَصَمَ مِنِّي مالَهُ، ونَفْسَهُ إلَّا بحَقِّهِ، وحِسابُهُ علَى اللَّهِ.” [صحيح مسلم].
لكن أوضح الفقهاء أنه لا يعد المرتد مسلمًا مرة أخرى سوى بنطقه الشهادتين، فإن رفض ذلك فلا تصحّ التوبة، كما أوضح فقهاء المذهب الشافعي والحنابلة أنه في حالة قد قام في ارتداده بنكران رسالة النبي ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو ما شابه فعليه أن يقوم بالإقرار بما أنكر مع النطق بالشهادتين.
توبة المرتد بالصوم
قد أوضح الفقهاء أنه لا يمكن أن يتم قبول توبة المرتد في حالة رؤيته يصلي أو يتصدق أو حتى يصوم، فإن الوجوب والإلزام هو أن يتم نطق الشهادتين والإقرار بمصداقية ما تم نكرانه بخصوص الدين، لأن تلك العبادات الأخرى لا تكفي حيث إن الكفار يتصدقون ولكن يكون هناك في الباطن ما لا يعلمه سوى الله تعالى.
هل سب الدين يجعل المسلم يرتد
من الآفات المنتشرة في المجتمع هي أن تسمع الرجال أو السيدات يسبّون الدين، والجدير بالذكر أنهم يغفلون عن ذلك فيقولونه من باب المزاح ولم ينحصر الأمر في الشتائم أو النزاعات، وفي ذلك قد جاء نصيحة في السنة النبوية.
فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن الرسول ـ عليه الصلاة والسلام ـ قال: “ إنَّ الرجُلَ لَيتكلَّمُ بِالكلِمَةِ لا يَرى بِها بَأسًا، يَهوِي بِها سَبعينَ خَريفًا في النارِ” [صحيح الجامع].
من هنا يمكننا التنويه أن فقهاء المذاهب الأربع قد أوضحوا أن من يسب الله تعالى، رسوله ـ عليه الصلاة والسلام ـ أو الكتب وحتى بقية الأنبياء فإنه يعد مرتدًا عن دينه، ويجب عليه التوبة حتى يعود إلى الإسلام في غضون ثلاث أيام.
اقرأ أيضًا: حكم صلاة الجماعة في المسجد عند الأئمة الأربعة
المرتد عن دينه والعلاقة الزوجية
من الأمور الجديرة بالذكر بشكل كبير في موضوعنا حكم المرتد في المذاهب الأربعة، هي إيضاح شق هام ألا وهو طبيعة العلاقة الزوجية في حالة ارتداد الزوج، وقد قال الفقهاء بخصوص ذلك أن المرتد لا تحلّ له زوجته طالما لم يرجع للإسلام.
كما أوضحوا أن الفرقة بينهما تكون بلا طلاق ما دام الردة وقعت، وهذا ينطبق على كل من الرجل والمرأة، وكذلك يبطل عصمة النكاح، أي على المرأة أن تنتظر مدة العدة حتى يتوب الرجل ويرجع للإسلام، وفي حالة انقضت العدة دون أن يرجع فإن الطلاق أصبح بائنًا.
على العبد المسلم أن يُلقي بالًا بكل كلمة تخرج من لسانه، خاصةً تلك الأيام التي تساهل بها تداول الألفاظ الغريبة والمخالفة للمبادئ والدين في أغلب الأحيان، ومن الواجب التوبة في حالة ارتكاب أي خطأ مما سبق ذكره.