في كثير من الأحيان يكون الحوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم سببًا في جعل الابنة مُدركة أهمية الحفاظ على العلاقات العائلية، وهو ما أمرنا الله -عز وجل- به، ونهى عن تركه لما فيه من عقوبة لتاركه في الدنيا والآخرة، ومن خلال موقع سوبر بابا نعرض مثالًا حيًا لكيفية الحوار مع الابنة بهذا الشأن.
حوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم
من الضروري أن تكون الأم مستعدة للإجابة عن تساؤلات الأبناء التي يطرحونها، راغبين في معرفة أسباب تكليف الله لنا بها؛ حتى يأتي الحوار بالنتائج المرجوّة في إيصال المعنى والسبب الصحيح.
على أن تكون الأم الطرف الأكثر وعيًا وتفاعلًا أثناء الحوار، حتى تتمكن من الإجابة بحكمة دون إلقاء المعلومات أو المعتقدات الخاطئة على الابنة، ولا شك أن الحوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم سيُعلم الابنة كيفية التحاور مع الآخرين بشكل سليم.
الأم: أرغب في محادثتك في أمر هام للغاية يا ابنتي، فقد وصلتِ الآن إلى السن الذي يجعلني أساعدك لتكوني على دراية تامة بما يُمليه عليكِ دينك.
الابنة: أسمعك جيدًا يا أمي، ماذا تريدي أن تخبريني عنه؟!
الأم: أصبحتِ الآن بالوعي الكافي الذي يُحتم عليكِ الحفاظ على صلة الرحم، وهو ما يعني أن تكونِ على اتصال دائم بأقاربك سواء من ناحيتي أو من ناحية أباكِ، وأن تحسني معاملتهم بقدر ما ترغبين بالأجر العظيم.
الابنة: اعلم يا أمي، لكنّي كثيرًا ما أرى صديقاتي يتحدثن عن بعض أقاربهم بالسوء، حتى إن إحداهن أخبرتني أنها قاطعت هي وأمها أحد أقاربهم تمامًا.
الأم: هذا عليه ذنب كبير، فقد جاءت العديد من الآيات القرآنية الكريمة، والأحاديث النبوية الشريفة التي توضح مدى سوء هذا الفعل.
الابنة: حقًا! هل لديكِ مانع أن تخبريني ببعضهم.
الأم: لا مانع لديّ يا بُنيتي، بسم الله الرحمن الرحيم:
- “ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلَّيْتُمْ أَن تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ* أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ” الآية 22-23 من سورة محمد.
- “إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ* الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ” الآية 26-27 من سورة البقرة.
في الآية الأولى يا بُنيتي يوضح الله عاقبة من يقطعون الأرحام، فأصمّهم، أي أخذ منهم نعمة فهم ما يسمعون من أوامره، وأعمى أبصارهم، أي سلبهم عقولهم وجعلهم غير قادرين على رؤية العِبرة والعِظة من آياته.
أما في الآية الثانية يُبيّن الله مدى خطورة قطع ما أمر به أن يوصل، ومن أبرز الأمثلة عليه صلة الأرحام، وأن من لا يلتزم بها فهو من الفاسقين، وحتمًا سيخسرون آخرتهم ولن يبقى لهم سوى العقاب.
الابنة: لو يعلم الناس مدى عاقبتهم عندما يقطعون الأرحام لن يفعلوا ذلك أبدًا!
الأم: صحيح، وذلك فضلًا عن أن الله يعتبر صلة الأرحام صفة من صفات المؤمنين، وقد نبه على ذلك النبي صلى الله عليه وسلم في رواية أبي هريرة عنه حينما قال: “مَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ، ومَن كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ واليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أوْ لِيَصْمُتْ” صحيح البخاري.
الابنة: هذا يُعني أن من لا يصل رحمه يترك ما أمر الله بها عباده المؤمنين!
الأم: صحيح، لذا اسأل الله -عز وجل- أن يجعلك من الصالحين الواصلين لأرحامهم، المحافظين على أوامر ربهم، والحاصلين على عظيم الثواب في الآخرة.
اقرأ أيضًا: حوار بين الأم وابنتها عن الحجاب
من الذين لهم حق صلة الرحم؟
الأرحام هم من لهم الحق في الحصول على الإحسان، والرعاية، والمعاملة الطيبة، والمساعدة المالية والمعنوية، وهو ما عُرف منذ القدم قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- وفي الحوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم يجب أن تعرف الابنة تحديدًا من هم الأرحام الذين لهم تلك الحقوق.
الابنة: أتذكر يا أمي أن المعلمة في العام الدراسي الماضي قد حدثتنا عن ضرورة صلة الأرحام، وقد أخبرتنا بكافة التفاصيل المتعلقة بهذا الشأن، موضحة لنا من هُم الأرحام الأحق بوصلهم.
الأم: أخبريني يا بُنيتي عما سمعتيه.
الابنة: قالت المعلمة إن الأرحام بشكل عام هم الأقارب من نفس النسب، لكن هناك نوعان منهم، النوع الأول يشمل الأرحام المحارم، الذين يُحرم الزواج بينهم شرعًا وقانونًا، مثل الآباء، والأمهات، والإخوة، والأخوات، والأجداد، والجدات، وأبناء الزوج، وأبناء الزوجة، والعمات، والأعمام، والأخوال، والخالات.
أما النوع الثاني هم الأقارب غير المحرمين، الذين يجوز الزواج بهم شرعًا وقانونًا، لذا على الشخص أن يلتزم بالحدود الشرعية في التعامل معهم، مثل: أبناء العمة، وأبناء العم، وأبناء الخال، وأبناء الخالة، وبنات كل منهم.
الأم: كلامك صحيح بالفعل، إنهم الأحق بالصلة والإحسان.
الابنة: أشكرك يا أمي أنكِ أبديتي اهتمامك بما أقوله لكِ على الرغم من أنك تعرفيه جيدًا، ولا تحتاجين إلى سماعه مرة أخرى.
الأم: يا حبيبتي إن الحوار من أهم طرق التعبير عن الرأي، أتمنى أن تتعوّدي على أن تُديري الحوار بينك وبين الآخرين لتعبّري عن رأيك وتسمعي آرائهم.
الابنة: سأحاول بقدر الإمكان أن أكون مثلك عندما أكبر، فأنتِ من علّمتني المناقشة مع الآخرين بقدرٍ من المنطقية في التفكير.
الأم: بارك الله فيكِ يا ابنتي العزيزة.
اقرأ أيضًا: حوار بين شخصين عن الاحترام سؤال و جواب
حوار عن فضل صلة الرحم بين أم وابنتها
حوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم يجب أن يتضمن الفوائد الدنيوية والدينية العائدة على من يلتزم بأوامر الله، فلا شك أن ذلك سيُشجع الابنة على الاهتمام بصلة الرحم بشكل أكبر عما سبق، على أن يكون ذلك موّثقًا بالأدلة والبراهين الإلهية.
الأم: أتعلمين يا ابنتي أن لكل فرض أمرنا الله به حِكمة بالغة دومًا، لكن لا يشترط أن نعرفها في كل مرة.. لكن لا شك أن معرفتها تجعلنا على دراية تامة بأنها أمرٌ محمود، لما لها من أثر إيجابي على نفس الإنسان في الدنيا، وعظيم الأجر في الآخرة.
الابنة: تعوّدت ألا أتساءل كثيرًا عن الأثر الإيجابي الذي تتركه أوامر الله -عز وجل- في قلوبنا وأنفسنا؛ لأنني دائمًا ما أكون متيقنة من كون أوامر الله في صالحنا، وأن دونها يضيع الإنسان في حياته، ويهلك في النهاية، أخبريني يا أمي، أريد أن أعرف.
الأم: بارك الله فيكِ يا ابنتي، إن هناك الكثير من الآيات القرآنية التي يُمكن الاستدلال من خلالها بسهولة عن فضل صلة الرحم، أعرض عليكِ أبرزها:
“وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ* وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ* جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ* سَلَامٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ ۚ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ” الآية 21-24 من سورة الرعد.
في الآية دعوة مباشرة للحفاظ على صلة الأرحام بالإحسان إليهم في القول والفعل، تأتي على هيئة بُشرى من الله -عز وجل- بأن من يفعل ذلك ابتغاء مرضاته يكُن له من الجنة دارًا، يستقر فيه.
الابنة: لم أكن أعلم يا أمي أن صلة الرحم لها من الأجر ما هو عظيم إلى هذا الحد، فإن عرف الناس ذلك لن يقطع أحد صلته بأرحامه أبدًا، من الذي يُمكن أن يفرط في مثل هذا الأجر!
الأم: لا أعلم يا ابنتي، فلم يقتصر الأمر على آيات الكتاب الكريم فقط، بل إن السُنة النبوية أيضًا قد امتلأت بالدلائل التي تُشير إلى ضرورة الحفاظ على صلة الرحم، منها الحديث الشريف الذي رواه عبد الله بن سلام عن النبي -صلى الله عليه وسلم- حينما قال:
“يا أيُّها النَّاسُ أفشوا السَّلامَ، وأطعِموا الطَّعامَ، وصِلوا الأرحامَ، وصلُّوا باللَّيلِ، والنَّاسُ نيامٌ، تدخلوا الجنَّةَ بسَلامٍ” صحيح ابن ماجه.
كذلك روى أبو أيوب الأنصاري: “أنَّ رَجُلًا قالَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أخْبِرْنِي بعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الجَنَّةَ، قالَ: ما له ما له. وقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أرَبٌ ما له، تَعْبُدُ اللَّهَ ولَا تُشْرِكُ به شيئًا، وتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وتُؤْتي الزَّكَاةَ، وتَصِلُ الرَّحِمَ” صحيح البخاري.
الابنة: إن البُشرى بدخول الجنة لا يُضاهيها شيء آخر!
الأم: لا يقتصر الأمر على التمتع بالنعيم في الآخرة فحسب، بل هناك ما يُشير إلى أن واصل أرحامه يجعل الله له الرزق في الحياة الدنيا ويبارك فيه، وقد جاء ذلك في رواية أنس بن مالك عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: “مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ” صحيح البخاري.
الابنة: ما أجمل الدين الإسلامي!! دائمًا ما يُثبت لمعتنقيه أنه دين الرحمة والتعاطف والمودة، وحجر الأساس لنشر المحبة بين الناس أجمعين.
الأم: أدعو الله أن يجعلنا من الصالحين المحافظين على أمور ديننا الحنيف يا بُنيتي.
الابنة: اللهم آمين.
اقرأ أيضًا: حوار بين الأم وابنتها عن الصلاة قصير
هل يجوز قطيعة الأقارب المؤذيين؟
صلة الرحم هي مفهوم أساسي نص عليه الدين الإسلامي، والهدف منه عدم القطيعة بين الأقارب، والحث على زيارتهم وودهم والتعامل معهم بكل سلام وبشاشة، وما يغفل عنه الكثيرون أنها من أعظم وسائل التقرب إلى الله -عز وجل- والحصول على رضاه في الدنيا والآخرة.
لكن هل ينطبق ذلك حتى على الأقارب الذين يُحلقون بنا الضرر أو يظلموننا؟! هذا ما لا يجب الإغفال عنه في حوار بين الأم وابنتها عن صلة الرحم.
الابنة: الآن عرفت الكثير مما لم أكن أعرف بشأن صلة الرحم، لكن يا أمي ما إذا كان الأقارب من الأرحام يسببون لنا الأذى، هل عليّ الاستمرار في الحفاظ على صلتهم؟!
الأم: زاد التساؤل حول هذا الأمر كثيرًا، حتى أصدرت دار الإفتاء بيانًا واضحًا بأنه لا مبرر لقطع صلة الرحم فضلًا عن أضرارها، لكن هناك بعض الطرق التي يُمكن تفادي ذلك بها.
الابنة: أعلم أن الدين الإسلامي لم ينص على الأوامر التي تتسبب في إضرارنا حتمًا، فما الذي يُمكن فعله حيال ذلك؟!
الأم: تُعد صلة الرحم من الأمور الواجبة شرعًا على كل مسلم ومسلمة، لكن في حال وقع ضرر من الأقارب على واصل الرحم، عليه أن يُقلل التواصل معهم منعًا للمشاكل.
الابنة: كيف يُمكن أن يحدث ذلك؟
الأم: بتقليل الزيارات، أو المكالمات الهاتفية، أما القطيعة التامة فهي غير جائزة تمامًا.
الابنة: فهمت يا أمي، شكرًا جزيلًا لكِ، لم أكن لأعلم كل هذا دون حوارنا الشيّق.
الأم: أتمنى أن تتبعي كل ما يُمليه عليكِ دينك، وأن تكوني من الصالحين الحاصلين على عظيم الأجر والثواب يا ابنتي العزيزة.
يُمثل الحوار وسيلة هامة جدًا للتواصل بين الأفراد بطريقة بسيطة توصل للطرف الثاني غرضًا من الحديث، على أن يقترن بالحُجة والدليل السليم للإقناع التام.