مفهوم الدين
ينقسم الدين إلى نوعين؛ إما أن يكون ديناً سماوياً، أو أن يكون من صنع البشر. وقد عرّف العلماء الدين السماوي بأنه “وضعٌ إلهي يرشد أصحاب العقول إلى الخير وفق اختياراتهم المحمودة”. أما التديّن، فهو نتاج فكر البشر، ويتحقق من خلال التزامهم بنصوص وتعاليم الدين بمحض إرادتهم. يُوجه الخطاب الديني إلى العاقلين، بينما يُستثنى من ذلك من فقد عقله بسبب صغر السن أو الجنون. في حالة تغييب العقل، يُحاسب الفرد على أفعاله، حيث يمكن أن تقود هذه الأفعال إلى انحراف في مفهوم التديّن. التديّن الصحيح يتطلب فهم الأمر الإلهي وتطبيقه على أرض الواقع من خلال أداء العبادات والالتزام بالأخلاق في المعاملات بين الأفراد، ولا يمكن اعتباره مجرد أداء شعائر مثل الصلاة والصيام دون ارتباط حقيقي بالسلوك الأخلاقي. هناك فارق كبير بين التديّن الظاهري الذي يركز على الأشكال الخارجية، والتديّن الذي يعتني بجوهر القيم والمفاهيم.
دور الدين في حياة الفرد
أنعم الله تعالى على البشر بالدين، وهو يمثل الطريق المستقيم الذي يسهل على الناس العثور على وجهتهم الصحيحة. لقد استطاع النبي محمد -صلّى الله عليه وسلّم- من خلال رسالته إخراج الناس من ظلمات الضلال إلى نور الهداية. الدين يهدف إلى تنظيم كافة جوانب الحياة، بما في ذلك علاقة الإنسان بخالقه، وعلاقاته بالآخرين، وكذلك العلاقة بين الفرد ونفسه. لذا، وضع الدين قواعد تعزز الحياة المستقرة وآمنة مثل تنظيم معاملات البيع والشراء وأصول الحياة الأسرية.
تشهد المجتمعات في كل العصور محاولات لتكييف الدين ليناسب الواقع، مما يؤدي إلى خلل كبير، فالدين جاء ليُحكم حياة الناس ويساهم في تصحيح مسارهم، وليس ليعكس واقعهم الحالي. هذا التكييف قد يؤدي إلى تحويل القيم الثابتة إلى متغيرات، مما يستلزم ضرورة معرفة الأجيال الحالية بثوابت الدين وإكسابهم التصور الذي يرشدهم إلى الخط المستقيم. تحقيق هذا التصور يتطلب فهم حقيقة الدين، الذي يمثل ميزاناً لتفريق الحق عن الباطل، ويشمل التوازن بين الثبات والمرونة. الثبات يعني الالتزام بالعقائد التي أوصى بها النبي، في حين أن المرونة تبرز في عدم فرض شكل محدد لاستشارة المجتمع مما يجعل التعامل مع الأمور أكثر انفتاحاً.
إن حاجة الفرد للدين هي حاجة فطرية تفوق حاجته للغذاء والماء. فالابتعاد عن الدين يقود إلى الشعور بالضيق والمعاناة. وقد قدم الإسلام دلالات قوية على ضرورة التديّن، حيث قال الله تعالى: “وَإِذَا أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِم ذُرِّيَّتَهُم وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِم أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ”. إضافة إلى ذلك، تكشف الحاجة الإنسانية إلى وضع الضوابط والقوانين التي توجههم نحو عبادة الله الواحد. السعادة الحقيقية لا تتحقق إلا باتباع الدين الصحيح الذي ارتضاه الله تعالى، حيث لم يترك الله الإنسان دون هداية ويعد الكون شاهداً على عظمته وحكمته. للأسف، يحاول بعض الناس تقديم رؤية مشوهة للدين باعتباره شيئاً يمكن التخلي عنه، رغم أهميته الجوانب الحياتية.
الأهمية المتأصلة للدين
تشير الدراسات التاريخية إلى أن الإنسان كان دائماً بحاجة إلى العبادة. كما أن الإنسان لا يمكنه العيش بلا طعام يحافظ على بقائه، أو بدون زواج للحفاظ على نوعه، فلا يمكن للفرد أن يستغني عن الدين الذي يعد أمراً ضرورياً وغريزياً. بفضل الدين، تحوّل اعتقاد البشرية إلى أشكال ناضجة وسليمة. إن وجود الله تعالى هو من الأمور البديهية التي يدركها الفرد بفطرته. الدين يترقى وينمو في ذات الشخص بمرور الوقت تبعاً للبيئة المحيطة بالإنسان. ومن الأدلة القوية على وجود الله تعالى قوله في القرآن الكريم: “شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَـٰهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ”. فقد شهد الله على تفرده بالألوهية، ومن بعده الملائكة وأولو العلم، الذين استنبطوا الأدلة الكامنة في الكون التي تشير إلى وحدانية الله.