دور الشعر العربي وأهميته في الثقافة والتاريخ

الشعر العربي

لقد برز العرب منذ القدم في فن الشعر، حيث عُرف قديماً بأنه “نظام القول الذي يسيطر عليه الوزن والقافية، رغم أن كل علم يُعتبر شعراً”، وهو ما أشار إليه ابن منظور في مؤلفه “لسان العرب” (1). أما في العصر الحديث، فيُعرف الشعر بأنه “نظام احتوائي موزون، يتكون بشكل متكامل، ويكون مقفى وموزوناً، وإذا خلت النصوص من هذه الخصائص، فلا يمكن اعتبارها شعراً، ولا يُطلق على قائلها لقب شاعر” (2). وبالتالي، فإن الشعر يتطلب أربعة شروط رئيسية هي: المعنى، والوزن، والقافية، والقصد.

مكانة الشعر العربي

في عصر الجاهلية، وقبل ظهور النبي محمد صلى الله عليه وسلم، كانت القبائل العربية تحتفي بظهور الشعراء المبدعين بينهم، حيث كان الشعر يعزز مكانة القبيلة ويميزها عن غيرها. لقد شهدت أهمية الشعر العربي تغيرات عبر العصور، ففي زمن النبوة وبزوغ الإسلام، أصبح الشعر وسيلة للدفاع عن رسالة الإسلام ضد المخالفين، وفي عصور حكم الأمويين والعباسيين، تحول الشعر إلى أداة للتعبير عن الاختلافات السياسية والفكرية، ودفاعاً عن المبادئ في مواجهة الأعداء.

حالياً، يشكل الشعر عنصراً بارزاً في الحياة الأدبية والفكرية والسياسية، ويتطور توازياً مع تطور الشعوب العربية والإسلامية، ويتحدد وفق علاقاتها مع الثقافات الأخرى. نتيجة لذلك، نشأت فنون شعرية جديدة تتميز بمضامين وأساليب ولغات متنوعة، بالإضافة إلى أوزان وقوافي مختلفة. وقد أبرزت هذه الفنون مواضيع متعددة مثل: الوصف، والأطلال، والغزل، والسياسة، والصوفية، والشؤون الاجتماعية والوطنية، والموشحات، والموسيقى المعاصرة، وغيرها. (3)

أهمية الشعر العربي

إذا نظرنا في تاريخ الأدب بشكل عام، والشعر بشكل خاص، نجد أن له أهمية كبيرة تتباين حسب الزمن والمكان، إلا أن هناك الكثير من القواسم المشتركة عبر العصور، ومن أبرزها:

الدفاع عن القبيلة

تتمثل إحدى أبرز وظائف الشعر العربي في الدفاع عن القبيلة، إذ يسعى الشاعر من خلال قصائده إلى حماية سمعة قبيلته، كما يُعزز من مكانتها. يعتبر الشاعر بمثابة الصحفي الذي يبرز محاسن القبيلة وينتقد أعداءها، ويدافع عن موقفها. وقد عبر أبو عمرو بن العلاء عن أن حاجة العرب للشعر كانت ملحة، حيث اعتبره أداة لتسطير إنجازاتهم وتعظيم شأنهم، وتحذير أعدائهم منهم. (4)

من المهم الإشارة إلى أن الشاعر في الجاهلية كان يتمتع بمقام رفيع، حيث كان يُعتبر نبياً لقبيلته وزعيماً لها في السلم، وبطلاً لها في الحرب. فوظيفته تُعنى بتخليد إنجازات قبيلته وحمايتها، وكان له دور بارز في الحروب، حيث يستخدم كلماته كسلاح ضد أعدائه. ومع ظهور الإسلام، تحول دوره من الدفاع عن القبيلة إلى الدفاع عن الدين، مما أتاح له استخدام موهبته لحماية قيمه ومبادئه. (5)

الشعر ديوان العرب

يعتبر الشعر تجسيدًا لتجارب الإنسانية، ووسيلة لتوثيق معارفهم المختلفة، وينطبق هذا على الشعر العربي الذي يتميز بالحكمة والمعرفة. ولهذا، أصبح مصطلح “الشعر ديوان العرب” معروفًا بشكل واسع بين النقاد.

وقد ارتبط لفظ الديوان لدى العرب بمعنى التسجيل والتحليل، وأدرك النقاد العرب في فترات مبكرة القيمة المعرفية للشعر العربي. وفي هذا السياق، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه إن الشعر هو أصح علوم العرب. ومن هنا، يُعتبر الشعر ديوان التراث العربي ومادة تاريخهم، ويمثل سجلاً لحياتهم، مما يعكس حرص العرب على حفظ أشعارهم للحصول على الدروس والعبر، وتعزيز الاتصال بين الماضي والحاضر لتكون نبراسًا للأجيال القادمة. (6)

الحكمة

أجمع النقاد على أن الشعر مصدر للحكمة والتربية، إذ يعمل الشاعر على تعزيز الفضيلة والأخلاق الحميدة لدى قومه، وينبههم عن الأفعال المشينة. فهو يُشجع على السخاء ويندد بالبخل، ويدعو إلى الجود ويُظهر ذم الجبن، مما يساعد على تعزيز الأخلاق الرفيعة.

كان الشعراء في تلك الحقبة أشبه بالمعلمين والمصلحين، حيث كانوا يرشدون الناس من خلال قصائدهم إلى مكارم الأخلاق. وقد صرح العلوي بأن الشعراء يدعمون الأعمال الجميلة وينهون عن الأخلاق الذميمة، ويُظهرون الطريق لمكارم الأخلاق لطلاب العلم، ولصعوبة جمع الحكمة في الشعر، فإن الشاعر الذي يفتقر إلى الحكمة لا يُعتبر جاداً. (7)

الشعر مفتاح لفهم القرآن والسنة

نجد اهتمام ابن عباس بالشعر وتأثيره التعليمي واضحاً، حيث كان يستمع إلى شعراء القبيلة بجدية. وقد أشار العديد من النقاد العرب إلى الوظيفة التعليمية للشعر، حيث يُستخدم كشاهد ومصدر لفهم معاني القرآن والحديث. ولذلك، يُعتبر معرفة الشعر الجاهلي أثرًا هاماً للمفسر والمجتهد. قال الإمام الشافعي: “لا ينبغي لأحد أن يُفتي في دين الله إلا من كان على علم بكتاب الله وبالحديث وباللغة والشعر”. (8)

التهذيب والتربية

أكد الخلفاء الراشدون وعلماء الدولة والنقاد على دور الشعر في تهذيب النفس وتحسين السلوك. إذ يُحفز الشعر مشاعر النبل، ويدفع نحو الابتعاد عن الأفعال السيئة. يقول أبو بكر الصديق رضي الله عنه: “علموا أولادكم الشعر، لأنه يُعلمهم مكارم الأخلاق”. وينصح عمر بن الخطاب بضرورة استذكار الشعر لتحفيز القيم الأخلاقية العالية في المجتمع. (9)

الأهمية النفسية

ربط النقاد العرب الذين تأثروا بالفلسفة بتحليل الشعر من الزاوية الأخلاقية. وقد أشار الفلاسفة مثل الفارابي وابن سينا إلى تأثير الشعر على النفس إلى درجة أنه يُشبه السحر. فالشعر يمتاز بجمالياته ويبعث المشاعر النبيلة التي تُلهم الإيجابية وتُبعد عن الرذيلة. كما أشار عمر بن الخطاب إلى أهمية الشعر في تسهيل الأمور الحياتية. (10)

الشعر قالب اللغة

لقد أوضح النقاد القدامى دور الشعر في حفظ اللغة وتعزيزها، حيث يُعتبر الشعر وعاءً للغة ومستودعًا لها. لذا يعتبر الشعر أداة رئيسية في تعليم اللغة وتطوير التوجه البلاغي. وقد نصح معاوية بن أبي سفيان بأن يُعلم الأبناء الشعر باعتباره أداة لتحفيز التعبير عن الذات. (11)

الخلاصة

تظهر أدوار الشعر في حماية القبيلة ورفع شأنها، فضلاً عن كونه مصدرًا للمعرفة والفكر والحكمة. يعكس الشعر التراث الديني، المُتمثل في القرآن والسنة، بالإضافة إلى دوره في التربية وتهذيب النفوس. فالشعر يُعتبر وسيلة فعّالة لتنمية القيم الاجتماعية، وتحفيز التفكير. هو فن يُمتع النفس، ويُعزز من الوعي بأهمية القيم النبيلة في الحياة.