دور العقل في الإسلام وأهميته

العقل

تتضمن كلمة “العقل” في اللغة العربية مجموعة من المعاني، حيث تعني الحبس، كونه يمنع العاقل من قول وفعل ما هو غير جيد. كما يُفهم العقل كنقيض للجهل، فهو الطريق الذي يشرع للإنسان معرفة ما كان غير مدرك له سابقًا. كما ورد في قوله تعالى: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ)، حيث تأتي عبارة “تعقلون” في هذه الآية بمعنى “أفلا تدركون وتشعرون بقبح ما ترتكبونه من معاصي، رغم علمكم بوجوب طاعة الله تعالى؟” يُطلق على الشخص الذي يتمتع بفهم جيد “عقول”، ويعكس مفهوم العقل أيضًا المعنى المرتبط بالنهي. من هنا، تُظهر مجموعة معاني العقل أنه أداة للعلم والمعرفة والقدرة على التمييز بين الأشياء. ولم يميز ابن منظور بين العقل والقلب في معناه، في حين اعتبر سيبويه العقل بمثابة صفة، وعرف بعض العلماء العقل بأنه الروح، استنادًا إلى أن العقل لا يمكن أن يُدرك بدون روح، كما يؤكد البعض أن العقل هو القلب، بينما يذهب آخرون إلى القول بأن العقل هو ما يميز الإنسان عن غيره.

بينما يصف أبو الوليد الباجي العقل بأنه: “العلم الضروري الذي يُدرك مباشرة ويعمم على العقلاء”، وهذا يتضمن ما يُلزم المخلوق ولا يمكن الانفصال عنه. ومتى أُشير إلى حدوثه مباشرة، فهذا يعني أنه يتحقق دون الحاجة إلى اكتساب عن طريق الحواس، مثل العلم بأن الضدين لا يجتمعان. تشمل معاني العلم في هذا السياق جميع العقول، وبالتالي تُستثنى المجانين ومن في حكمهم. ومن المهم الإشارة إلى أن العلوم تنقسم إلى أنواع متعددة، من بينها ما يُدرك بشكل غريزي، وما يُعلم ضرورة، كالعلم بأن الكل أكبر من الجزء، بالإضافة إلى العلوم النظرية التي تتطلب استدلالًا، وتتفاوت من شخص إلى آخر، وتمكن الإنسان من إدراك ما ينفعه وما يضره.

أهمية العقل في الإسلام

يعتبر العقل الأداة التي تميز الإنسان عن سائر المخلوقات، ومع ذلك يظل العقل محدود القدرة، حيث أنه في بعض الأحيان يُدرك ظواهر الأشياء دون الوصول إلى جوهرها. يمكن للمرء عند قراءة القرآن الكريم بتأمل أن يلاحظ العديد من الآيات التي تدعو إلى التفكر والتأمل. وقد وُرد ذكر العقل في القرآن على هيئة فعل، دون أن يأتي في صيغة الاسم، كما انحصر وروده في المدح والتقدير. تحتوي النصوص القرآنية على جميع دلالات التفكير البشري، وتدعو إلى تفعيل العقل والتخلص من التقليد والعجز. من يغفل قدرة العقل يُرتكب في مرتبة أدنى من مرتبة الحيوان، قال تعالى: (وَلَقَد ذَرَأنا لِجَهَنَّمَ كَثيرًا مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ لَهُم قُلوبٌ لا يَفقَهونَ بِها وَلَهُم أَعيُنٌ لا يُبصِرونَ بِها وَلَهُم آذانٌ لا يَسمَعونَ بِها أُولـئِكَ كَالأَنعامِ بَل هُم أَضَلُّ أُولـئِكَ هُمُ الغافِلونَ). وقد أثنى الله سبحانه وتعالى على أصحاب العقول، معتبرًا أن العقل هو أساس التكليف.

يتضمن العقل إبداعًا وذكاءً يتجاوز الوصف، وعندما يستثمر الإنسان عقله بشكل جيد، يمكنه أن يحقق الابتكارات. تكمن مسؤولية الإنسان في تحريك عقله لتحقيق منفعة للناس وجلب الخير لهم، ولا يتحقق ذلك إلا عند فهم قيمة العقل. كما حظر الإسلام كل ما يؤدي إلى فقدان العقل، حيث كانت واحدة من أسباب تحريم الخمر هي تأثيرها المُخدر للعقل. أوضح القرآن الكريم أن الخمر من الوسائل التي يستخدمها الشيطان لإثارة البغضاء بين المسلمين، حيث قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ* إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّـهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنتُمْ مُّنتَهُونَ). وينطبق هذا التحريم أيضًا على المخدرات وكل ما يذهب بالعقل.

العقل والوحي

تظهر الفروقات بين الناس من حيث عقولهم، وتعود هذه الفروقات إلى طبيعة خلقهم وليس إلى المكتسبات. إذا تعرض الناس لنفس المستوى التعليمي، ستبقى بعض العقول أكثر حكمة وعقلانية من غيرها. يعتبر شيخ الإسلام ابن تيمية أن: “الصحيح الذي عليه جماهير أهل السنة، وهو كما يبدو في مذهب الإمام أحمد، والقول الأكثر في أصحابه، هو أن العلم والعقل يقبلان الزيادة والنقصان”. يتصل العقل بالدماغ والقلب، حيث يكون مركز الفكر في الدماغ، بينما تكون الإرادة والقصد في القلب. اعتمد الإسلام في المعرفة على طريقتين: الوحي، وهو الخبر الصادق من الله تعالى وكل ما يأتي من الوحي هو حق ويقين، ويتعلق بالأمور الغيبية مثل الحديث عن الجنة والنار، والطريقة الثانية هي التجربة التي تجمع بين العقل والحس.

حارب الإسلام كل ما كان سائدًا في الجاهلية من تناقض مع العقل والحس، موجهًا الإنسان نحو الاختراع والاكتشاف. وقد استفادت أوروبا من هذا النهج عند استحضارها للحضارة الإسلامية، حيث تميز أهل السنة بجمع حسنات العقل والوحي، معتبرين أن اتصالهما كاتصال نور العين بالشمس.

معنى نقص العقل والدين عند النساء

يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودينٍ أذهب للبِّ الرجل الحازم من إحداكنَّ يا معشر النِّساء)، وعند سؤاله عن نقص العقل، عزا ذلك إلى أن شهادة المرأة تعدل نصف شهادة الرجل، بينما يُعزى نقصان الدين إلى عدم صيامها وصلاتها أثناء الحيض والنفاس، وهي غير مؤاخذة على هذا النقص، بل شرعت هذه القوانين لتخفيف العبء عن المرأة. فبرحمة الله -تعالى- تُعفى من القضاء في الصلاة أثناء الحيض والنفاس، بينما يُسقط عنها الصيام كـأداء وليس كقضاء. قد تتفوق النساء على الرجال في مجالات متعددة، حيث يمكن أن يقمن بأعمال صالحة ترفع من قدرهن في الدنيا والآخرة، وقد أثنى النبي -صلى الله عليه وسلم- على النساء معترفًا بهذا النقص، ومع ذلك، فإنهن قادرات على التأثير بشكل كبير على الرجال الحازمين.