لم أجد رواية البطل يكره النساء أفضل من رواية مقبرة براج، نظرًا لأجوائها التي تدور إبان حروب القرن التاسع عشر والمؤامرات الدامية التي جعلتني أعزلاً أمام هذه الرواية، حيث تنفرد الرواية بالمزج بين الواقع والخيال، وقسوة الشخصية الرئيسية بالرغم من أن أفعاله كانت أقل قبحًا من الأحداث الواقعية، ومن خلال موقع سوبر بابا نتناول جميع جوانب الأحداث والشخصيات.
رواية البطل يكره النساء
تدور أحداث رواية البطل يكره النساء (مقبرة براج) في أوروبا بين تورينو وباليرمو وباريس خلال القرن التاسع عشر، تعتبر الرواية مستوحاة من أحداث حقيقية فما عدا البطل، نجد أن كلّ الشخصيّات هي شخصيات تاريخية حقيقية، وقامت بتلك الأفعال. حتى أفعال البطل المتدنية قد قام بها في الواقع أشخاص آخرون.
- بطل الرواية هو الكابتن سينموني، شخص كثير الهزل يكره النساء، كما يكره معظم الشعوب المتحاربة، مثل الفرنسيين والألمان واليهود والروس.
- بطل الرواية به العيد من السمات الشخصية المقززة فهو مزور محترف، وآكل على كل الموائد فهو عميل مزدوج بل يعمل لصالح ثلاثة أو أربعة دول.
- لا يقتصر الأمر على نقائصه وانعدام المبادئ لديه فقط بل أن الكابتن سينموني لا مانع لديه في أن يقتل بدم بارد دون أدنى رجفة شعور بالذنب.
- بالإضافة إلى أنه يتفاخر بجرائمه ودنائته وأعماله المشينة، فكثيرًا ما يتحدث عن الطعام كأنها الشهوة التي استبدل بها النساء.
- على الرغم من امتهان الكابتن سينموني مهنة المحاماة التي تختص باسترجاع الحقوق الضائعة، إلا أنه يعمل جاهدًا على إضاعتها بأعمال أخرى مثل التزوير والتدليس والاحتيال.
- لا يتوانى سمونيني طوال الأحداث المجاهرة بآرائه العنصرية القميئة وازدرائه للمبادئ والقيم الإنسانية، كما أنه لا يكف السفسطة مطلقاً، إلى جانب أحكامه المسبقة ونظرياته السطحية، وتحليلاته المبنية على قراءات أرشيفية للتاريخ وللأحداث المعاصرة.
- بينما يتيه القارئ وسط شتات الأحداث المتشابكة، الممتدة لأكثر من خمسين عام، تظل نظرية المؤامرة هي السمة الرئيسية والمحرك الأساسي للأحداث.
- ما يجعل هذه الرواية بمثابة الطرفة السخيفة أن التاريخ فيها ليس مجرد أحداث خلفية لخدمة الدراما وإنما جعل منه إكو مادة درامية جذابة برغم قبحها.
- من أجمل مشاهد الرواية عندما كان كابتن سيمونيني يحتسي القهوة في أحد شوارع باريس إذا بعبقري العلوم النفسية سيغموند فرويد جلس إليه طاولته ليحدثه عن هواجسه العلمية ورأيه بالتنويم المغناطيسي ويناقشه حول آرائه النظرية في التحليل النفسي.
- كذلك فسيمونيني يرافق الثائر الإيطالي الشهير غاريبالدي في غزوه لصقيلية، كما يركب السفينة نفسها مع الكاتب الفرنسي الشهير اسكندر دوماس..
اقرأ أيضًا: أهم روايات نجيب محفوظ
اجتماع حكماء صهيون في مقبرة براج
بعد أن تمكنا من التعرف على رواية البطل يكره النساء، يجدر بنا ذكر هذه الرواية التي تعتبر من أول الروايات التي تطرقت إلى بروتوكولات حكماء صهيون وطرحتها بشكل جريء من خلال الأحداث ذلك لأن كاتب الرواية أمبرتو إكو مهووس بالجماعات الدينية واجتماعاتهم الغامضة.
كما أنه يتبع أسلوب ملئ الفراغات التاريخة بقصص من تأليفهم تتضافر أحداثها مع الأحداث التاريخية لإنتاج حبكة خلابة.
- الدافع الحقيقي لكره بطل الرواية لليهود تحديدً أنه قد تربى على كراهيتهم منذ نعومة اظافره الأمر الذي أنبت في ذهنه الشيطاني فكرة الوثيقة.
- تتحدث الوثيقة عن الاجتماع السري الذي عقده قادة الطوائف اليهودية في مقبرة براغ، والذي نتج عنه أول بروتوكولات حكماء صهيون.
- قام سينموني بوضع أفكاره المنبثقة من قراءاته السابقة في الوثيقة ودمجها مع الواقع الذي يقوم به اليهود من جرائم في عصره لدعم الفكرة بالمصداقية وإعطاء فكرة الاجتماع السري لمسة واقعية.
- لا يدخر إكو جهداً في دحض هذه النظرية ولكن بذكاء وبطريقة غير مباشرة، فبينما يقوم البطل عبثاً بمحاولة إيجاد خيوط المؤامرة الكونية، نجد أنه في الحقيقة هو من يؤلفها.
- ليتبين في نهاية الأمر أن المؤامرة الأزلية الأبدية التي تنسجها قوىً خارقة وتتحكم بها في مجريات الأمور ومصائر البشر، ما هي إلا روايات ممتعة لأجهزة المخابرات، تشتريها أو تختلقها لرعاية مصالح سياسية معينة.
- مع تسلسل النهاية تظهر بروتوكولات حكماء صهيون، كرمز للحصاد ونتيجة لإحدى الألاعيب غير الناضجة لأجهزة المخابرات الأوروبية.
اقرأ أيضًا: أبيات شعر عن الكوفية الفلسطينية
القيمة الأدبية لرواية مقبرة براغ
يعتبر ايكو فيلسوف وروائي رائع على الرغم من أنه ليس موهوباً كيوسا وكاداريه، لكن هذا لا ينفي أنه كاتب ومفكر مجتهد ودؤوب، يتحرى الكتابة المنمقة المتناسقة، ويحرص على عدم الاستخفاف بعقل القارئ، لذلك لاقت رواياته غقبالًا كبيرًا في جميع دول العالم بين المثقفين وغيرهم كما ألهمت العديد من السينمائيين.
- تؤثر رواية مقبرة براغ في نفس القارئ بالعديد من المشاعر المتباينة.
- فغالبًا ما يحتار القارئ بين الرغبة في القراءة مرة أخرى أو نسيانها إلى الأبد.
- لا يمكن الإلمام بجميع الأحداث والرمزيات في الرواية من المرة الأولى بلا شك.
- لكن قرائتها مرة ثانية تحتاج إلى الكثير من الشجاعة حتى إن فاتتك أشياء، الدخول إلى تلك الأجواء مرة أخرى قد توحي بعد الخروج.
- هناك العديد من النقاط التي تركها إكو معتمة متعمدًا فكما اجتهد هو في الكتابة، على القارئ أن يجتهد في فك رموز الأحداث والشخصيات.
- عبقرية ايكو انه رسم شخصيات تاريخية لكنها صالحة لكل زمان ومكان على اختلاف اشكالها وانواعها وتتشابه في أحيان كثيرة مع شخصيات تعيش معنا في الواقع بمسميات مختلفة.
- دخل الكاتب في تحدي في روايته مع قواعد الكتابة الروائية التقليدية حيث أن الراوي هو البل، سيمون سيمونيني، الذي ينطوي على جميع خطايا البشر.
أجواء رواية مقبرة براغ
الرواية مليئة بالأحداث والمشاهد الغامضة والجذابة للقارئ برغم قسوتها وصخبها، فمن الصعب في أي رواية أخرى أن نجد أحداثًا أو شخصيات مثلما في تلك الرواية العجيبة.
- شيطانة مصابة بالهستيريا وقسًّا وافته المنية مرّتيْن، كما يمكنك مشاهدة بعض الجثث ملقاة في بالوعة وشخص قد اختفى في عرض البحر على مقربة من جزيرة سترومبولي.
- نشاهد ايضًا البوردورو المزيّف لدرايفوس وقد تم توجيهه إلى السفارة الألمانية، إلى جانب التطوّر التمهيدي لتلك المؤامرة التي يدعونها ببروتوكولات صهيون، التي ستوحي فيما بعد لهتلر بمحرقة اليهود.
- أظهر الكاتب في أحداث الرواية بعض الذين ينتمون إلى الديانة المسيحية يتآمرون ضدّ الماسونية، واتباع الماسونية يخنقون الكهنة المسيحيين بأمعائهم نفسها.
- نجد أحد الشخصيات مصاباً بمرض إعوجاج الساقيْن، عندما يتحرّك وسط أجهزة الاستخبارات والجواسيس المزدوجين والضبّاط الخونة يكتشف أن كلّ شيء ممكن.
- كل ذلك بهدف أن تكون الشخصيّة الوحيدة المصطنعة في رواية البطل يكره النساء هي الأكثر واقعيّة من بين جميع شخصيّات الرواية.
اقرأ أيضًا: شعر علي بن أبي طالب في الحرب
أهم الفقرات في رواية مقبرة براج
رواية البطل يكره النساء أو مقبرة براد واحدة من الروايات التي تحتوي على العديد من الفقرات الرائعة، ومنها:
- (جاء غاريبالدي مع اتباعه، ولا يعني أن أهل هذه البقاع موالون له، ولا إنهم متمسكون بالملك الذي يريد غاريبالدي خلعه. انهم ببساطة مثل سكارى ثملوا بسبب وقوع شيء مختلف عن العادة. وكل واحد يؤول الاختلاف حسب طريقته، ولعل هذه الريح القوية من الجدة ليست إلا ريحًا شروقية سوف تهدهدهم كلهم إلى النوم من جديد)
- (أولئك الفلاحون الذين كان يريد تحريرهم قتلوه هو وجميع أصحابه،أنت ترى إذن إلى أين يمكن أن تقود النوايا الحسنة،عندما لا تأخذ بعين الاعتبار واقع الأشياء)
- (ليس من الحسن أن نتمتع بحرية أكبر، وليس حتى من الحسن أن نتوفر على كل ما هو ضروري، كان أجدادنا أكثر فقرًا وأكثر سعادةً، لأنهم حافظوا على اتصالهم بالطبيعة. لقد اعطانا العالم الحديث القطار البخاري، الذي يسمم الحقول، والمناسج الميكانيكية، التي تسببت في بطالة كثير من المساكين، والتي لا تنتج اقمشة جيدة مثلما في السابق. والإنسان، المتروك لحاله، من كثرة شره ليس حرا، ذلك القليل من الحرية التي يحتاجها يجب أن يضمنها عاهل).
- (يجب أن يكون هناك عدو لنعطي إلى الشعب املا، قال أحدهم أن الوطنية هي آخر ملجأ للأوغاد: من ليست له مبادئ اخلاقية يغلف نفسه عادة براية، والهوية القومية هي آخر حجة للمحرومين. الحال هو أن معنى الهوية يقوم على الكره ،كره من هو غير مماثل.ينبغي تنمية الكراهية كعاطفة مدنية.العدو هو صديق الشعوب. يجب أن يوجد دائما هناك أحد نكرهه لكي نجد لأنفسنا ما نبرر به بؤسنا الخاص. الكره هو العاطفة الاولية الحقيقية. الحب هو الذي يمثل وضعية غير عادية)
رواية مقبرة براج البطل فيها يكره النساء من الروايات المختلفة جذريًا عن باقي المؤلفات التي تتناول الأحداث التاريخية الغامضة، بطريقة جذابة وتتباين آراء النُقاد حولها فالبعض يراها عملًا موجهًا والآخرين رأوا أنها عمل إبداعي.