سيرة ابن رجب الحنبلي وتأثيره في الفقه الإسلامي

ابن رجب الحنبلي

هو الحافظ زين الدين وجمال الدين أبو الفرج، عبد الرحمن بن الإمام المقرئ المحدّث شهاب الدين أحمد بن الإمام المحدّث الشيخ أبي أحمد رجب عبد الرحمن البغدادي الدمشقي الحنبلي المعروف باسم ابن رجب. يُعرف جدّه باسم عبد الرحمن، وقد كان ابن رجب نموذجاً يُحتذى به، عالماً وشاياً، وإماماً وعلامة في عصره، عُرف عنه الزهد والبركة والحفظ، وكان موثوقاً في علومه، ومهمّاً جداً في المذهب الحنبلي. وُلِد ابن رجب في بغداد عام 736 هجرية، وانتقل في سن مبكرة إلى الشام مع والده في عام 744 هجرية. حصل على الإجازة من ابن النقيب والنووي رحمهما الله، وتعلّم على يد عثمان بن يوسف في مكة المكرمة، حيث كان حريصاً على سماع الحديث النبوي بجدية واهتمام من والده. وعندما انتقل إلى مصر، تلقى العلم على يد صدر الدين أبي الفتح الميدومي وعدد من طلاب ابن البخاري، وكذلك عن محمد بن الخباز وإبراهيم بن داود العطار ومحمد بن القلانسي. وقد قال عنه ابن حجي: “أتقن الفنّ -أي فن الحديث- وصار أعرف أهل عصره بالعلل وتتبع الطرق، وتخرَّج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق.”

توفي ابن رجب عام 795 هجرية، الموافق لليلة الاثنين 4 من شهر رمضان في منطقة الخميرية، حيث استأجر بستاناً ودفن بالقرب من قبر الفقيه أبو الفرج عبد الواحد بن محمد الشيرازي المقدسي الدمشقي، والذي توفي في شهر ذي الحجة عام 486 هجرية. وذكر ابن ناصر الدين أنه قد حفر للشيخ ابن رجب لحده حيث أشار إلى البقعة التي دفن فيها، وأضاف: “فوالله ما شعرت بعد أيام إلا وقد أُتي به ميتًا محمولاً في نعشه فوضعته في ذلك اللحد.”

حياة ابن رجب الحنبلي

نشأ ابن رجب الحنبلي في أسرة عريقة في العلوم الشرعية، مما ساهم في تطوير مواهبه وقدراته. كانت أسرته مشهورة بعلمها، ومن أبرز شخصياتها هو جده أبو أحمد رجب بن الحسن بن محمد بن أبي البركات مسعود البغدادي، والذي وُلد في شهر رجب. كان جده فقيهاً وعالمًا وقد أسس حلقة علمية يلتحق بها الطلاب من مختلف المدن، حيث وصفه ابن العماد بأنه الإمام المحدّث. كما تعلم ابن رجب من أبيه أحمد بن رجب، الذي وُلد في بغداد وكان له تأثير عميق على مسيرته التعليمية.

تميز ابن رجب بأخلاقه الرفيعة، حيث تجنب الرذائل مثل الحسد والرياء. كان يُعرف بالتقوى والزهد والتعفف، حيث كان يرفض أي هبة أو عطية من السلطة. كان يشجع على الاختلاط بالصالحين من أهل العلم والابتعاد عن مخالطة الساعين وراء متع الدنيا. حافظ ابن رجب على القرآن الكريم، ودرس ما ورد من الأحاديث النبوية. كما كان له وعي عميق بمذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله.

عُرف ابن رجب بكونه إمامًا وحافظًا للحديث، ولديه معرفة شاملة بالمتون والأسانيد وأحوال الرجال. لم يتعصّب لأحد المذاهب أو يقلل من شأنها، وبرز بعبادته وأداء صلاته وصلاحه، حيث كان يميل إلى الاعتزال عن الناس. قال عنه ابن قاضي شهبة: “كان مجتنبًا عن الناس ولا يتردد على ذوي الولايات، وكان فقيرًا لكنه غني النفس.”

مصنفات ابن رجب الحنبلي

ترك ابن رجب الحنبلي إرثًا علميًا غنيًا من المصنفات التي تتناول مواضيع الشريعة الإسلامية، ومن أبرز مؤلفاته:

  • شرح الترمذي.
  • شرح علل الترمذي.
  • طبقات الحنابلة.
  • جامع العلوم والحكم، الذي شرح فيه خمسين حديثا نبوياً.
  • كتاب التوحيد.
  • كتاب فتح الباري شرح صحيح البخاري، لكن لم يتمه.
  • بيان فضل علم السلف على علم الخلف.
  • تحقيق كلمة الإخلاص.
  • أسباب المغفرة.
  • أحكام الاختلاف في رؤية هلال ذي الحجة.
  • شرح حديث “لبيك اللهم لبيك”.
  • الاستخراج لأحكام الخراج.
  • كلمة الإخلاص وتحقيق معناها.
  • تفسير ابن رجب الحنبلي.
  • تسلية النفوس عند فقد الأطفال.
  • كشف الكربة في وصف أهل الغربة.
  • أهوال القبور وأحوال أهلها.
  • التخويف من النار.
  • القاعدة الذهبية: لا ضرر ولا ضرار.
  • لطائف المعارف لابن رجب.
  • القواعد.
  • اختيار الأولى في شرح حديث اختصام الملأ الأعلى.