شعر للمتنبي يتحدث عن الكرامة وعزة النفس

قصيدة ذو العقل يشقى في النعيم بعقله

يُعاني ذو العقل في النعيم بسبب عقله،

بينما يستمتع ذو الجهالة في الشقاء.

لا تنخدع من دموع العدوّ،

فليكن خفّة شبابك هي حماية لك من أعدائك.

لا ينجو الشرف الرفيع من الأذى،

حتى تُراق على جوانبه الدماء.

والظلم من خصال النفوس، فإن وجدت،

شخصاً عفيفاً، فاعلم أنه لا يظلم.

والذل يظهر في الضعيف مودة،

وأحبّ ذلك من الجميع، كمن يحبّ الأرقم.

كلما أنبت الزمان شجاعة،

ركب الشخص في الشجاعة سناناً.

ومراد النفوس أصغر من أن تتعادي،

أو تَفنى من أجله.

غير أن الشاب يلاقي المنايا،

بجسارة ولا يلقى الذلّ.

ولو أن الحياة تدوم لبشر،

لعدنا نعتبر الشجعان أضعان.

وإذا لم يكن من الموت بد،

فمن الواجب ألا تكون جباناً.

كل ما لم يكن في الصعب في الأزمان،

فهو سهل، إذا كان كذلك.

إذا غامرت بشرف مرفوع،

فلا تكتفِ بما دون النجوم.

فطعم الموت في أمرٍ تافه،

كطعم الموت في أمرٍ عظيم.

يرى الجبناء أن العجز هو عقل،

وتلك خدعة الطبع الخسيس.

وكل شجاعة في الإنسان تُغني،

ولا مشابهة لها في الحكيم.

كم من عائبٍ قولاً صحيحاً،

وآفته من الفهم المعيب.

لكن الآذان تأخذ منه على قدر،

مدارسها وعلومها.

منىً كُنتُ لي أنَّ البياضَ خِضابُ

منىً كُنتُ لي أنَّ البياضَ خِضابٌ،

فيفرّق بتبييض القرون شبابي.

ليالي عند البيض فُوداي فِتْنَةٌ،

وذاك الفخر عندي عابٌ.

فكيف أذمّ اليوم ما كنت أشتهي،

وأدعو بما أشكوه حين أُجاب.

جلى اللون عن لونٍ هدّى كل مسلك،

كما انجاب عن ضوء النهار ضباب.

وفي الجسم نفسٌ لا تشيب بشيبه،

ولو أن ما في الوجه منه حراب.

لها ظفر إن كَلّ ظفرٌ أعدّته،

ونابٌ إذا لم يبقَ في الفَم ناب.

يُغيّر مني الدهر ما شاء غيرها،

وأبلغ أقصى العمر وهي كعاب.

وإني لنجمٌ تهتدي صحبتي به،

إذا حال من دون النجوم سحاب.

غني عن الأوطان لا يستخفّني،

إلى بلد سافرت عنه إياب.

وأصدَى فلا أبدي إلى الماء حاجة،

وللشمس فوق اليعمَلات لعاب.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي،

وأسمعت كلماتي من به صمم.

أنام ملءَ جفوني عن شوارده،

ويسهر الخَلْق جرّاءها ويختصم.

ومرهوف سرت بين الجحفلين به،

حتى ضربت وموج الموت يلتطم.

الخَيْلُ والليلُ والبيضاء تعرفني،

والسيفُ والرمحُ والقرطاسُ والقلم.

صاحبت في الفلوات الوحش منفرداً،

حتى تعجبت مني القورُ والأكم.

ما أبعد العيب والنقصان عن شرفي،

أنا الثريا وذان الشيب والهرم.

فؤادٌ ما تسليه المدام،

وعمرٌ مثل ما تهبّ اللئام.

ودهرٌ ناسه ناسٌ صغار،

وإن كانت لهم جثثٌ عملاقة.

وما أنا منهم بالعَيش فيهم،

ولكن معدن الذهب الرغام.

أطاعِنُ خَيْلاً من فوارسها الدهر

أطاعِنُ خَيْلاً من فوارسها الدهر،

وحيداً وما قولي كذا ومعي الصبر.

وأشجع مني كل يوم سلامتي،

وما ثبتت إلا وفي نفسها أمر.

تمرّست بالآفات حتى تركتها،

تقول أمات الموت أم ذعر الذعر.

وأقدمت إقدام الأتيّ كأني لي،

سوى مهجتي أو كان لي عندها وتر.

ذر النفس تأخذ وسعها قبل بينهما،

فمفتَرِقٌ جاران دارهما العمر.

ولا تحسبن المجد زقاً وقينة فما،

المجد إلا السيف والفتكة البكر.

إذا الفضل لم يرفعك عن شكر ناقص،

على هبة فالفَضل فيمن له الشكر.

ومن ينفق الساعات في جمع ماله،

مخافة فقر، فالذي فعل الفقر.

وإني لمن قوم كأن نفوسهم،

بها أنفٌ أن تسكن اللحم والعظم.

كذا أنا يا دُنْيا إذا شئتِ فاذهبي،

ويا نفس زيدي في كراهيها قَدماً.

فلا عبرت بي ساعةٌ لا تعزّني،

ولا صحبتني مهجة تقبل الظلمة.

عش عزيزاً أو مت وأنت كريم،

بين طعن القنا وخفق البنود.

فرؤوس الرماح تذهب للغَيْظ،

وأشفى لغلّ صدر الحاقد.

لا كما قد حِييت غير حميد،

وإذا متّ متّ غير فقيد.

فاقتل العزّ في لظى ودع الذل،

ولو كان في جنات الخلود.

يُقتل العاجز الجبان وقد يتجس،

عن قطع بُخْنُق المولود.

ويوقّى الفتى المِخَشُّ وقد خوضَ،

في ماء لبّة الصنديد.

لا بقومي شَرُفتُ بل شَرُفُوا بي،

وبنفسي فَخَرْتُ لا بجُدودِي.

وبهم فخر كل مَنْ نطق الضاد،

وعوذ الجاني وغوث الطريد.

إن أكُن معجباً فعجبُ عجيب،

لم يجد فوق نفسه من مزيد.

أنا تِرب الندى ورَبُّ القوافي،

وسِمَامُ العدى وغَيْظُ الحَسود.

أنا في أُمّةٍ تداركتها اللّهُ،

غريبٌ كصالحٍ في ثَمود.