صلى الله عليك
أنت عز الورود وطال أمدك يا سيد الأنام،
وأنا مضطرب في وحدتي والخلائق نيام.
ورد الجميع من نفايس سناك،
وعن نبع السنا تم طردي وأقاموا.
لقد منعت حتّى من أن أتحرك، ولم أكُ قد كدت،
فقد تقطعت أوصالي إليك وتجمعت حولي الآلام.
قصدوك بمدحك، أما أبواب مدحي مغلقةٌ،
فالحروف تأبى فالحروف عقيمة.
أدنُ إليك، فأذكر ما فعلت، ولكنّي أتراجع،
فخجلاً تنكمش تحت حملي خطاي.
أم أُريد أن أعتلي من الحضيض للذرا،
فجلال المقام لا يُطال بهام.
وزري يثقلني والأسى ينال مني،
فيموت الكلام في طرف اللسان بلا سلام.
أوجه ناظري نحوك يا حبيب الله، في شوقٍ،
يبدد الآثام كانت مضاجعي تملؤها.
أأعود ظمآنَ، وغيري يرتوي،
هل يُردّ عن حوض النبي هيام؟
كيف يمكن دخول رحاب المصطفى،
ونفسي تائهة والذنوب جسام.
أو كلما حاولت التوجه إليك،
ازف البلاء فتصعب الأفهام.
ماذا أقول وقد سُطّرت قبلي ألف قصيدة،
فمداحاتك لم تنل من مجدك الهام.
لكنني دنوت مذهولا كأسرى لا أرى،
حيران ينطفئ شعري بالإحجام.
ومزقت نفسي كطفلٍ حائر،
يُحاصره الزحام عن من يُحب.
حتى وقفت أمام قبرك باكياً،
يتساقط الإلهام فائقاً كالرؤى.
وتوالت الأشباح المضيئة مثل السُحب،
ليتنفض الفؤاد عن سكينة وسلام.
يا ملء روحي، وهج حبك يجري في دمي،
شعاع يضيء باطني فأنير به ما دار.
أنت الحبيب، وأنت من روى لنا،
حتى أشرقت قلوبنا بالإسلام.
حُوربتَ، ولم تخضع ولم تخشى الأعداء،
من يحميه الرحمن كيف يضام.
وملأت الأرض نورًا فاختفت،
خرافات الظلام وتكسر الأصنام.
الحزن يعصف بجوارحي يا حبيب،
فالمسلمون عن السبيل تعاموا.
والذلّ خيم، فتقاعست الأنفس،
وعلى العظماء تصاغرت الأقزام.
الحزن أصبح طعامنا في المساء،
وطعم صباحنا أشجان وألام.
واليأس قد ألقى بظله على نفوسنا،
فكأن وجه النيرين يحاكي ظلام.
كذلك انطلقت العيون مسدلة،
وعلى القلوب غيمة من ظلام.
الكرب لا يهدأ، وسهرا ليلنا،
كيف ينام من مهدى بالشوك ينام.
يا طيبة الخيرات، لقد ذل المسلمون،
ولا من مجير، وضيعت الأحلام.
يغضون إن سلب الغريب ديارهم،
وعلى القريب حرموا حتى التراب.
باتوا أسرى ضياع وفراق،
فكأنّهم بين الناس كبصمة.
ناموا، فاجتاحت الذل عيونهم،
فلا غريب ضاع مع حب الإقدام.
يا هادي الثقلين، هل من دعوة،
تُرفع بها الدعوات للنايمين؟
بمدح المصطفى تحيا القلوب
بمدحِ المصطفى تُحيى القلوب،
وتُغفر الخطايا والذّنوبي.
وأرجو أن أعيشَ به سعيداً،
وألقاه كأني لا أذنبُ.
هو نبيٌّ كامل الأوصافِ،
فقد وُصِفَت محاسنه فكان الحبيب.
يُفرج ذكره عنا الكُرُباتِ،
إذا نزلت بنا الكُروب.
مداحته تزيد القلب شوقاً،
إليه كأنها حُلي وطِيب.
وأذكره وليل الخطوب داجٍ،
فأستمد من ذكره السُرُوب.
وصفته شمائلٌ حسنةً،
فما أدري مدحٌ، أم نسيب؟
ومن لي أن أرى منه محياً،
تسر حسنُه القلبَ الكئِيب.
كأن حديثه زهرٌ نضير،
وحاملَ زرعه غصنٌ رطيب.
وحدي أن نظرة منه مشوقة،
ولي في ذكراه قلبٌ طروب.
تبوؤه قاب قوسين خصاصًا،
ولا هناك وشيٌ ولا رقيب.
مناصبه السنيّة ليست فيها،
لإنسانٍ ولا مَلَكٍ نصيب.
رحيبُ الصدر، ضاق الكون عما،
تضمَّنه ذلك الصدر الرحيب.
يجدد فيه قعودٍ أو قيامٍ،
له شوقٌ يسري كالمدرس والخطيب.
على قدرٍ يُمدّ الناس علماً،
كما يُعطيكَ أدويةً طبيب.
وتستهدى القلوبُ النور منه،
كما استهدى من البحر القليب.
بدت للناس منه شموسُ علمٍ،
طوالعَ لا تَزول ولا تغيب.
وألهمنا به التقوى فشقت،
لنا عمّا كُنْتَ تهكشفه الغيّوب.
خلائقه موهبةٌ دون كسب،
وشتان الموهبة والكُسب.
مهذبةٌ بنور الله ليست،
كأخلاق يهذبها اللبيب.
وأداب النبيّة معجزاتٌ،
فكيف يمكن أن ينالها الأديب؟
أين مما جئت دماً ووريداً،
وجاءت كجلبه هاديا يهذي.
سمعنا الوحي من فيه بوضوح،
كغادية تحاكي في الوحي الدليل.
فلا قولٌ ولا عملٌ لديها،
بفاحشةٍ ولا هوىً مشوب.
وبالأهواء تختلف المساعي،
وتفترق المذاهب والشعوب.
عندما كان ذلك الغيث سيلاً،
علاهُ من الثرى الزبَدُ الغريب.
لذا، فلا تُنسب إلى قول الله ريبة،
فما في قولِ ربك ما يريب.
فإن تخلق له الأعداء عيباً،
فقولُ العائبين هو المعيب.
فاخلِف أمتَي موسى وعيسى،
فما لديهم لخالقهم منيبُ.
وإن محمداً رسولُ حقٍ،
حسيب في صفته النسيبُ.
أمينٌ صادقٌ برٌّ تقيٌ،
عليمٌ ماجدٌ هادٍ وهُوبُ.
يريك على الرضا والسخط وجهًا،
تروقُ به البشاشة والضيقُ.
يضيء بوجهه المحراب ليلًا،
وتظلم في النهار الحروب.
تقدم من تقدم من نبيٍّ،
نماهُ وهكذا البطل النجيبُ.
صدقَهُ وحكّمه ودعاؤه،
من الكفار صبيانٌ وشيبُ.
رسول الله دعوة مستقيلٍ،
من التقصير خاطره هبوبُ.
تعذر في المشيب وكان عيّاً،
وبرد شبابه ينفتح كالبساط.
ولا عتب على من قام يجلو…
محاسن لا تُرى مع هذه العيوب.
دعاك لكل مُعضلة ألمّت،
به ولكل نا ئبة تنوبُ.
وللذنب الذي ضاق عليه،
به الدنيا وجانبُها رحيبُ.
يراقب منه ما كسبت يداه،
فيبكيه كما يبكي الرقوبُ.
وأنّى يهتدي للرشد عاصٍ،
لغرائب كل معصية ركوبُ.
يتوب لسانه عن كل ذنبٍ،
ولم يرَ قلبه منه يتوبُ.
تقاضته مواهبكَ امتداحاً،
وأولى الناس بالمَدح الوهابُ.
وأغراني به داعي اقتراحٍ،
عليّ لأمره أبداً وجوبُ.
فقلت لمن يحض علىّ فيه،
لعلّكَ في هواهُ لي نسيبُ.
دَلَّلتَ على الهوى قلبي فسهامي،
وهدفكَ في الهوى كُل مُصيبُ.
لمدح المصطفى مُدَّت يدانا،
وما مُددت له أيادٍ تخيبُ.
شفاعته لنا ولكل عاصٍ،
بقدر ذنوبه منها ذنوبُ.
هو الغيث السكب ندى وعلم،
جهلت ما هو الغيث السكبُ.
صلاة الله ما سارت سحابٌ،
عليه ومارس وثوى عسيبُ.
الهمزية النبوية
وُلِدَ الهدى، فالكائنات ضياء،
وفم الزمان تبسّمٌ وثناءُ.
الروح والملأ الملائكة حوله،
للديانة والدنيا به بشراءُ.
والعرش يزهو، والحظيرة تزدهي،
والمنتهى والسدرة العصماء.
وحديقة الفرقان ضاحكةً الربا،
بالتّرجمان شذيّةٌ غنّاءٌ.
والوحي يقطر سلسلاً من سلسلٍ،
واللوح والقلم البديع رُواءٌ.
نُظمت أسماء الرسل فهي صحيفةٌ،
في اللوح واسم محمد طغراءُ.
اسم الجلالة في بديع حروفه،
ألفٌ هناك واسم (طه) الباء.
أغر عليه للنبوة خاتم
أغرٌ عليه للنبوة خاتمٌ،
من الله مشهود يلوح ويُشهدُ.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه،
إذا قال في الخمس المؤذن أشهدُ.
وشق له من اسمه ليجله،
فذو العرش محمود، وهذا محمدُ.
نبيٌ أتانا بعد يأس وفترةً،
من الرسل، والأوثان في الأرض تعبدُ.
فأصبح سراجاً مستنيراً وهادياً،
يَلوحُ كما لاحَ الصقيل المُهندُ.
وأنذرنا ناراً، وبشر جنةً،
وعلمنا الإسلام، فالله نحمدُ.
وأنتَ إلهَ الخلقِ ربي وخالقي،
بذلك ما عُمرتُ فيا الناسِ أشهدُ.
تعاليتَ رب الناس عن قول من دعا،
سُوَاكَ إلهاً، أنت أعلَى وأمجدُ.
لك الخلقُ والنعماءُ، والأمرُ كلهُ،
فإياكَ نستهدى، وإياكَ نعبدُ.
بانت سعاد فقلبي اليوم متبول
أُنبئت أنّ رسول الله أوعدني،
والعفو عند رسول الله مأمولُ.
مهلاً، هداك الذي أعطاك نافلةً،
قرآنٍ فيها مواعيظ وتفصيلٌ.
لا تأخذني بأقوال الوشاة ولم،
أذنب ولو كثرت فيّ الأقاويل.
لقد أقوم مقامًا لو يقوم به،
أرى وأسمع ما لو يسمع الفيل.
لظل يرعد إلا أن يكون له،
من الرسول بإذن الله تنويلُ.
حتى وضعت يميني، لا أنازعه،
في كف ذي نقمات قيله القيل.
لذلك أهيب عندي إذا أكلمه،
وقيل إنّك مسبورٌ ومسؤولُ.