عوامل السعادة وفقًا لتعاليم القرآن الكريم

السعادة في الإسلام: مفهوم شامل

السعادة تُعرف على أنها شعور داخلي يختلج في نفس الإنسان، يتمثل في صفاء الروح وطمأنينة القلب وانفتاح الصدر وراحة الضمير. تُعتبر هذه المشاعر نتيجة للإيمان والالتزام بالسلوك الصحيح في الحياة، سواء كان ذلك في الظاهر أو الباطن. لذلك، وضع الإسلام مجموعة من الأحكام والضوابط التي تهدف إلى ضمان سعادة الإنسان في حياتيه: الأولى في الدنيا، حيث يقول الله تعالى: (مَن عَمِلَ صالِحًا مِن ذَكَرٍ أَو أُنثى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً)، والثانية في الآخرة، كما جاء في قوله تعالى: (الَّذينَ تتَوَفّاهُمُ المَلائِكَةُ طَيِّبينَ يَقولونَ سَلامٌ عَلَيكُمُ ادخُلُوا الجَنَّةَ بِما كُنتُم تَعمَلونَ). ومن هنا، نجد أن السعادة في المفهوم القرآني تشمل أكثر من الجوانب المادية، حيث تمتد لتشمل ثراء النفس والقرب من الله.

عوامل تحقيق السعادة في القرآن الكريم

سلط القرآن الضوء على مجموعة من الأسباب التي تسهم في تحقيق السعادة للإنسان في الدنيا والآخرة. فيما يلي توضيح لبعض هذه الأسباب:

الصبر والاستسلام لقضاء الله

يُعتبر الصبر من القيم الأخلاقية الأساسية التي ذُكرت في آيات القرآن الكريم، وهو يعكس صدق الإيمان، ويشكل وسيلة فعالة لمساعدة المسلم على مواجهة تحديات الحياة. فالصبر ضروري في هذه الدنيا، نظرًا لما يتعرض له المسلم من مصاعب ومحن في المال والنفس. وقد وعد الله سبحانه وتعالى الصابرين بالخير والرضا، حيث يقول: (مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ). كما فسر ابن عباس هذه الآية بقوله: “ومن يؤمن بالله يهدي قلبه لليقين، فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه”.

التقوى

التقوى تعني الخشية من عذاب الله، ولا يمكن تحقيقها إلا من خلال الالتزام بأحكامه. ولمن تأمل في آيات القرآن الكريم وسنة النبي، سيتبين له أن التقوى تعد مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة. فهي تسهم في جلب السعادة والبركة، وتساعد في تخفيف الهموم، وتمنح الانتصار في مختلف مجالات الحياة، كما جاء في قوله تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّـهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا).

إحصاء نعم الله وشكرها

الشكر هو التوجه الإيجابي للقلب نحو حب النعم، وطاعة الله بالجوارح، وذكره والثناء عليه باللسان. يُعد الشكر من أعلى مراتب الدين، وقد أمر الله تعالى به ونهى عن ضده، وأشاد بمكانة الشاكرين. وقد وعد الله هؤلاء بكثير من الأجر والثواب، حيث قال: (وَإِذ تَأَذَّنَ رَبُّكُم لَئِن شَكَرتُم لَأَزيدَنَّكُم وَلَئِن كَفَرتُم إِنَّ عَذابي لَشَديدٌ). ونِعم الله كثيرة جدًا، حيث يقول تعالى: (وَإِن تَعُدّوا نِعمَتَ اللَّـهِ لا تُحصوها إِنَّ الإِنسانَ لَظَلومٌ كَفّارٌ). وقد أوجز رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جميع النعم بالقول: (مَن أصبحَ منكم آمنًا في سربِهِ، مُعافًى في جسدِهِ عندَهُ قوتُ يومِهِ، فَكَأنَّما حيزت لَهُ الدُّنيا). وتساهم ذكر النعم في تقوية العلاقة الروحية بين العبد وربه، وتعزز الالتزام بالطاعة وتجنب المعصية حبًا لله وخوفًا منه. بينما عدم الاعتراف بنعم الله يعد من أسباب الهلاك.