إن معرفة فضل صلاة قيام الليل بعد الوتر تبعث في قلوب العباد المبادرة نحو هذا العمل أملًا في المغفرة، وطمعًا في نيل الرضا والثواب، ذلك أن العبد المسلم حريصٌ دومًا على اغتنام الفرص وتحري الطاعات التي تكون سببًا في رفع درجاته، وقُربه من الله عز وجل، ومن خلال موقع سوبر بابا نوضح أهم تلك الأفضال التي يحويها قيام الليل.
فضل صلاة قيام الليل بعد الوتر
لما كانت الصلاة هي عماد الدين وأفضل العبادات عند الله عز وجل، كان القيام بها في جوف الليل له المزيد من الفضل والثواب عند الله سبحانه وتعالى.
فصلاة قيام الليل يؤديها العبد ما بعد صلاة العشاء وقبل صلاة الصبح، يصليها ركعتين ركعتين إلى ما شاء من الركعات، وهي ما تعرف بصلاة التهجد.
قد حثّنا الله عز وجل على تحري هذا الوقت للصلاة ومناجاة الله عز وجل وبيّن أن لها فضلًا عظيمًا وأثرًا كبيرًا على العبد المسلم حيث قال الله عز وجل في سورة المزمل: “إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6)“.
أي أنها أشد ثباتًا ووقعًا على القلب في هذا الوقت عن غيره، وقد وردت الكثير من الآثار في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم والتي تُحثّ عليها، وتبين مدى فضلها وأهميتها.
1- وقت قيام الليل مستجاب فيه الدعوة
حيث إن الله عز وجل يتنزل في الثلث الأخير من الليل ويسأل عن سائل فيعطيه أو داع فيستجيب له، وهو وقت قبل طلوع الفجر، وقد قال الله عز وجل في سورة آل عمران: “وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ (17)“.
قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنَّ في اللَّيْلِ لَسَاعَةً لا يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ، يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِن أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، إلَّا أَعْطَاهُ إيَّاهُ، وَذلكَ كُلَّ لَيْلَة”.
بين النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن المراد بالساعة هي الثلث الأخير من الليل، فلا يسأل فيها العبد من خير الدنيا والآخرة شيء إلا واستجاب الله له وأعطاه ما سأل.
اقرأ أيضًا: ما هو الثلث الأخير من الليل
2- دخول الجنة
فإن صلاة العبد في جوف الليل ومناجاة الله عز وجل في هذا الوقت تكون سببًا في دخوله الجنة، ويستدل على ذلك بالحديث الذي رواه عبد الله بن سلام عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أيُّها الناسُ أفشوا السلامَ وأطعِموا الطعامَ وصِلُوا الأرحامَ وصَلُّوا بالليلِ والناسُ نيامٌ تدخلوا الجنةَ بسلامٍ”.
كما وصف الله عز وجل عباده المقيمين بالأسحار في قوله تعالى في سورة السجدة: “تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)“. وصفهم الله بعباده المؤمنين حيث استحقوا هذا الشرف، ونالوا تلك المنزلة بقيامهم وتضرعهم لله عز وجل في جوف الليل.
فضل صلاة قيام الليل يكون سببًا في رفع منزلة العبد في الجنة، فلا يدخل الجنة فحسب، بل يكون في أعلى الجنان.
فهذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “إنَّ في الجنَّةِ غرفًا يُرى ظاهرُها من باطنِها وباطنُها من ظاهرِها أعدَّها اللهُ لمَنْ أطعم الطَّعامَ وأفشى السَّلامَ وصلَّى بالليلِ والنَّاسُ نيامٌ”.
3- النجاة من النار
فضل صلاة قيام الليل بين يدي الله عز وجل في جوف الليل تنجي العبد من دخول النار، ويغفر الله له زلاته، ويتجاوز عن سيئاته.
فقد جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “نِعْمَ الرَّجُلُ عبدُ اللَّهِ، لو كانَ يُصَلِّي مِنَ اللَّيْلِ فَكانَ بَعْدُ لا يَنَامُ مِنَ اللَّيْلِ إلَّا قَلِيلًا”.
وذلك حينما رأى رؤيا وظل يتعوذ من النار، فعندما قصّتها السيدة حفصة على النبي صلى الله عليه وسلم، بيّن فضل صلاة القيام وأنها تمنع دخول العبد النار.
4- تكفير الذنوب والمعاصي
إن صلاة قيام الليل تجتمع معها العديد من الطاعات والأمور النافعة للعبد، فيصلي ويقرأ القرآن، ويتضرع إلى الله عز وجل بالدعاء ويكون ذلك في وقت يتنزل فيه الله عز وجل من أجل استجابة سؤال السائل، فكان أدعى للمغفرة، وتكفير الذنوب من الله عز وجل.
هذا ما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عنه أبو الدرداء رضي الله عنه أنه قال: “عليكمْ بقيامِ الليلِ فإنَّه دأبُ الصالحينَ قبلكمْ، وقربةٌ إلى اللهِ تعالى، ومنهاةٌ عنِ الإثمِ، وتكفيرٌ للسيئاتِ، ومطردةٌ للداءِ عنِ الجسدِ.” (حديث صحيح)
5- المدح والثناء من الله عز وجل
فإن الله عز وجل قد أثنى على عباده المقيمين لليل بالصلاة والعبادة، وأعد لهم عظيم الثواب، فقد قال الله عز وجل في سورة السجدة: “إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ۩ (15) تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16)“.
6- اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم
فكان النبي صلى الله عليه وسلم حريصًا على المداومة على قيام الليل، وورد عنه عليه الصلاة والسلام أنه كان يقوم حتى تتورم قدماه الشريفتان، وفضل صلاة قيام الليل اقتداءً به.
وقد جاء في الحديث الذي روته السيدة عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت: “أنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يَقُومُ مِنَ اللَّيْلِ حتَّى تَتَفَطَّرَ قَدَمَاهُ، فَقالَتْ عَائِشَةُ: لِمَ تَصْنَعُ هذا يا رَسولَ اللَّهِ، وقدْ غَفَرَ اللَّهُ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ؟ قالَ: أفلا أُحِبُّ أنْ أكُونَ عَبْدًا شَكُورًا فَلَمَّا كَثُرَ لَحْمُهُ صَلَّى جَالِسًا، فَإِذَا أرَادَ أنْ يَرْكَعَ قَامَ فَقَرَأَ ثُمَّ رَكَعَ”.
7- قيام الليل شرف المؤمن
فقد بيّن الله عز وجل أن صلاة قيام الليل هي شرف المؤمن، والدليل على ذلك ما جاء في الحديث الذي رواه سهل بن سعد الساعدي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أتاني جبريلُ عليه السَّلامُ فقال: يا محمَّدُ! عِشْ ما شئتَ فإنَّك ميِّتٌ، وأحبِبْ من شئتَ فإنَّك مفارقُه، واعمَلْ ما شئتَ فإنَّك مجزِيٌّ به، ثمَّ قال: يا محمَّدُ! شرفُ المؤمنِ قيامُه باللَّيلِ، وعِزُّه استغناؤُه عن النَّاسِ”.
8- فك عقد الشيطان
بيّن النبي صلى الله عليه وسلم أن صلاة القيام تحلل عقدة الشيطان من العبد، وقد جاء في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
“يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ علَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إذَا هو نَامَ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ، فَارْقُدْ فَإِنِ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ، انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فإنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فأصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ وإلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ”.
فيه حثٌ من النبي صلى الله عليه وسلم لأمته على قيام الليل ومجاهدة النفس على فعله، حتى تطيب النفس وتتطهر من عقد الشيطان.
9- القرب من الله عز وجل للقائم بالليل
فقد جاء في الحديث الذي رواه عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “أقربُ ما يكونُ الربُّ من العبدِ في جوفِ الليلِ الآخرِ فإِنِ استطعْتَ أن تكونَ ممن يذكرُ اللهَ في تلْكَ الساعَةِ فكُنْ”.
كما أن القائم بالليل يفرح به الله عز وجل ويعجب، وهذا ما ورد في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “عجبَ ربُّنا من رجلينِ رجلٌ ثارَ عن وطائِهِ ولحافِهِ بينَ أهلِهِ وحبِّهِ إلى صلاتِهِ فيقولُ ربُّنا يا ملائكتي انظروا إلى عبدي ثارَ من فراشِهِ ووطائِهِ من بينِ حبِّهِ وأهلِهِ إلى صلاتِهِ رغبةً فيما عندي وشفقةً ممَّا عندي”.
من أفضال قيام الليل التي ينالها العبد هو أن الله عز وجل يحبه ويضحك له، وكفى بها منزلة وكفى بها شرفًا وفضلًا.
اقرأ أيضًا: دعاء قيام الليل للزواج
أسباب تعين على صلاة قيام الليل
قد يواجه العبد فتورًا نحو العبادة ويرى قلبه خاليًا من الإقبال عليها واستشعارها، وتوجد العديد من الأسباب التي تحول بين العبد وعبادته لله عز وجل تجعله غير قادر على الإتيان بها مهما حاول.
كما في قيام الليل فقد يريد العبد نيل تلك الأفضال والحصول على الثواب إلا أنه لا يستطيع، وتوجد العديد من الأمور التي تُعين على قيام الليل.
- الدعاء، حيث إنه لا بد للعبد أن يسأل الله التوفيق والهداية في كل أمر، ويعلم جيدًا أنه لا توفيق إلا من الله، ولا هداية إلا منه سبحانه، فيسأله التوفيق لقيام الليل وأن يشرح صدره لتلك العبادة.
- الكسب الحلال والبعد عن الحرام، ذلك الابتعاد عما نهى الله عنه يكون سببًا لتوفيقه نحو الأعمال الصالحة، وقد قال الله عز وجل في سورة المؤمنون: “يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ۖ إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (51(“.
- الابتعاد عن فعل الذنوب والمعاصي، ذلك أنها تمنع العبد من فعل الطاعات، وتبعده عن الله عز وجل، وتجعله في شقاء وكدر في الدنيا والآخرة.
- عدم الإكثار في الأكل، فإذا أثقل المرء في الطعام قبل النوم، فإن هذا يثقل جسده، ومن ثم فإنه يتثاقل عن فعل الطاعات.
- كثرة الذكر والاستغفار، فإنها من أهم العبادات التي تُعين العبد على فعل الطاعات، وتقربه من الله عز وجل، كما أنها تطهر النفس من الآثام.
- القيلولة في وسط النهار، ذلك أنها تعين الإنسان على الاستيقاظ في الليل دون تعب أو شعور بالإجهاد، وهذا ما ورد عن الصالحين.
اقرأ أيضًا: صلاة لقضاء الحاجة سريعًا مجربة
الفرق بين الوتر وصلاة قيام الليل
يظن البعض أن صلاة الوتر هي نفسها قيام الليل، بيد أن كلًا منهما عبادة مستقلة، وكان كلاهما من السنن المؤكدة التي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد حرص عليها، وحث على فعلها.
فصلاة الوتر هي صلاة تؤدى عقب صلاة العشاء، يصلي فيها العبد ما شاء من الركعات شريطة أن تكون فردية أو وترية أي يقوم بها ركعة أو ثلاث، فيجعل آخر صلاته وترًا، بينما تكون صلاة القيام صلاة غير وترية.
يُستدل على ذلك بالأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي ذكر فيها الفرق بينهما.
الحديث الذي رواه عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: “صلاةُ اللَّيلِ مثنى مثنى، والوترُ رَكعةٌ، قلتُ: أرأيتَ إن غلبتني عيني، أرأيتَ إن نمتُ؟ قالَ: اجعل أرأيتَ عندَ ذاكَ النَّجمِ، فرفعتُ رأسي، فإذا السِّماكُ، ثمَّ أعادَ فقالَ: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى الله عليْهِ وسلَّمَ: صلاةُ اللَّيلِ مثنى مثنى، والوترُ رَكعةٌ قبلَ الصُّبح”.
كما بين الفقهاء وأهل العلم على أنه يجوز للعبد صلاة قيام الليل بعد الوتر، والدليل على ذلك قول السيدة عائشة رضي الله عنها: “أن النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كان يصلِّي ركعتينِ بعدَ الوترِ وهو جالسٌ”.
فهذا الحديث يشير إلى جواز الصلاة بعد الوتر، وقال بعض العلماء أنه إذا نقض العبد الوتر فصلى بعده فله ذلك، لكن لا ينبغي له أن يعيد الوتر مرة أخرى، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ لا وِترانِ في ليلةٍ” (حديث حسن).
قيام الليل هو عادة الصالحين، وفرصة التائبين المنيبين، ومحل الإجابة للمتضرعين لله السائلين، ولا يقوم الليل أحدٌ إلا كان من المؤمنين الخاشعين.