الغزل
تتردد في أذهان الناس دائمًا كلمات صعبة الوصف، لذا يلجأ البعض لاستخدام عبارات غزلية تعبر عن جمال المحبوبة ومميزاتها، حيث يساهم هذا الغزل في تقارب القلوب. وغالبًا ما يُستخدم الغزل كوسيلة للتعبير عن الشوق الكبير للقاء الأحباب، مما يعزز الثقة بالنفس في قلوب المحبوبات ويعزز الروابط العاطفية بين المتحابين. يُعتبر الشاعر نزار قباني أحد أبرز شعراء الغزل، وسنستعرض في هذا المقال بعضًا من قصائده الغزلية الرائعة.
أحبك أحبك وهذا توقعي
قام الشاعر نزار قباني بنشر العديد من الدواوين خلال السبعينيات، من أبرزها “كتاب الحب”، و”مئة رسالة حب”، و”قصائد متوحشة”، و”أشعار خارجة عن القانون”، و”إلى بيروت الأنثى”، و”مع حبي”. ومن أروع قصائده الغزلية التي تبرز حبه هو:
هل عندك شكٌ أنك أحلى امرأةٍ في الدنيا
وأهم امرأةٍ في الدنيا
هل عندك شك أني حين عثرت عليك
ملكت مفاتيح الدنيا
هل عندك شك أني حين لمست يديك
تغير تكوين الدنيا
هل عندك شك أن دخولك في قلبي
هو أعظم يومٍ في التاريخ
وأجمل خبرٍ في الدنيا
هل عندك شكٌ في من أنت
يا من تحتل بعينيها أجزاء الوقت
يا امرأةً تكسر حين تمر جدار الصوت
لا أدري ماذا يحدث لي
فكأنك أنثاي الأولى
وكأني قبلك ما أحببت
وكأني ما مارست الحب ولا قبلت ولا قبلت
ميلادي أنت وقبلك لا أتذكر أني كنت
وغطائي أنت وقبل حنانك لا أتذكر أني عشت
وكأني أيتها الملكه
من بطنك كالعصفور خرجت
هل عندك شكٌ أنك جزءٌ من ذاتي
وبأني من عينيك سرقت النار
وقمت بأخطر ثوراتي
أيتها الوردة والياقوتة والريحانة
والسلطانة
والشعبية
والشرعية بين جميع الملكات
يا سمكاً يسبح في ماء حياتي
يا قمراً يطلع كل مساءٍ من نافذة الكلمات
يا أعظم فتحٍ بين جميع فتوحاتي
يا آخر وطنٍ أولد فيه
وأدفن فيه
وأنشر فيه كتاباتي
يا امرأة الدهشة يا امرأتي
لا أدري كيف رماني الموج على قدميك
لا أدري كيف مشيت إلي
وكيف مشيت إليك
يا من تتزاحم كل طيور البحر
لكي تستوطن في نهديك
كم كان كبيراً حظي حين عثرت عليك
يا امرأةً تدخل في تركيب الشعر
دافئةٌ أنت كرمل البحر
رائعةٌ أنت كليلة قدر
من يوم طرقت الباب علي ابتدأ العمر
كم صار جميلاً شعري
حين تثقف بين يديك
كم صرت غنياً وقوياً
لما أهداك الله إلي
هل عندك شك أنك قبسٌ من عيني
ويداك هما استمرارٌ ضوئيٌ ليدي
هل عندك شكٌ
أن كلامك يخرج من شفتي
هل عندك شكٌ
أني فيك وأنك في
يا ناراً تجتاح كياني
يا ثمراً يملأ أغصاني
يا جسداً يقطع مثل السيف
ويضرب مثل البركان
يا نهداً يعبق مثل حقول التبغ
ويركض نحوي كحصان
قولي لي
كيف سأنقذ نفسي من أمواج الطوفان
قولي لي
ماذا أفعل فيك أنا في حالة إدمان
قولي لي ما الحل فأشواقي
وصلت لحدود الهذيان
يا ذات الأنف الإغريقي
وذات الشعر الإسباني
يا امرأةً لا تتكرر في آلاف الأزمان
يا امرأةً ترقص حافية القدمين بمدخل شرياني
من أين أتيت وكيف أتيت
وكيف عصفت بوجداني
يا إحدى نعم الله علي
وغيمة حبٍ وحنانٍ
يا أغلى لؤلؤةٍ بيدي
آهٍ كم ربي أعطاني
القبلة الأولى
في عام 1939م، كان نزار في رحلة مدرسية بحرية إلى روما حين كتب أول أبياته الشعرية متغزلاً بالأمواج والأسماك. ثم بعد ذلك، التحق نزار بكلية الحقوق في جامعة دمشق وتخرج منها عام 1945م. وفي نفس العام، انضم إلى وزارة الخارجية السورية وعُين في السفارة السورية في مصر. من بين قصائده، نجد تلك التي تتحدث عن محبوبته حيث يقول نزار قباني:
عامان مرا عليها يا مقبلتي
وعطرها لم يزل يجري على شفتي
كأنها الآن لم تذهب حلاوتها
ولا يزال شذاها ملء صومعتي
إذ كان شعرك في كفي زوبعة
وكأن ثغرك أحطابي وموقدتي
قولي أأفرغت في ثغري الجحيم وهل
من الهوى أن تكوني أنت محرقتي
لما تصالب ثغرانا بدافئة
لمحت في شفتيها طيف مقبرتي
تروي الحكايات أن الثغر معصية
حمراء إنك قد حببت معصيتي
ويزعم الناس أن الثغر ملعبها
فما لها التهمت عظمي وأوردتي
يا طيب قبلتك الأولى يرف بها
شذا جبالي وغاباتي وأوديتي
ويا نبيذية الثغر الصبي إذا
ذكرته غرقت بالماء حنجرتي
ماذا على شفتي السفلى تركت وهل
طبعتها في فمي الملهوب أم رئتي
لم يبق لي منك إلا خيط رائحة
يدعوك أن ترجعي للوكر سيدتي
يجوز أن تكوني
يُعتبر الشاعر نزار قباني، الدمشقي الدبلوماسي، أحد الأسماء البارزة في عالم الشعر، وكان جده رائد المسرح العربي. لقد كان لمدينتي دمشق وبيروت مكانة خاصة في أشعاره، ومن أبرز قصائده “القصيدة الدمشقية” و”يا ست الدنيا يا بيروت”. أدت حرب 1967م (حرب النكسة) إلى تغير ملحوظ في مسيرته الشعرية، حيث انتقل من شعر الحب إلى شعر السياسة، لكنه كتب العديد من القصائد في حب محبوبته. ومن تلك القصائد التي يتغزل فيها بها:
يجوز أن تكوني
واحدةً من أجمل النساء
دافئةً
كالفحم في مواقد الشتاء
وحشيةً
كقطةٍ تموء في العراء
آمرةً ناهيةً
كالرب في السماء
يجوز أن تكوني
سمراء إفريقية العيون
عنيدةً
كالفرس الحرون
عنيفةً
كالنار كالزلزال كالجنون
يجوز أن تكوني
جميلةً ساحقة الجمال
مثيرةً للجلد للأعصاب للخيال
وتتقنين اللهو في مصائر الرجال
يجوز أن تضطجعي أمامي
عاريةً
كالسيف في الظلام
مليسةً كريشة النعام
نهدك مهرٌ أبيضٌ
يجري
بلا سرجٍ ولا لجام
يجوز أن تبقي هنا
عاماً وبعض عام
فلا يثير حسنك المدمر اهتمامي
كأنما
ليست هناك امرأةٌ أمامي
يجوز أن تكوني
سلطانة الزمان والعصور
وأن أكون أبلهاً معقد الشعور
يجوز أن تقولي
ما شئت عن جبني وعن غروري
وأنني وأنني
لا أستطيع الحب كالخصيان في القصور
يجوز أن تهددي
يجوز أن تعربدي
يجوز أن تثوري
لكن أنا
رغم دموع الشمع والحرير
وعقدة الحريم في ضميري
لا أقبل التزوير في شعوري
يجوز أن تكوني
شفافةً كأدمع الربابه
رقيقةً كنجمةٍ
عميقةً كغابه
لكنني أشعر بالكآبه
فالجنس في تصوري
حكاية انسجام
كالنحت كالتصوير كالكتابه
وجسمك النقي كالقشطة والرخام
لا يحسن الكتابه
وجهك مثل مطلع القصيدة
تزوج نزار قباني من قريبة له تُدعى زهراء أقبيق، وكانت تلك الفترة نقطة انطلاقه نحو الكفاح في عالم الشعر. وقد بدأت شهرته تتزايد بشكل ملحوظ، لكن بعد وفاة زوجته نتيجة عملية قلب، توقف نزار عن كتابة الشعر لمدة ثلاث سنوات حتى التقى بلقيس الراوي التي أحبها كثيراً ولكن عائلتها رفضت خطبته بسبب سمعة نزار كونه شاعر النساء والغزل. ويصف نزار محبوبته في قصيدته فيقول:
وجهك مثل مطلع القصيده
يسحبني
يسحبني
كأنني شراع
ليلاً إلى شواطئ الإيقاع
يفتح لي أفقاً من العقيق
ولحظة الإبداع
وجهك وجهٌ مدهشٌ
ولوحةٌ مائيةٌ
ورحلةٌ من أبدع الرحلات
بين الآس والنعناع
وجهك
هذا الدفتر المفتوح ما أجمله
حين أراه ساعة الصباح
يحمل لي القهوة في بسمته
وحمرة التفاح
وجهك يستدرجني
لآخر الشعر الذي أعرفه
وآخر الكلام
وآخر الورد الدمشقي الذي أحبه
وآخر الحمام
وجهك يا سيدتي
بحرٌ من الرموز والأسئلة الجديده
فهل أعود سالما
والريح تستفزني
والموج يستفزني
والعشق يستفزني
ورحلتي بعيده
وجهك يا سيدتي
رسالةٌ رائعةٌ
قد كتبت
ولم تصل بعد إلى السماء
وصايا إلى امرأة عاقلة
تميز شعر نزار قباني بطابعه الفريد والمميز، إذ تأثر بكل ما حوله، وخاصة بعد حادثة انتحار أخته التي تركت أثرًا عميقًا في نفسه. يُعتبر نزار من أشهر الشعراء الذين كتبوا عن الغزل والحب والمرأة، حيث كانت المرأة محور أشعاره وعواطفه. ومن قصائد الشاعر الغزلية نجد القصيدة التالية:
أُوصيكِ بجنوني خيراً
فهو الذي يمنحُ نَهْدَكِ
شَكْلَهُ الدائريّْ
ويومَ، ينحسرُ نَهْرُ جُنُوني
سيصبحُ نَهْدُكِ مُكعَّباً
مثلَ صندوق البَريدْ
أوصيكِ بجُنوني خيراً
فهو الذي يغسلكِ
بالماء والعُشْبِ والأزهارْ
ويومَ أرْفَعُ عنكِ يَدَ جُنُوني
ستتحوَّلينَ،
إلى امرأةٍ من خَشَبْ
أُوصيكِ بجنوني خيراً
فطالما أنا عُصَابيٌّ
ومكتئبٌ
ومُتَوتّرُ الأعصابْ
فأنتِ جميلةٌ جداً
وحين تزولُ أعراضُ جنوني
ستدخلينَ في الشَيخُوخَهْ
أوصيكِ بجنوني خيراً
فهو رصيدُكِ الجَمَاليّْ
وثروتُكِ الكُبرى
ويومَ أسحبُ منكِ
كفالةَ جُنوني
سيُشهِرُونَ إفْلاسَكِ
أوصيكِ بجنوني خيراً
فهو التاجُ الذي به تحكمينَ العالمْ
ويومَ تغيبُ شمسُ جُنُوني
سيسقُطُ تاجُكِ
ويُجرّدك الشعبُ من جميع سُلُطَاتِكْ
وشوشة
جمع نزار قباني بين البساطة والبلاغة، مما جعله يبرز بين الشعراء في العصر الحديث. وقد غنّى العديد من الفنانين أشعاره منها أم كلثوم، وعبد الحليم حافظ، ونجاة الصغيرة، وفيروز، وكاظم الساهر. بدأ نزار كتابة الشعر في سن السادسة عشرة وحصل على شهادة البكالوريوس من الكلية العلمية الوطنية. ومن قصائد الشاعر التي يتغزل فيها بمحبوبته:
في ثغرها ابتهال
يهمس لي تعال
إلى انعتاقٍ أزرقٍ
حدوده المحال
نشرد تياري شذا
لم يخفقا ببال
لا تستحي فالورد في
طريقنا تلال
ما دمت لي.. مالي وما
قيل، وما يقال..
وشوشة كريمةٌ
سخية الظلال
ورغبةٌ مبحوحةٌ
أرى لها خيال
على فمٍ يجوع في
عروقه السؤال..
يهتف بي عقيقه
غداً لك النوال
أنا كما وشوشتني
ملقىً على الجبال
مخدتي طافيةٌ
على دم الزوال
زرعت ألف وردةٍ
فدى انفلات شال
فدى قميصٍ أخضرٍ
يوزع الغلال..
قومي إلى أرجوحةٍ
غريقة الحبال
نأكل من كرومنا
ونطعم السلال
وأشرب الفم الصغير
سكراً حلال
إن ألثم اليمين منك
قلت والشمال
لا تسألي تحبني
كنت ولا أزال