قصائد الشاعر أبو نواس

يا خاطبَ القهوة الصّهباءِ

يا خاطبَ القهوة الصّهباءِ، فإنّ مهرتها

تأمل الرّطل؛ فيه مِلأَه ذهباً.

قصّرْتَ بالحذر، واحْذَرْ أن تُسمِّعها

فيحلِفَ الكرْمُ ألا يحملَ العنبَ.

لقد بذلتُ لها عند أوّل نظرٍ

صاعاً من الدُّرّ والياقوتِ ما ثُقِبَا.

لكنها استوحشت، وبكتْ في الدّنّ، قائلةً:

يا أُمُّ، ويحكِ، أخشى النّار واللهبَ.

فأجبتُ: لا تحذريه عندنا أبداً،

فقالتْ: ولا الشمسَ؟ فقلتُ: الحرّ قد ذهبَا.

قالتْ: فمن خاطبي هذا؟ فقلتُ: أنا.

قالتْ: فبَعْلي؟ فقلتُ: الماءُ إن عَذُبا.

قالتْ: لقاحي، فقلتُ: الثلجُ أبردُهُ.

قالتْ: فبَيْتي فما أستحسنُ الخشبا.

قلتُ: القنانيُّ والأقداحُ وَلّدَها

فرعونُ؛ فقالتْ: لقد هيّجت لي طَرَبا.

لا تجعلني من العربيدِ يشربني،

ولا الّلئيمِ الذي إن شمّني قَطَبا.

ولا المجُوس، فإنّ النّارَ ربّهُمُ،

ولا اليهودِ ولا من يعبُد الصُّلُبا.

ولا السَّفَالِ الذي لا يستفيقُ، ولا

غِرّ الشّبابِ، ولا من يجهلُ الأدبَ.

ولا الأراذلِ، إلاّ مَنْ يُوقّرني

من السُّقاة، ولكن أسقني العربا.

يا قَهْوَةً حُرّمتْ، إلاّ على رجُلٍ

أثْرَى فأتلفَ فيها المالَ والنَّشبَ.

سيروا إلى أبعد مُنتابِ

سيروا إلى أبعد مُنتابِ،

قد ظهر الدّجّالُ بالزّابِ.

هذا ابن نَيْبَختٍ لهُ إمْرَةٌ

صاحبُ كتّابٍ وحُجّابِ.

عاج الشقيّ على دارٍ يُسائلها

عاجَ الشقِيّ على دارٍ يُسائِلُها،

وعُجتُ أسألُ عن خَمّارَةِ البلدِ.

لا يُرْقىءُ اللهُ عينيّ من بكى حجَراً،

ولا شفَى وَجْدَ من يصْبو إلى وَتَدِ.

قالوا: ذكَرْتَ ديارَ الحيّ من أسَدٍ،

لا دَرّ، دَرّكَ قُل لي من بنو أسَدِ.

ومَن تميمٌ ومنْ قيسٌ وإخوتُهُمْ،

ليس الأعاريبُ عندَ اللهِ من أحَدِ.

دعْ ذا، عَدمتُكَ، واشرَبْها مثعَتَّقَةً،

صَفْرَاءَ تُعْنِقُ بين الماءِ والزّبَدِ.

من كَفِّ مُختصَرِ النّارِ مُعتدلٍ،

كغُصْنِ بانٍ تثنّى غيرِ ذي أوَدِ.

لَمّا رآني أبوهُ قد قعَدْتُ لَهُ

حيّا، وأيْقَنَ أني مُتلِفٌ صَفَدي.

فجاءني بسُلافٍ لا يَحِفّ لَها،

ولايُمَلِّكُهَا إلاّ يداً بيدِ.

اسمَحْ وجُدْ بما تحْوي يَداكَ لها،

لاتَذْخَرِ اليومَ شيئاً خوْفَ فقْرِ غدِ.

كم بَيْنَ من يشْتَري خمراً يلذّ بها،

وبين باكٍ على نؤيٍ ومُنْتَضَدِ.

يا عاذلي، قد أتَتْني منْك بادِرَةٌ،

فإنْ تَغَمَّدَهَا عَفْوي فلا تعُدِ.

لوْ كان لوْمُكَ نُصْحاً كنتُ أقبلُه،

لكنْ لَوْمَكَ محمولٌ على الحَسَدِ.

فاتنِ الألحاظ والخـدِّ

فَاتِنِ الألْحاظِ والخَدِّ،

معتدلِ القامة والقَدِّ.

قال: وعيني منه في خَدّه

راتِعَةٌ في جَنّة الخُلْدِ.

طرْفُكَ زانٍ، قلتُ دَمعي إذن

يجْلِدُهُ أكثَرَ من حَدّ.

يا دارُ ما فعلت بك الأيّام

يا دارُ! ما فعلَتْ بكِ الأيّامُ،

ضَامَتْكِ، والأيامُ ليسَ تُضامُ.

عَرَمَ الزّمانُ على الّذينَ عهدتهمْ

بكِ قاطِنين وللزّمان عُرامُ.

أيّامَ لا أغْشى لأهْلِكِ مَنْـزِلاً،

إلاّ مُرَاقَبَةً عليّ ظَلامُ.

لقد نَهَزْتُ مع الغُوَاتِ بِدَلْوِهِمْ،

وأَسَمْتُ صَرْحَ اللّـهُوِ حيثُ أساموا.

وبلَغتُ ما بَلَغَ امرُؤٌ بشَبابِهِ،

فإذا عُصَارَةُ كلّ ذاكَ آثـامُ.

وتجَشّمَتْ بي هوْلَ كلّ تنوفة،

هَوْجاءُ فيها جرأة إقْدامُ.

تَذَرَّ المَطَيَّ وراءَها فكأنّها

صَفٌّ تَـقَــدَّمَهُنّ وهي إمامُ.

وإذا المَطيّ ينا بَلَغْنا محمّداً،

فَظُـهورُهُنّ على الرّجالِ حَـرامُ.

قرّبننا من خيرِ مَن وَطىءَ الحصَى،

فلها علينـا حُـرْمَـةٌ وذِمـامُ.

رُفِعَ الحِجابُ لنا، فلاح لناظِرٍ

قَمَرٌ تَقَطَّعُ دونَهُ الأوهامُ.

مَلِكٌ إذا عَلِقَتْ يداكَ بحَبْلِهِ،

لا تَعْتَـريكَ البؤْسُ والإعْـدامُ.

مَـلِـكٌ تَوَحّدَ بالمَكارِمِ والعُلى،

فَــرْدٌ فَــقِــيد النّـدّ فيـهِ هُـمــامُ.

Mَلكٌ أغَـرَّ إذا شـرِبْتَ بِوَجْهِهِ،

لمْ يَعْدُكَ التّبْـجيــلُ والإعْـظامُ.

فالبَهْوُ مُشتَمِلٌ ببَدْرِ خلافَة،

لبِسَ الشّبابَ بنورِهِ الإسْلامُ.

سَـبْطُ البَـنَـان إذا احْتَبى بِنِجـادِهِ،

فَــرَعَ الجَماجِـمَ والسّـماطُ قِيـامُ.

إنّ الذي يَرْضَى الإلَهُ بِهَدْيِهِ،

مَلِكٌ تَـرَدّى المُلْكَ وهو غُـلامُ.

مَلِكٌ إذا اعْتَـصَـر الأمـورَ مَضى بهِ،

رَأيٌ يَـفُـلُّ السّيفَ وهو حُسامُ.

داوى يه اللهُ القـلوبَ من العَمَى،

حتى أفَقْنَ وما بهنّ سَقامُ.

أصبَحتَ يا بنَ زَبيدَة ابنة جعفرٍ،

أمَلا لِعَـقْـدِ حِبالِهِ اسْتِحْكامُ.

فسَلِمتَ للأمْرِ الذي تُرْجَى لهُ،

وتَـقاعَـسَـتْ عن يوْمكَ الأيـامُ.