قصائد المتنبي في مدح ذاته

الخيل والليل والبيداء تعرفني

تشير إليّ الخيل والليل والبيداء،

ومعها السيف والرمح والقرطاس والقلم.

أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي،

وأسمعت كلماتي من كان به صمم.

أغمض عيني عن همومها،

بينما يسهر الناس في شأنها ويتخاصمون.

ما أبعد العيب والنقص عن شرفي،

فأنا الثريا، وذنب الشيب والهرم.

كم تبحثون عن عيبٍ فيعجزكم،

ويكره الله ما تفعلون وما تظنون.

ما أبعد العيب والنقص عن شرفي،

فأنا الثريا، وذنب الشيب والهرم.

ومهجتي التي تعبر هموم صاحبها،

قد أدركتها بجواد ظهره حرَمٌ.

محبّي قيامي، ما لذلكم النصل

أرفع عنك تشبيهي بما يشبهه،

فما أحد يفوقني ولا أحد مثلي.

كم قتيل كما قتلت شهيد

لم أشرف بسبب قومي، بل هم شرفوا بي،

وبنفسي اعتززت، لا بأجدادي.

ومني فخر كل من نطق بالحق،

ودعاء الجاني وغوث الطريد.

إن كنت معجبًا، فلي عجب عجيب،

لم يجد فوق نفسه من مزيد.

أنا ترب الندى ورب القوافي،

وسمام العدا وغيض الحاسد.

أنا في أمةٍ تداركها الله،

غريبٌ كصالحٍ في ثمود.

ملامي النوى في ظلمها غاية الظلم

كأنّي دحوْتُ الأرض من معرفتي بها،

كأني بنيتُ السد بكامل عزمي.

لكل امرئ من دهره ما تعودا

وما الزمن إلا من رواة قلائدي،

إذا قلت شعرًا أصبح الدهر منشدًا.

فسار به من لا يسير مشمرًا،

وغنى به من لا يغني مغردًا.

أجزني إذا أنشدت شعرًا، فإنما،

بشعري أتاك المادحون مرددًا.

وادرأ كل صوت غير صوتي، فإنني،

أنا الصائح المحكي والآخر هو الصدى.

تركت السرى خلفي لمن قل ماله،

وأعنتُ فرسي بنعمَاكَ عُسجدًا.

إذا سأل الإنسان عن أيامه الغنى،

كنتَ على بُعدٍ وجعلناك موعدًا.

دمع جرى فقضى في الربع ما وجبا

وإن عشتُ، جعلت الحرب والدةً،

والسمر الأخا والمشرفة أبا.

أطاعن خيلاً من فوارسها الدهر

تمرستُ بالآفات حتى تركتها،

تقول: أمات الموت أم ذعر الذعر؟

وأقدمتُ إقدام الأتيّ كأنّ لي،

سوَى مهجتي أو كان لي عندها وترٌ.

أمن ازديارك في الدجى الرقباء

أنا صخرة الوادي إذا ما زُحمتْ،

وإذا نطقتُ فإنني الجوزاء.

وإذا خفيتُ على الغبي فاعذر،

ألا تراني مقلّةٌ عمياء.

شيَمُ الليالي أن تُشكّكَ ناقتي،

صدري بها أفضى أم البيداء؟

فأبيتُ تسئد مسئدًا في نأيها،

إسآدها في المَهمه الإنضاء.

بقائي شاء ليس هم ارتحالا

أرى المتشاعرين غرهُم ذمي،

ومن ذا يمدح الداء العضال؟

ومَنْ يَكُ ذا فم مرير مريض،

يجد مرًا به الماء الزلال؟

وقالوا: هل يبلغكَ الثريا؟

فقلت نعم إذا شئت استغلالا.

جواب مسائلي، هل له شبيه؟

ولا لك في سؤالك: لا أو لا.

لك يا منازل في القلوب منازل

وإذا أتاك مذمتي من ناقصٍ،

فهي الشهادة لي بأنني كامل.

فؤاد ما تسليه المدام

وما أنا منهم بالعيش بينهم،

ولكن معدن الذهب الرغام.

مدح أبي الطيب المتنبي لبدر بن عمار الأسدي

في الخد إن عزم الخليط رحيلًا،

مطرٌ تزيد به الخدود محولا.

يا نظرةً نفت الرقاد وغادرت،

في حد قلبي ما حييت فُلا.

كانت من الكحلاء سؤلي إنما،

أجلي تمثل في فؤادي سولا.

أجد الجفاء على سواك مروءةً،

والصبر إلا في نواك جميلا.

وأرى تدللَكِ الكثير محببًا،

وأرى قليل تدللٍ مملولا.

تشكو روادفك المطيّة فوقها،

شكوى التي وجدت هواك دخيلا.

ويعيرني جذب الزمام لقلبها،

فماها إليك كطالبٍ تقبيلًا.

حدق الحسان من الغواني هجن لي،

يوم الفراق صبابةً وغليلا.

حدقٌ يذمّ من القتائل غيرها،

بدر بن عَمار بن إسماعيل.

الفارجُ للكرب العظام بمثلها،

والتارك الملك العزيز ذليلاً.

محكٌ إذا مطل الغريم بدينه،

جعل الحسام بما أراد كفيلا.

نطقٌ إذا حطّ الكلام لثامه،

أعطى بمنطقه القلوب عقولًا.

أعدى الزمان سخاؤه فسخا به،

ولقد يكون به الزمان بخيلا.

وكأن برق في متون غمامةٍ،

هنديّه في كفه مسلولا.

ومحل قائمته يسيل مواهبًا،

لو كنا سيلًا ما وجدنا مسيلا.

رقّت مضاربه فهن كأنما،

يبدين من عشق الرقاب نحولا.

أمعفّرَ الليث الهزبر بسوطه،

لمنِ ادّخرت الصارم المصقولا؟

وقعت على الأردن منه بليّةٌ،

نُضِدَت بها هام الرفاقُ تلولا.

وردٌ إذا ورد البحيرة شاربًا،

ورد الفرات زئيره والنيلًا.

متخضبٌ بدم الفوارس لابس،

في غيله من لبدتيه غيلا.

ما قوبلت عيناه إلا ظنتا،

تحت الدجى نار الفريق حلولا.

في وحده الرهبان إلا أنه،

لا يعرف التحريم والتحليلا.

يطفئ الثرى مترفقًا من تيهه،

فكأنه آس يجس عليلا.

ويرد غفرته إلى يافوخه،

حتى تصير لرأسه إكليلا.

وتظنّه مما يُزمجِر نفسه،

عنها لشدة غيظه مشغولا.

قصرت مخافته الخطى فكأنماً،

ركب الكميُّ جواده مشكولا.

ألقى فريسته وبربر دونها،

وقربت قربًا خالَه تطفيلا.

فتشابه الخلقان في إقدامه،

وتخالفتا في بذلذاك المأكولا.

أسدٌ يرى عُضوَيهِ فيكَ كِلَيهما،

متنًا أزال وساعدًا مفتولا.

في سرج ظامئة الفصوص طمَرةٍ،

يأبى تفرّدها لها التمثيلا.

نيلَةِ الطلَبات، لولا أنّها،

تعطي مكان لجامِها ما نيلا.

تندى سوالفها إذا استحضرتها،

ويُظنّ عَقدُ عِنَانِها محلا.

ما زال يجمع نفسَه في زورِهِ،

حتى حسبت العرض منه الطولا.

ويدقّ بالصدر الحجارة كأنه،

يبغي إلى ما في الحضيض سبيلا.

فكأنه غره عين فادنى،

لا يبصر الخطب الجليل جليلا.

أنف الكريم من الدنيّة تاركٌ،

في عينه العدد الكثير قليلًا.

والعار مضّاض وليس بخائفٍ،

من حتفه من خاف مما قيل.

سبق الإلتقاء به بوثبة هاجمٍ،

لو لم تصادمه لجازك ميلا.

خذلته قوته وقد كافحته،

فاستنصر التسليم والتجديلا.

قبضت منيته يديه وعُنقه،

فكأنما صادفته مغلولا.

سمع ابن عمته به وبحالته،

فنجا يهرول منك أمس مهولا.

وآمرٌ مما فرّ منه فراره،

وكقتلٍ ألا يموت قتيلا.

تلف الذي اتخذ الجرأة خلةً،

وعظ الذي اتخذ الفرار خليلا.

لو كان علمك بالإله مقسّمًا،

في الناس ما بعث الإله رسولا.

لو كان لفظك فيهم ما أنزل القرآن،

والتوراة والإنجيل.

لو كان ما تعطيهم من قبل أن،

تعطيهم لم يعرفوا التأميلا.

فلقد عُرِفتَ وما عُرِفتَ حقيقةً،

ولقد جهلتَ وما جُهلتَ خُمولاً.

نطقت بسؤددك الحمام تغنّيًا،

وبما تجشمه الجياد صهيلا.

ما كل من طلب المعالي نافذًا،

فيها ولا كل الرجال فحولًا.