الحزن
يُعتبر الحزن شعورًا سلبيًا يرافق الإنسان في العديد من اللحظات الحياتية، سواء بسبب فقدان عزيز أو مواقف ظلم تعرض لها، أو حتى بسبب هموم تحمل على قلبه. يُعد هذا الشعور نقيضًا للفرح، حيث يعيش الإنسان فيه حالة من اليأس والعجز. وقد تم التعبير عن الحزن من قبل العديد من الشعراء، بما في ذلك حافظ إبراهيم والبحتري ونزار قباني. في هذا المقال، سنستعرض بعضًا من أجمل القصائد التي تبرز مشاعر الحزن.
حَبَس اللسان وأطلق الدمعا
حافظ إبراهيم، الذي وُلد عام 1872م في مصر، كان شاعرًا بارعًا يتمتع بذاكرة قوية وقدرة مذهلة على حفظ الأشعار والقرآن. عاش يتيم الأب ورحل عن عالمنا عام 1932م، مخلفًا وراءه تراثًا شعريًا يعكس الأحداث في عصره. ومن بين قصائده الحزينة، القصيدة التالية:
حَبَسَ اللِسانَ وَأَطلَقَ الدَمعا
لقد نعتني فقدانك الحزين
لَكَ مِنَّةٌ قَد طَوَّقَتْ عُنُقي
ما إِن أُريدُ لِطَوقِها نَزعا
ماتَ الإِمامُ وَكانَ لي كَنَفاً
وَقَضَيَتَ أَنتَ وَكُنتَ لي دِرعا
فَليَشمَتِ الحُسّادُ في رَجُلٍ
أَمسَت مُناهُ وَأَصبَحَت صَرعى
وَلتَحمِلِ الأَيّامُ حَملَتَها
غاضَ المَعينُ وَأَجدَبَ المَرعى
إِنّى أَرى مِن بَعدِهِ شَلَلاً
بِيَدِ العُلا وَبِأَنفِها جَدعا
وَأَرى النَدى مُستَوحِشاً قَلِقاً
وَأَرى المُروءَةَ أَقفَرَت رَبعا
قَد كانَ في الدُنيا أَبو حَسَنٍ
يولي الجَميلَ وَيُحسِنُ الصُنعا
إِن جاءَ ذو جاهٍ بِمَحمَدَةٍ
وَتراً شَآهُ بِمِثلِها شَفعا
فَإِذا نَظَرتَ إِلى أَنامِلِهِ
تَندى حَسِبتَ بِكَفِّهِ نَبعا
سَلني فَإِنّي مِن صَنائِعِهِ
وَسَلِ المَعارِفَ كَم جَنَت نَفعا
قَد أَخصَبَت أُمُّ اللُغاتِ بِهِ
خِصباً أَدَرَّ لِأَهلِها الضَرعا
تَاللَهِ لَولا أَن يُقالَ أَتى
بِدعاً لَطُفتُ بِقَبرِهِ سَبعا
قَد ضِقتُ ذَرعاً بِالحَياةِ وَمَن
يَفقِد أَحِبَّتَهُ يَضِق ذَرعا
وَغَدَوتُ في بَلَدٍ تَكَنَّفَني
فيهِ الشُرورُ وَلا أَرى دَفعا
كَم مِن صَديقٍ لي يُحاسِنُني
وَكَأَنَّ تَحتَ ثِيابِهِ أَفعى
يَسعى فَيُخفي لينُ مَلمَسِهِ
عَنّي مَسارِبَ حَيَّةٍ تَسعى
كَم حاوَلَت هَدمي مَعاوِلُهُم
وَأَبى الإِلَهُ فَزادَني رَفعا
أصبَحْتُ فَردًا لا يُناصِرُني
غَيرُ البَيانِ وَأَصبَحوا جَمعا
وَمُناهُمُ أَن يَحطِموا بِيَدي
قَلَماً أَثارَ عَلَيهِمُ النَقعا
وَلَرُبَّ حُرٍّ عابَهُ نَفَرٌ
لا يَصلُحونَ لِنَعلِهِ شِسعا
مَن ذا يُواسيني وَيَكلَأُني
في هَذِهِ الدُنيا وَمَن يَرعى
لا جاهَ يَحميني وَلا مَدَدٌ
عَنّي يَرُدُّ الكَيدَ وَالقَذَعا
بِكَ كُنتُ أَدفَعُ كُلَّ عادِيَةٍ
وَأُجيبُ في الجُلّى إِذا أُدعى
وَأُقيلُ عَثرَةَ كُلِّ مُبتَئِسٍ
وَأَفي الحُقوقَ وَأُنجِحُ المَسعى
حَتّى نَعى الناعي أَبا حَسَنٍ
فَوَدَدتُ لَو كُنتُ الَّذي يُنعى
غيظُ العِداةُ فَحاوَلوا سَفَهاً
مِنهُم لِحَبلِ وِدادِنا قَطعا
راموا لَهُ بَتّاً وَقَد حَمَلوا
ظُلماً فَكانَ لِوَصلِهِ أَدعى
يا دَوحَةً لِلبَرِّ قَد نَشَرَت
في كُلِّ صالِحَةٍ لَها فَرعا
وَمَنارَةً لِلفَضلِ قَد رُفِعَت
فَوقَ الكَنانَةِ نورُها شَعّا
وَمَثابَةً لِلرِزقِ أَحمَدُها
ما رَدَّ مِسكيناً وَلا دَعّا
إِنّي رَثَيتُكَ وَالأَسى جَلَلٌ
وَالحُزنُ يَصدَعُ مُهجَتي صَدعا
لا غَروَ إِن قَصَّرتُ فيكَ فَقَد
جَلَّ المُصابُ وَجاوَزَ الوُسعا
سَأَفيكَ حَقَّك في الرِثاءِ كَما
تَرضى إِذا لَم تُقدَرِ الرُجعى
قصيدة بلقيس
كتب نزار قباني قصيدة بلقيس، تأثرًا بالحزن العميق لفقدان زوجته بلقيس، التي tragically توفيت في انفجار سفارة العراق في بيروت. نُشرت هذه القصيدة في كتابه عام 1982م:
شُكراً لكم
شُكراً لكم
فحبيبتي قُتِلَت وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيده
وقصيدتي اغْتِيلتْ
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ
إلا نحنُ تغتالُ القصيدة
بلقيسُ
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِل
بلقيسُ
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراق
كانتْ إذا تمشي
ترافقُها طواويسٌ
وتتبعُها أيائِل
بلقيسُ يا وَجَعِي
ويا وَجَعَ القصيدةِ حين تلمَسُهَا الأنامل
هل يا تُرى
من بعد شَعْرِكِ سوفَ ترتفعُ السنابل
يا نَيْنَوَى الخضراء
يا غجريَّتي الشقراء
يا أمواجَ دجلةَ
تلبسُ في الربيعِ بساقِهِا
أحلى الخلاخِل
قتلوكِ يا بلقيسُ
أيَّةُ أُمَّةٍ عربيةٍ
تلكَ التي
تغتالُ أصواتَ البلابِل
أين السَّمَوْأَلُ
والمُهَلْهَلُ
والغطاريفُ الأوائِل
فقبائلٌ أَكَلَتْ قبائل
وثعالبٌ قَتَـلَتْ ثعالب
وعناكبٌ قتلتْ عناكب
قَسَمَاً بعينيكِ اللتينِ إليهما
تأوي ملايينُ الكواكب
سأقُولُ يا قَمَرِي عن العَرَبِ العجائب
فهل البطولةُ كِذْبَةٌ عربيةٌ
أم مثلنا التاريخُ كاذب
بلقيسُ
لا تتغيَّبِي عنّي
فإنَّ الشمسَ بعدكِ
لا تُضيءُ على السواحِل
سأقول في التحقيق
إنَّ اللصَّ أصبحَ يرتدي ثوبَ المُقاتِل
وأقول في التحقيق
إنَّ القائدَ الموهوبَ أصبحَ كالمُقَاوِل
وأقولُ
إن حكايةَ الإشعاع أسخفُ نُكْتَةٍ قِيلَت
فنحنُ قبيلةٌ بين القبائِل
هذا هو التاريخُ يا بلقيسُ
كيف يُفَرِّقُ الإنسانُ
ما بين الحدائقِ والمزابل
بلقيسُ
أيَّتها الشهيدةُ والقصيدةُ
والمُطَهَّرَةُ النقيَّة
سَبَـأٌ تفتِّشُ عن مَلِيكَتِهَا
فرُدِّي للجماهيرِ التحيَّة
يا أعظمَ المَلِكَاتِ
يا امرأةً تُجَسِّدُ كلَّ أمجادِ العصورِ السُومَرِيَّة
بلقيسُ
يا عصفورتي الأحلى
ويا أَيْقُونتي الأَغْلَى
ويا دَمْعَاً تناثرَ فوق خَدِّ المجدليَّة
أَتُرى ظَلَمْتُكِ إذْ نَقَلْتُكِ
ذاتَ يومٍ من ضفاف الأعظميَّة
بيروتُ تقتُلُ كلَّ يومٍ واحداً مِنَّا
وتبحثُ كلَّ يومٍ عن ضحيَّة
والموتُ في فِنْجَانِ قَهْوَتِنَا
وفي مفتاح شِقَّتِنَا
وفي أزهارِ شُرْفَتِنَا
وفي وَرَقِ الجرائدِ
والحروفِ الأبجديَّة
ها نحنُ يا بلقيسُ
ندخُلُ مرةً أُخرى لعصرِ الجاهليَّة
ها نحنُ ندخُلُ في التَوَحُّشِ
والتخلّفِ والبشاعةِ والوَضَاعة
ندخُلُ مرةً أُخرى عُصُورَ البربريَّة
حيثُ الكتابةُ رِحْلَةٌ
بينِ الشَّظيّةِ والشَّظيَّة
حيثُ اغتيالُ فراشةٍ في حقلِهَا
صارَ القضيَّة
هل تعرفونَ حبيبتي بلقيسَ
فهي أهمُّ ما كَتَبُوهُ في كُتُبِ الغرام
كانتْ مزيجاً رائِعَاً
بين القَطِيفَةِ والرخام
كان البَنَفْسَجُ بينَ عَيْنَيْهَا
ينامُ ولا ينام
بلقيسُ
يا عِطْرَاً بذاكرتي
ويا قبراً يسافرُ في الغمام
قتلوكِ في بيروتَ مثلَ أيِّ غزالةٍ
من بعدما قَتَلُوا الكلام
رحلوا فأية عبرة لم تسكب
البحتري، المعروف بأبو عبادة الوليد، وُلد في عام 205 هجري، وقد ذاع صيته لذكائه المميز وفنه الشعري الذي التزم بعمود الشعر. منذ صغره، أظهر براعة في الوصف والهجاء والرثاء والمدح. توفي في عام 284 هجري، ومن بين قصائده التي تعكس مشاعر الحزن، هذه القصيدة:
رَحَلُوا فَأيّةُ عَبرَةٍ لَمْ تُسْكَبِ
أسَفاً وَأيُّ عَزِيمَةٍ لَمْ تُغْلَبِ
قَدْ بَيّنَ البَينُ المُفَرِّقُ بَيْنَنَا
عِشْقَ النّوَى لرَبيبِ ذاكَ الرّبرَبِ
صَدَقَ الغُرَابُ لقد رَأيتُ شُموسَهمْ
بالأمسِ تَغرُبُ في جَوَانِبِ غُرَّبِ
لَوْ كُنتَ شاهدَنا وَمَا صَنَعَ الهَوَى
بقُلُوبِنَا لحَسَدْتَ مَنْ لم يُحبِبِ
شُغلَ الرّقيبُ وَأسْعَدَتْنَا خَلْوَةٌ
في هَجرِ هَجرٍ وَاجتِنابِ تجَنّبِ
فتَلَجلَجتْ عَبَرَاتُهَا ثمّ انْبَرَتْ
تَصِفُ الهَوَى بلِسانِ دَمعٍ مُعْرِبِ
تَشْكُو الفِرَاقِ إلى قَتيلِ صَبَابَةٍ
شَرِقِ المَدامعِ بالفرَاقِ مُعَذَّبِ
أأُطيعُ فيكِ العاذِلاتِ وَكُسْوَتي
وَرَقُ الشّبابِ وَشِرّتي لم تَذْهَبِ
وَإذا التَفَتُّ إلى سِنيَّ رَأيْتُهَا
كمَجَرّ حَبْلِ الخالِعِ المُتَصَعِّبِ
عِشرُونَ قَصّرَها الصّبَا وَأطَالَهَا
وَلَعُ العِتَابِ بِهَائِمٍ لَمْ يَعتَبِ
مَا لي وَللأيّامِ صَرّفَ صَرْفُهَا
حَالي وَأكْثَرَ في البِلادِ تَقَلُّبي
أُمْسِي زَميلاً للظّلامِ وَأغْتَدِي
رِدْفاً عَلى كَفَلِ الصّبَاحِ الأشهَبِ
فأكونُ طَوْراً مَشرِقاً للمَشرِقِ الـ
ـأقْصَى وَطَوْراً مَغرِباً للمَغْرِبِ
وَإذا الزّمانُ كَسَاكَ حُلّةَ مُعدَمٍ
فالبَسْ لهَ حُلَلَ النّوَى وَتَغَرَّبِ
وَلَقَدْ أبِيتُ مَعَ الكَوَاكبِ رَاكِباً
أعْجازَهَا بِعَزِيمَةٍ كالكَوْكَبِ
وَاللّيْلُ في لَوْنِ الغُرَابِ كأنّهُ
هُوَ في حُلُوكَتِهِ وَإنْ لم يَنْعَبِ
وَالعيسُ تَنصُلُ من دُجاهُ كما انجلَى
صِبْغُ الشّبابِ عن القَذالِ الأشيَبِ
حتّى تَجَلّى الصّبْحُ في جَنَباتِهِ
كالمَاءِ يَلمَعُ مِنْ وَرَاءِ الطُّحْلُبِ
يَطْلُبْنَ مُجتَمَعَ العُلا مِنْ وَائلٍ
في ذلكَ الأصْلِ الزّكيّ الأطْيَبِ
وَبَقيّةَ العَرَبِ الّذي شَهِدَتْ لَهُ
أبْنَاءُ إدٍّ بالفَخَارِ وَيَعْرُبِ
بالرّحْبَةِ الخَضرَاءِ ذاتِ المَنْهَلِ الـ
ـعَذْبِ المَشَارِبِ وَالجَنابِ المُعشِبِ
عَطَنُ الوُفُودِ فمُنجِدٌ أوْ مُتهِمٌ
أوْ وافِدٌ مِنْ مَشرِقٍ أوْ مَغرِبِ
ألْقَوْا بجَانِبِهَا العِصِيّ وَعَوّلوا
فيها عَلى مَلْكٍ أغر مُهَذَّبِ
مَلِكٌ لَهُ في كلّ يَوْمِ كَرِيهَةٍ
إقْدامُ غر وَاعتِزَامُ مُجَرَّبِ
وَتَرَاهُ في ظُلَمِ الوَغَى فتَخالُهُ
قَمَرً يَكر عَلى الرّجالِ بكَوْكَبِ
يا مَالِكُ ابنُ المَالكِيّينَ الأُلى
مَا للمَكَارِمِ عَنْهُمُ مِنْ مَذهَبِ
إني أتيتك طالباً فبسطت من
أملي وأنجح جود كفك مطلبي
فَشَبِعْتُ مِنْ بِرٍّ لَدَيكَ وَنَائِلٍ
وَرَوِيتُ من أهْلٍ لَدَيكَ وَمَرْحَبِ
وَغَدَوْتَ خَيرَ حِيَاطَةٍ منّي علَى
نَفسِي وَأرْأفَ بي هُنالكَ مِنْ أبي
أعْطَيْتَني حتّى حَسِبتُ جزِيلَ ما
أعْطَيْتَنيهِ وَدِيعَةً لَمْ تُوهَبِ
فَلْتَشكُرَنّكَ مَذْحِجُ ابنَةُ مَذحِجٍ
مِنْ آلِ غَوْثِ الأكثرِينَ وَجُندُبِ
وَمَتى تُغَالِبْ في المَكَارِمِ وَالنّدَى
بالتّغْلِبِيّينَ الأكَارِمِ تَغْلِبِ
قَوْمٌ إذا قيلَ النَّجاءُ فَما لهُمْ
غَيرُ الحَفائظِ وَالرّدى مِنْ مَهرَبِ
يَمشونَ تحتَ ظُبَا السّيوفِ إلى الوغى
مَشْيَ العِطاشِ إلى بَرُودِ المَشرَبِ
يَتَرَاكَمونَ على الأسِنّةِ في الوَغَى
كالصّبحِ فاضَ على نجومِ الغَيهَبِ
يُنسيكَ جُودَ الغَيثِ جُودُهمُ إذا
عَثَرَتْ أكُفُّهُمُ بِعَامٍ مُجدِبِ
حتّى لَوَ انّ الجُودَ خُيّرَ في الوَرَى
نَسَباً لأصْبَحَ يَنتَمي في تَغلِبِ