قصيدة آخر رسالة حب
يقول الشاعر إبراهيم أحمد الوافي:
قفي قليلًا، اتركي الجرح والعتاب
واصغي لأخر تغريدٍ في الهوى قد نعبا
هذه شجوني، لعلي اليوم أرتبها
على السطور، فلا تستلطفين الغضبا
في أذن هذا الليل ألقيتُ خاطرتي
فخاليت أن الهوى قد صاغها أدبا
أنا سرابٌ، وحبي كالمزنة التي وقفت
لم تحجب الشمس، ولم تستجمع السحبا
أنا دموعٌ، وحبي مقلة كُحِلت
لو نُثر الدمع، سال الكحل وانسكبا
أنا شراعٌ، وقلبي مركبٌ قلقٌ
وأنا غناءٌ، وأذني تجهل الطربا
يا دمعةً في عيون الليل تسألني
عن الحنين، وعن الأمس الذي ذهبا
عن الطيور، وعن الروض الذي ابتسمتْ
به الحياة، وعن الشعر الذي تعبّا
لا تعذليني، فما كانت محبَّتنا
إلا بصيصًا من الأحلام المضطربة
وهل تركنا صدى في أذن حاضرنا
نحيي به الليل، أو نجلو به الصخب؟!
لا، ما أرى يافتاتي في حقائبنا
شيئًا إذا ما صمدنا اليوم مرتقبا
إني وإياك وردٌ لا أريجَ له
حتى الفراش على خديه منتحبا!
تمضي ثواني الليل وقد امتطت أرجلها
والعمر ما زال في جفني مكتئبًا
وأنتِ، يا ساعةً مشلولةً، عبثت
بخاطري وتولت تنكر السببا
ماذا تريدين مني؟ رحلتي تعبتْ
مهاجرًا لم أزل بالحب مغتربًا
أبيعُ في غابة الأحزان أغنيتي
وأشتري لبقايا نارنا حطبا
حتى رجعتُ وأنفاسي معذبة
حزينة وجدار اليأس منتصبا
ولم يهب حبنا عن رحلتي ثمنًا
غير الرماد، فهل نحيا بما وهبا؟!
إذا تأمَّلت يومًا، يا معذِّبتي
هذه الحروف التي لم تعرف الكذبا
فإنها ساعة من خاطري سقطتْ
أضعتها بينما استلهم الهربا
فلتحفظيها لعل الحب يجهلها
عندي (كآخر حرفٍ في الهوى كُتِبا)
قصيدة قصائد عن حب قديم
يقول الشاعر محمود درويش:
-1-
على الأنقاض وردتنا
ووجهانا على الرمل
إذا مرّت رياح الصيف
أشرعنا المناديل
على مهل.. على مهل
وغبنا طيّ أغنيتين، كالأسرى
نراوغ قطرة الطل
تعالي مرةً في البال
يا أختاه!
إن أواخر الليل
تعرّيني من الألوان والظلّ
وتحميني من الذل!
وفي عينيك، يا قمري القديم
يشدني أصلي
إلى إغفاءة زرقاء
تحت الشمس.. والنخل
بعيدًا عن دجى المنفى..
قريبًا من حمى أهلي
-2-
تشهّيت الطفولة فيك.
مذ طارت عصافير الربيع
تجرَّد الشجر
وصوتك كان، يا ما كان،
يأتي
من الآبار أحيانًا
وأحيانًا ينقطه لي المطر
نقيًا هكذا كالنار
كالأشجار.. كالأشعار ينهمر
تعالي
كان في عينيك شيء أشتهيه
وكنت أنتظر
وشديني إلى زنديك
شديني أسيرًا
منك يغتفر
تشهّيت الطفولة فيك
مذ طارت
عصافير الربيع
تجرَّد الشجر!
-3-
.. ونعبر في الطريق
مكبّلين..
كأننا أسرى
يدي، لم أدر، أم يدك
احتس وجعًا
من الأخرى؟
ولم تطلق، كعادتها،
بصدري أو بصدرك..
سروة الذكرى
كأنّا عابرا درب،
ككل الناس،
إن نظرا
فلا شوقا
ولا ندمًا
ولا شرًا
ونغطس في الزحام
لنشتري أشياءنا الصغيرة
ولم نترك لليلتنا
رمادًا.. يذكر الجمرا
وشيء في شراييني
يناديني
لأشرب من يدك ترمد الذكرى
-4-
ترجّل، مرة، كوكب
وسار على أناملنا
ولم يتعب
وحين رشفت عن شفتيك
ماء التوت
أقبل، عندها، يشرب
وحين كتبت عن عينيك
نقط كل ما أكتب
وشاركنا وسادتنا..
وقهوتنا
وحين ذهبت ..
لم يذهب
لعلي صرت منسيًا
لديك
كغيمة في الريح
نازلة إلى المغرب..
ولكني إذا حاولت
أن أنساك..
حطّ على يدي كوكب
-5-
لك المجد
تجنّح في خيالي
من صداك..
السجن، والقيد
أراك.. استند
إلى وساد
مهرة.. تعدو
أحسك في ليالي البرد
شمسا
في دمي تشدو
أسميك الطفولة
يشرئب أمامي النهد
أسميك الربيع
فتشمخ الأعشاب والورد
أسميك السماء
فتشمت الأمطار والرعد
لك المجد
فليس لفرحتي بتحيري
حدّ
وليس لموعدي وعد
لك.. المجد
-6-
وأدركنا المساء..
وكانت الشمس
تسرّح شعرها في البحر
وآخر قبلة ترسو
على عينيّ مثل الجمر
_خذي مني الرياح
و قبّليني
لآخر مرة في العمر
.. وأدركها الصباح
وكانت الشمس
تمشط شعرها في الشرق
لها الحناء والعرس
وتذكرة لقصر الرق
_خذي مني الأغاني
واذكريني..
كلمح البرق
وأدركني المساء
وكانت الأجراس
تدق لموكب المسبية الحسناء
وقلبي بارد كالماس
و أحلامي صناديق على الميناء
_خذي مني الربيع
وودّعيني ..
قصيدة حب في الظلام
يقول الشاعر أحمد عبدالمعطي حجازي:
أحبّك؟ عيني تقول أحبّك
ورنّة صوتي تقول،
وصمتي الطويل
وكل الرفاق الذين رأوني، قالوا.. أحب!
وأنت إلى الآن لا تعلمين!
أحبّك.. حين أزفّ ابتسامتي،
كعابر درب، يمر لأول مرة
وحين أسلّم، ثم أمر سريعًا،
لأدخل غرفتني
وحين تقولين لي.. إروي شعرًا
فأرويه ولا أتلفت، خوف لقاء العيون
فإن لقاء العيون على الشعر، يفتح بابا لطير سجين
أخاف عليه إذا صار حرا،
أخاف عليه إذا حطّ فوق يديك،
فأقصيته عنهما!
ولكنني في المساء أبوح
أسير على ردهات السكينة
وأفتح أبواب صدري،
وأطلق طيري،
أناجي ضياء المدينة
إذا ما تراقص تحت الجسور
أقول له.. يا ضياء، ارو قلبي فإني أحب!
أقول له.. يا أنيس المراكب والراحلين أجب
لماذا يسير المحب وحيدًا؟
لماذا تظل ذراعي تضرب في الشجيرات بغير ذراع؟!
ويبهرني الضوء والظل حتى،
أحس كأني بعض ظلال، وبعض ضياء
أحس كأن المدينة تدخل قلبي
كأن كلامًا يقال، وناس يسيرون جنبي
فاحكي لهم عن حبيبي
حبيبي من الريف جاء
كما جئت يومًا، حبيبي جاء
وألقت بنا الريح في الشطّ جوعى عرايا
فأطعمته قطعة من فؤادي،
ومشّطت شعره،
جعلت عيوني مرايا
وألبسته حلمًا ذهبيا، وقلنا نسير،
فخير الحياة كثير
ويأخذ دربًا، وآخذ دربًا،
ولكننا في المسا نتلاقى
فانظر وجه حبيبي،
ولا أتكلم
حبيبي من الريف جاء
واحكي لهم عنك حتى،
ينام على الغرب وجه القمر
ويستوطن الريح قلب الشجر
وحين أعود، أقول لنفسي
غدًا سأقول لها كل شيء!
قصيدة حب آخر
تقول الشاعرة غادة السمان:
اخترعت حبك كي لا أظل تحت المطر بلا مظلة.
زوّرت لنفسي برقيات حب منك!
اخترعت حبك كمن يغني وحيدًا في الظلام
كي لا يخاف.
حين نحب، يصير القلب مأهولاً بالأشباح،
تستحم الذاكرة بالعطر والدمع ورائحة التفاح.
حين نحب، ينتحب الانتظار على طاولة المقهى،
تمر هوادج الماضي في الشارع أمامنا، فنمطرها بالياسمين،
ننسى ضجيج الباعة الجوالين بالميكروفونات،
ونواح سيارات الشرطة والإسعاف وأبواق الأعراس
والجنازات.
لن أرتب موتاي في كهف أعماقي بكامل نياشينهم،
لن أصفهم كعساكر ماتوا في شرخ الحزن،
ولن أجلس لأكتبهم بيد الظلال،
بل سأحبك، ولن أفشل في اختراع هذا الحب!