قصائد شعرية في رثاء الشهداء

الشهداء

الشهداء هم الأفراد الذين ضحوا بحياتهم، وأرواحهم في سبيل رفع راية الله وتعزيز مكانة دينه. فهم الذين يقاومون الظلم والإذلال، ويختارون الموت بدلاً من الخنوع والمهانة. الشهداء هم الذين يصنعون المجد والكرامة التاريخية، وقد أعد الله لهم أجرًا عظيمًا ورفع من قدرهم ومكانتهم، حيث إن الشهادة شرف لا يناله إلا من كانت نيته خالصة لله وكان قلبه خاليًا من الرياء. في هذا المقال، سنستعرض بعضًا من أجمل القصائد التي كتبها الشعراء عن الشهداء.

قصيدة الشهيد

قصيدة الشهيد للشاعر عبدالرحيم محمود، الذي وُلِد في عام 1913م في بلدة عنبتا في فلسطين. درس في مدرسة النجاح حيث علم اللغة العربية. مع اندلاع الثورة في عام 1963م، انضم عبد الرحيم محمود إلى صفوف المجاهدين وترك التعليم، وظل يكتب الشعر الذي يشجع على الجهاد حتى استشهد في معركة الشجرة عام 1948م. أطلق عليه لقب الشاعر الفلسطيني الشهيد، ومن أشهر أبياته:

سـأحمل روحي عـلى راحتي

وألقي بها في مهـاوي الردى

فإمــا حيــاة تســر الصــديق

وإمــا ممــات يغيــظ العــدى

ونفس الشــريف لها غايتان

ورود المنايا ونيــل المنــى

ومــا العيش؟ لا عشـت إن لم أكـن

مخــوف الجنــاب حــرام الحمى

إذا قلــت أصغــى لـي العالمون

ودوى مقـــالى بيـــن الــورى

لعمـــرك إنــي أرى مصــرعي

ولكن أغذ إليــه الخطى

أرى مصـرعي دون حـقي السـليب

ودون بــلادي هو المبتغى

يلــذ لأذنــي ســماع الصليــل

ويبهــج نفسي مســيل الدمــا

وجســم تجـندل فـوق الهضاب

تناوشـــه جارحـــات الفـــلا

فمنــه نصيــب لأســد السـماء

ومنــه نصيــب لأســد الــثرى

كســا دمه الأرض بالأرجوان

وأثقــل بالعطر ريــح الصبـا

وعفــر منــه بهــي الجــبين

ولكن عفــارا يزيــد البهــا

وبــان عــلى شــفتيه ابتســام

معانيــة هــزء بهذه الدنيا

ونــام ليحــلم حــلم الخــلود

ويهنــأ فيــه بــأحلى الرؤى

لعمــرك هــذا ممــات الرجـال

ومــن رام موتــا شــريفا فــذا

فكــيف اصطبـاري لكيـد الحـقود

وكــيف احتمــالى لســوم الأذى

أخوفــا وعنــدي تهــون الحيـاة

وذلا وإنــــي لـــرب الإبـــا

بقلبــي ســأرمي وجــوه العـداة

فقلبــي حــديد ونــاري لظــى

وأحــمي حيــاضي بحـد الحسـام

فيعلــم قــومي بأنــي الفتــى

شهداء الحرية

قصيدة شهداء الحرية من تأليف الشاعر بدر شاكر السياب، الذي وُلِد في عام 1925م في قرية جيكور بمحافظة البصرة. يُعَدُّ السياب من أبرز الشعراء العرب وله العديد من المؤلفات، منها: “شناشيل ابنة الجلبي”، و”أزهار ذابلة”، و”حفّار القبور”، و”المعبد الغريق”، وكذلك “الأسلحة والأطفال”. ومن ضمن قصائده الشهيرة “شهداء الحرية”، حيث يقول:

شهيد العلا لن يسمع اللوم نادبه

وليس يرى باكيه من قد يعاتبه

طواه الردى فالكون للمجد مأتم

مشارقه مسودة ومغاربه

فتى قاد أبناء الجهاد إلى العلا

وقد حطمت بأس العدو كتائبه

فتى همه أن يبلغ العز موطن

غدا كل باغ دون خوف يواثبه

فتى يعرف الأعداء فتكة سيفه

قد فتحت فتحا مبينا مضاربه

فتى ما جنى ذنبا سوى أنه انتضى

حساما بوجه الظلم ما لان جانبه

إذا ذكروا في جحفل الحرب يونسا

مشى الموت للأعداء حمرا سبائبه

لقد باع للعرب النفوس ثلاثة

فقروا ودمعي لا تقر غواربه

فآة على من ودع الصحب واغتدى

على يونس فليطلق الدمع حاجبه

وآه على نسر أهيض جناحه

وكم ملأت أفق العراق عصائبه

لئن غيبوا جثمان محمود في الثرى

فما غيبوا المجد الذي هو كاسبه

ولهفي على فهمي وما كان خطبه

يهون وإن هانت لديه مشاربه

شهيد رأى الطغيان يغزو بلاده

فهب وقاد العزم جنداً يحاربه

أيشنق من يحمي الديار بسيفه

وتغدو على كسب المعالي ركائبه

رجال أباه عاهدوا الله أنهم

مضحون حتى يرجع الحق غاصبه

أراق عبيد الإنجليز دماءهم

فيا ويلهم ممن تخاف جوالبه

أراق عبيد الإنجليز دماءهم

ولكن دون الثأر من هو طالبه

أراق ربيب الإنجليز دماءهم

ولكن في برلين ليثا يراقبه

رشيد ويا نعم الزعيم لأمة

يعيث بها عبد الإله وصاحبه

لأنت الزعيم الحق نبهت نوما

تقاذفم دهر توالت نوائبه

قصيدة الشهداء

قصيدة الشهداء من كتابة الشاعر عادل نايف البعيني، وهو كاتب لغوي وصحفي وشاعر لبناني وسوري، حاصل على إجازة في الأدب العربي ودبلوم تأهيل تربوي، وهو مدرّس للأدب العربي. لديه مؤلفات عدة، من بينها “همس فوق ضفاف النور” و”المعين في الإنشاء والتعبير”. ومن أبرز أبياته في القصيدة:

يا فارساً عرشَ العُلا تتربَّعُ

صُمُّ الجبالِ أمامَ عزمِكَ تَركعُ

أذللْتَ حُبَّاً للحياةِ ونزعةً

وهَببْتَ طوعاً عن دِيارك تَدْفعُ

ظَمِئَتْ جراحُك للعُلا فسَقَيْتَها

نبلاً ومَجْدا بالشَّهادَةِ يُتْرَعُ

وَسَعَيْتَ للأَمجادِ تَطْرُقُ بابَها

بابُ الشَّهادةِ خير بابٍ يُقْرَعُ

وإذا الكرامةُ والنَّبالةُ و الفِدا

إكليلُ غارٍ فوقَ هامِكَ يُوضَعُ

مَنْ كالشَّهيدِ وقدْ سَمَت أخلاقُهُ

هذا نِداؤهُ للعُلا فلْتَسْمَعوا

فعلامَ يا وَطَنَ العُروبةِ صامِتٌ

ووِصَالُ شعبِكَ تِلْوَ بعْضٍ تُقْطَعُ

أَسْرِجْ خُيُولكَ قَد كفاكَ تبَاطُؤاً

كُنْ كالشَّهيدِ وَقَدْ جَفاهُ المضْجَعُ

هِي لِلشّهادَةِ مُنْذُ كانتْ أرْضُنا

وَسَتَبْقى دَوْما للشَّهادَةِ تنْزَعُ

هادي و وَجْدي مِشْعَلا بيّارَةٍ

وسناءُ نجمٌ قَدْ هوى يتضوّعُ

حيُّوا الشّهيدَ و قَبِّلوا أجفانَهُ

ودَعوا الورودَ على جِراحهِ تَهْجَعُ

لا تَدْفِنوه دَعُوهُ في عَلْيائِهِ

عَلَماً بِنورِ إبائِهِ نَتَطَلَّعُ

نِعْمَ الشَّهِيدُ وَقَدْ شَهِدْنا عُرْسَهُ

لا لِلدموعِ وبِئْسَ عيْناً تَدْمَعُ

فَتَهَلَّلي أمَّ الشَّهيدِ وَزَغْرِدي

فالْيَومَ أعْراسُ الدُّنا تَتَجَمَّعُ

لا تقلِقوهُ بِماءِ أعْيُنكمْ فقَدْ

ساءَ الشَّهيدُ بأَنْ يزَفَّ وتَجْزعُوا

يا فارساً بَذَلَ الحياةَ رخيصَةً

بُورِكْتَ شِبلاً لِلْمَعَاليَ تَنْزعُ

دَمُكَ المنارةُ تَهتدي بِشعَاعِها

سُفُنُ الفِداءِ المارداتُ الشُّرَعُ

فَتَوسَّدِ الجَوزاءَ في عِزٍّ وكُنْ

كالشَّمسِ شامِخةً تهِلُّ وتسطَعُ

شكرتك في أجداثها الشهداء

الشاعر أحمد شوقي، المعروف كأمير الشعراء، وُلد وتوفي في القاهرة، وله قصائد في مجالات متعددة كالوصف، والغزل، والمديح، والرثاء. ومن أعماله الشهيرة قصيدته “شكرتك في أجداثها الشهداء”، حيث ورد فيها:

شكرتك في أجداثها الشهداء

وترنمت بثنائك الأحياء

إن كان في تلك الجماجم ألسن

لم تبل فهي تحية ودعاء

أو كان ينبت في التراب محامد

نبت الثنا لك منه والإطراء

حبست يتامى دمعها وأرامل

لما تنقل في القرى البشراء

وتقول كل حزينة في خدرها

ذهب القاسة وجاءنا الرحماء

فَمَن البشير إلى عظام في الثرى

دُفنت وطاف بها بِلىً وعفاء

بكر القضاء مقرّبا آجالها

إن الحياة أو الممات قضاء

ما فات من بؤس البسوس وشؤمها

أحيت مساوئ عهده الورقاء

طاحت نفوس في سبيل حمامة

دخلت عليها أيكها الغرباء

كان الدفاع مذلة وجبانة

ليت المداره يوم ذاك نساء

سُرعان ما ختم الدفاع القول بل

سرعان ما قتلت به البراء

خلت العشية في السجون أسِرّة

يا ليتها للظالمين وِطاء

هانت عليهم في سبيل رقيهم

مهج مضت مظلومة ودماء

قد أسرفوا في حكمهم وتعسفوا

ما شاء ذلكمو العميد وشاءوا

زرق الجلاليب الذين يحبهم

هم منه في حفر القبور براء

فعلت رعايته بهم ووداده

ما ليس تفعل بعضه البغضاء

أمع المشانق رحمة ومودّة

ومع السياط صداقة ووفاء

أسفرتَ عن فرج البلاد وأهلها

صبحَ الجلوس لك النفوس فداء

العفو غُرتك السنية في الورى

والحلم شيمة ربك الغرّاء

لما بدت منك السعود تمزقت

تلك القيود وأُطلق السجناء

مولاى مصر تجملت وتزينت

لجلوسكم فكأنها الجوزاء

الكهرباء من القلوب سرت إلى

أرجائها فأضاءت الأرجاء

وإذا القلوب صفت لمالك رقها

شفّت ونوّرها هوى وولاء

في كل مغدى موكب ومراحه

للنصر والفتح المبين لواء

حيت محياك الكريم شبيبة

مما غرست كريمة زهراء

هي موئل الآمال ما إن جازها

للملك والوطن العزيز رجاء

علمت بأن حقوق عرشك في الورى

حصن لمصر وعصمة ووقاء

وبأن سعيك كان سعى مجاهد

قد خانه الأعوان والنصراء

ودّوا مكانك للغريب إمارة

يأبى الغريب ونفسه السمحاء

ورعية لك في الممالك بَرّة

غمرتهم ومن بيتك الآلاء

فعلُ العرابيين فرّق بيننا

بئس الفَعال وقبِّح الزعماء

من كل مفقود الشعور مذبذب

في بردتيه نميمة ورياء

إن كان منهم في البلاد بقية

فعلى البقية لعنة وبلاء

يا دولة الأحرار ما جاملتنا

إلا وفيك مروءة وسخاء

الخير عند السلام مؤمل

والعون منك يرومه الضعفاء

إن النفوس كما علمت حرائر

كذب الأولى قالوا النفس إماء

والشعب إن مل الحياة ذليلة

هان الرجال عليه والأشياء

لو تقدرين على الحياة وردّها

قلنا عليك الرد والإحياء

فاستغفري الله العظيم فإنما

لذنوبهم يستغفر العظماء

عارٌ فظائع دنشواى وسُبّة

غسلتهما هذى اليد البيضاء