الوداع
يمثل الوداع مشاعر مؤلمة وحزينة، وعندما يأتي ذلك الوقت، تظل الذكريات محفورة في أذهاننا وقلوبنا. فعندما نودع من نحب، يتألم القلب ويتقطع. وقد عبر العديد من الشعراء عن مشاعرهم الناتجة عن الفراق بكلمات رائعة وعبارات مؤلمة، لتصبح أشعارهم من أروع القصائد التي تتحدث عن الوداع والفراق.
ومما شجاني أنها يوم ودعت
قيس بن الملوح، المعروف بلقب “مجنون ليلى”، هو شاعر من العصر الأموي عُرف بجنون حبه لليلى العامرية. ومن قصائده المؤثرة في الفراق، القصيدة التي تتناول وداع محبوبته.
وَمِمّا شَجاني أَنَّها يَومَ وَدَّعَت
تَقولُ لَنا أَستَودِعُ اللَهَ مَن أَدري
وَكَيفَ أُعَزّي النَفسَ بَعدَ فِراقِها
وَقَد ضاقَ بِالكِتمانِ مِن حُبِّها صَدري
فَوَاللَهِ وَاللَهِ العَزيزِ مَكانُهُ
لَقَد كادَ روحي أَن يَزولَ بِلا أَمري
خَليلَيَّ مُرّا بَعدَ مَوتي بِتُربَتي
وَقولا لِلَيلى ذا قَتيلٌ مِنَ الهَجرِ
أعيذك بالرحمن
جميل بن معمر، شاعر من العصر الأموي، عُرف بلقب “جميل بثينة” نتيجة لحبه العميق لبثينة. وكتب مناجاته عن الفراق في قصيدته المعروفة “أعيذك بالرحمن” بعد أن تم زواج محبوبته من شخص آخر.
أَلا نادِ عيراً مِن بُثَينَةَ تَرتَعي
نُوَدِّع عَلى شَحطِ النَوى وَتُوَدِّعِ
وَحُثّوا عَلى جَمعِ الرِكابِ وَقَرِّبوا
جِمالاً وَنوقاً جِلَّةً لَم تَضَعضَعِ
أُعيذُكِ بِالرَحمَنِ مِن عَيشِ شِقوَةٍ
وَأَن تَطمَعي يَوماً إِلى غَيرِ مَطمَعِ
إِذا ما اِبنُ مَلعونٍ تَحَدَّرَ رَشحُهُ
عَلَيكِ فَموتي بَعدَ ذَلِكَ أَو دَعي
مَلِلنَ وَلَم أَملَل وَما كُنتُ سائِماً
لِأَجمالِ سُعدى ما أَنَخنَ بِجَعجَعِ
أَلا قَد أَرى إِلّا بُثَينَةَ هَهُنا
لَنا بَعدَ ذا المُصطافِ وَالمُتَرَبَّعِ
أما الفراق فإن موعده غد
ابن دنينير، شاعر من العصر الأيوبي، وُلد عام 583هـ وتوفي عام 627هـ. وتُعد قصائده عن الفراق من أبرز ما كتب في هذا الموضوع.
أما الفراق فإنّ موعده غد
فإلآمَ يعذل عاذل ويفند
قد ازمعوا للبين حتى أنه
قرب البعاد وحان منه الموعد
فدموع عيني ليس ترقأ منهم
ولهيب قلبي في الهوى لا يخمد
أورثتموني بالنوى من عزكم
ذلا ومثل الذل ما يتعوّد
يا جيرة العلمين قلّ تصبّر
عن وصلكم حقا وعزّ تجلّد
أنى ذكرتكم فصبر غائر
عنكم وقلب في هواكم منجد
أوشمت بارقة الشآم فإنما
بين الأضالع زفرة تتوقّد
يا حبّذا ربع بمنبج إذ غدا
فيه يغازلني الغزال الأغيد
ربع يروح القلب فيه مروحا
والشوق نحو لقائه يتزيّد
ما لذّ لي عيش بغير ربوعه
إلا به عيش ألذّ وأرغد
يا من نأوا والشوق يدنيهم إلى
قلبي وإن بعدوا وإن لم يبعدوا
أصفيتكم في الحبّ محض مودمي
ولها وليس لكم إلّ تودّد
ولربّ لاح في هواكم لم يبت
والجفن منه للفراق مسهّد
قد زاد في عذ لي بكم فكأنّه
سيف عليّ مع الزمان مجرّد
أيروم أن أسلو وسمعي لم يصح
نحو الملام وسلوتي ما توجد
والشيب في رأسي يلوح ومفرقي
والشمل من ريب الزمان مبدّد
والنائباتُ تنوبني لكنما
لا خوف لي منها وذخري أحمد
ملك يدين له القضاء كأنّما
أمر القضاء بما يؤمّم يعقد
ملك على ايام منه سكينة
ولخفه قلب الحوادث يرعد
خفّت حلوم الناس وهو مثقف
وهفت عقول الخلق وهو مسدد
عري الأنام من الناقب فاغتدى
وله المكارم والعلى والسؤدد
نظر الأمور بجانب من طرفه
عزم يضيء وفكرة تتوقّد
اسد إذا احتدم الوغى فسيوفه
بطلى الأعادي منه حقا تغمد
فتكات أغلب في الكريهة باسل
قطعت فؤاد الخصم وهو يلندد
وعزيمة قطع الخطوب مضاؤها
من أن نلم به وراي محصد
شرفا بني مهران بالملك الذي
من دون همته السها والفرقد
الواهبُ الأموال غير مكدّر
ورد الندى فسروره إذ يرفد
فله العطايا الغرّ ليس يشويها
من ومنه أنعم لا تجحد
يهتزّ للمداح حتى أنه
طرب لنظم مديحه إذ ينشد
ثمل بإنشاد القريض كأنه
مصع يغنيه الفريض ويعبد
يا أيها الملك الذي يوجد
وجد الورى للدهر فعلا يحمد
لو لم تكن في الناس لم يكن فيه
جود يرام ولا كريم يقصد
هنئت بالعيد الذي بكم له
عظم الهناء وللورى إذ غيّدوا
فانحروا ولا تنحر عداك فإنما
بعداوة لهم العيوب تعدّد
واسلم لتحيا في جنابك أنفس
والت وتكبت من بقائك حسّد
ألم ترني من بعد هم هممته
أبو طالب، عم الرسول صلى الله عليه وسلم ووالد علي بن أبي طالب، رابع الخلفاء الراشدين، وُلد عام 535م وتوفي عام 619م. وقد كتب قصائد معبرة عن فراقه للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.
ألم تَرَني مِن بعدِهَمِّ هَممْتُهُ
بِفُرقَة ِ حُرٍّ مِن أبِينَ كِرامِ
بأحمدَ لمّا أنْ شَدَدْتُ مَطيّتي
بِرحْلي وقَد ودَّعْتُه بسلامِ
فلمّا بكى والعِيسُ قد قَلُصَتْ بنا
وقد ناشَ بالكفْينِ ثِنْيَ زِمامِ
ذكرتُ أباه ثمَّ رقرقتُ عبرة ً
تَجودُ من العنينِ ذاتَ سِجامِ
فقلتُ تَرَحَّلْ راشداً في عُمومة ٍ
مُواسِين في البأساءِ غيرِ لئامِ
وجاءَ مع العِيرِ التي راحَ رَكْبُها
شَآمي الهوى والأصل غير شآمِ
فلمَّا هَبَطنا أرضَ بُصرى تَشوَّفوا
لنا فَوقَ دورٍ يَنْظرونَ عِظامِ
فجاءَ بحَيرا عندَ ذلك حاشداً
لنا بشرابِ طَيبٍ وطعامِ
فقالَ اجمعُوا أصحابَكُم عندما رأى
فقُلنا جَمعْنا القومَ غير غُلام
يتيمٍ فقالَ ادعوهُ إنَّ طعامَنا
لهُ دُونَكُمْ من سُوقة ٍ وإمامِ
وآلى يمينا بَرَّة إنَّ زادَنا
كثيرٌ عليه اليومَ غيرُ حرامِ
فلولا الذي خَبَّرتمو عن محمدٍ
لكنْتُمْ لدينا اليومَ غيرَ كِرامِ
وأقبلَ رَكْبٌ يطلبونَ الذي رأى
بَحيراءُ رأي العين وسْطَ خيامِ
فثارَ إليهمْ خشيةً لعُرامِهِمْ
وكانوا ذوي بغيٍ معاً وعُرامِ
دَريسٌ وهَمَّامٌ وقد كان فيهمو
زَريرٌ وكلُّ القومِ غير نيامِ
فجاؤوا وقد هَمُّوا بقتلِ محمدٍ
فردَّهُمو عنه بحُسمِ خِصامِ
بتأويلهِ التَّوراة َ حَتَّى تَيقَّنُوا
وقالَ لهم رُمْتُمْ أشدَّ مَرامِ
أَتَبغونَ قَتْلاً للنبيِّ محمَّدٍ
خُصِصْتُم على شؤمٍ بطولِ أثامِ
وإنَّ الذي يختارهُُ منهُ مانعٌ
سَيَكفيهِ منكمْ كيدَ كل طَغامِ
فذلك مِن أعلامِه وبَيانهِ
وليس نِهارٌ واضحٌ كظلامِ
عبث الحبيب وكان منه صدود
العباس بن الأحنف، شاعر من العصر العباسي، وُلد في اليمامة بنجد. أحب فتاة عُرفت باسم فوز، لكونها كثيرة الفوز في المسابقات. ومن قصائده التي تعكس مشاعره في الفراق والوداع.
عَبِثَ الحبيبُ وكانَ مِنهُ صُدودُ
ونأى ولمْ أكُ ذاكَ مِنْهُ أريدُ
يُمسي ويُصبِحُ مُعرِضاً متَغضبِّاً
وإذا قصَدتُ إليهِ فَهوَ يَحِيدُ
ويَضِنُّ عَنّي بالكَلامِ مُصارماً
وبمُهجتي وبما يُريدُ أجودُ
إني أحاذِرُ صَدّه وفراقه
إنّ الفِراقَ على المحبّ شديدُ
يا من دعاني ثمّ أدبرَ ظالماً
إرجِعْ وأنْتَ مُواصِلٌ مَحمودُ
إني لأكثرُ ذكركمْ فكأنّما
بعُرى لساني ذِكركمْ مَعقودُ
أبكي لسُخْطِكِ حينَ أذكرُ ما مضَى
يا ليتَ ماقد فاتَ لي مَردودُ
لا تَقْتُليني بالجَفَاء تَمادِياً
واعنَيْ بأمري إنّني مَجهودُ
ما زالَ حُبّكِ في فؤادي ساكناً
وَلهُ بِزَيدِ تنفُّسي تَردِيدُ
فَيَلِينُ طوراً للرّجاء وتارةً
يَشتدّ بينَ جوانحي ويزيدُ
حَتى برَى جِسمي هواك فما تُرى
إلاّ عِظامٌ يُبّسٌ وجلودُ
لا الحبُّ يَصرِفُهُ فُؤادي ساعةً
عنَه ولا هو ما بقِيتُ يَبيدُ
وكأنّ حبّ النّاسِ عنديَ ساكنٌ
وكأنّهُ بجوانحي مشدودُ
أمسى فُؤادي عندَكمْ ومحلّهُ
عندي فأينَ فُؤادي المفقودُ
ذهَبَ الفُؤادُ فما أحسّ حسيسه
وأظنُّه بوصالكمْ سَيعُودُ
والله لا أبغي سوِاكِ حبيبةً
ما اخضرّ في الشّجرِ المُورّقِ عودُ
لله دَرُّ الغانِياتِ جَفَونَني
وأنا لَهُنّ على الجَفاء ودودُ
يَرعينَ عهدي ما شَهِدتُ فإن أغبْ
يوماً فما لي عندَهنْ عُهودُ