ميلي لصاحبي ريح الشمال
أميل لصاحبي عندما تهب الرياح الشمالية،
وأرغب في أن تعصف الرياح الجنوبية بي.
فويل لي من العذّال، كيف يستطيعون
أن يحتملوا الأمر في خِفّة، فإذا تحدثوا عن العذال بصوت رقيق.
يقولون: لو عزيت قلبك لحرحت!
فأجبتهم: وهل قلوب العاشقين تجفّ؟
دعاني الهوى والشوق حين تلاشى
صوت التغريد في أغصان النهار.
تجاوبت الأوراق عندما استمعت لندائها،
فالكلّ للكلّ مُعين ومجيب.
فقلت: أيا حمام الأيك، لماذا تبكي؟
أأنت غريب أم أن الحبيب قد جفاك؟
تذكرني ليلى على بعد منزلها،
وليلى تتسبب في الشغف للقلوب.
وقد أذهلني أن الصبا لا يردني،
فيما كان الصبا يدعوني فأجابتني.
اُسْتُلبَ قلبي إلا أن فيه ثباتًا،
مثل الغزال في قمة الجبال.
فكلم غزال الجبال فإنه
بدائي وإن لم يشفيني طبيب.
فاحفظي عهدك، فلن أتخلى
عن العهد ما دمتِ موجودة.
إليك عني أيها الهوى المضني
إليك عني، إني هائم وموجع.
ألا ترى كيف أودى بالجسد الألم؟
يا لله قلبي، ماذا قد تُحملني
حر الصبابة وآلامها والأوجاع؟
ضيقت عليّ بلاد الله رغم سعتها،
هل في الأرض موطئ للرجال المضطربين؟
الفراق يؤلمني والشوق يجَرحي،
والدار نازح والشمل متفرق.
كيف السبيل إلى ليلى وقد حُجِبَت،
عَهْدي بها زمانًا ما بين الحجب؟
ذكريات ليلى والسنين الآفلة
تذكرت ليلى والسنين الخوالي،
وأيامًا لم نخشَ على اللهو ناهياً.
ويوم بدا كظل الرمح عندما
قصرت ظله في ليلى فلهاني، وما كنت لاهياً.
في ثمدين لاحّت نار ليلى وصحبتي
بذات الغضى، تُزجي المطيّ النواجيا.
فقال بَصير القوم: ألمحت كوكبًا
ظهر في سواد الليل وحده يميني.
فأجبت: بل نار ليلى توقدت
بعلوّ، وتسامى ضوءها بدا لي.
ليت ركب القوم لم يقطعوا الغضا،
وليت الغضا كان يمشي بهم ليالي.
فيا ليل، كم من حاجة لي مهمةً
إذا جئتكم بالليل لم أدرِ ما هي.
خليلَيّ، إن لا تبكيانِ ألتمس
خليلًا إذا أنزفتُ دمعي بكى لي.
فما أطلعت الأيفاع إلا صبابةً،
ولا أنشد الأشعار إلا تداويًا.
وقد يجمع الله الشتيتين بعدما
يظنان كل الظنّ أن لا يتلاقيّا.
لحى الله أقوامًا يقولون إننا
وجدنا طوال الدهر للحب شافية.
وعهدي بليلى وهي ذات مؤصَّدٍ،
ترد علينا بالعشي المواشيا.
فشبت بنو ليلى وشبت بنو ابنها،
وما زالت روافع ليلى في فؤادي كما هي.
إذا ما جلسنا مجلسًا نستذوقه،
تواشينا حتى أمَلَّ المكانُ.
سقى الله جاراتٍ ليلى تباعدت،
بهن النوى حيث احتللن المطاليا.
ولم ينسني ليلى افتقار ولا غنى،
ولا توبة حتى احتضنت السواريا.
ولا نسوة صبغن كبداء جلعاءً،
لتشبه ليلى ثم عرضنها لي.
خليلَيّ، لا والله لا أملك الذي
قضى الله في ليلى ولا ما قضى لي.
قضاها لغيري وابتلاني بحبّها،
فهلّا بشيء غير ليلى ابتلاني.
وقد خبرتُما أن تيماء منزلٌ
لليلى إذا ما الصيف ألقى المراسي.
فهذه شهور الصيف عنا قد انقضت،
فما للنوى ترمي بليلى المراميا.
فلو أن واشٍ باليمامة داره،
وداري بأعلى حضرموت اهتدى لي.
وماذا لهم لا أحسن الله حالهم،
من الحظّ في تصريم ليلى حباليا.
وقد كنت أعلو حب ليلى فلم يزل
بي النقض والإبرام حتى أعلاني.
فيا ربي سوّي الحب بيني وبينها،
يكون كفافًا لا عليّ ولا لي.
فما طلع النجم الذي يهتدى به،
ولا الصبح إلا هيّج ذكرها لي.
ولا سرت ميلًا من دمشق ولا بدا
سهيل لأهل الشام إلا بدا لي.
ولا سميت عندي لها من سميّةٍ
من الناس إلا بلّ دمعي ردائي.
ولا هبت الريح الجنوب لأرضها،
من الليل إلا بتُّ للريح حانيًا.
فإن تمنعوا ليلى وتحمو بلادها،
عليّ فلن تحموا عليّ القوافي.
فأشهد عند الله أنني أحبها،
فهذا لها عندي فما عندها لي.
قضى الله المعروف منها لغيرنا،
وبالشوق مني والغرام قضى لي.
وإن الذي أملتُ يا أم مالكٍ،
أشعل فؤادي واستهم فؤادي.
أعد الليالي ليلة بعد ليلةٍ،
وقد عشتُ دهرًا لا أعد اللياليا.
وأخرج من بين البيوت لعليّ
أحدثُ عنك النفس بالليل خاليا.
أراني إذا صليتُ يممتُ نحوها،
بوجهي وإن كان المصلّى ورائي.
وما بي إشقاق ولكن حبها،
وعظم الجوى أعيا الطبيب المداوي.
أحب من الأسماء ما وافق اسمها،
أو أشبهه أو كان منه مدانياً.
خليلَيّ ليلى أكبر الحاج والمُنى،
فمن لي بليلى أو فمن ذا لها بي؟
لعَمري لقد أبكيتني يا حمامة العقيق،
وأبكيت العيون البواكيا.
خليلَيّ ما أرجو من العيش بعدما
أرى حاجتي تُشترى ولا تُشترى لي.
وتجرم ليلى ثم تزعم أنني
سَلوت ولا يخفى على الناس ما بي.
فلَم أرَ مثلينا خليلَيْ صبابةٍ،
أشدّ على رغم الأعداء تصافيًا.
خليلانِ لا نرجو اللقاء ولا نرى
خليلين إلا يرجوان تلاقيًا.
وإني لأستحييك أن تعرض المنى
بوصلِك أو أن تعرضي في المنى لي.
يقول أناس لعلي مجنون عامرٍ،
يروم سلوًّا: قلتُ أنا لما بي.
بي اليأس أو داء الهيام أصابني،
فإياك عني لا يكن بك ما بي.
أيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى
أيا هجر ليلى قد بلغت بي المدى،
وزدت على ما لم يكن بلغ الهجر.
عجبتُ لسعي الدهر بيني وبينها،
فلما انقضى ما بيننا سكن الدهر.
فيا حبها زدني جوى كل ليلة،
ويا سلوة الأيام موعدك الحشر.
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها،
وينبت في أطرافها الورق النضر.
ووجه له ديباجة قُرشيّة،
به تكشف البلوى ويستنزل القطر.
ويهتز من تحت الثياب قوامها،
كما اهتز غصن البان والفنّ النضر.
فيا حبذا الأحياء ما دمت فيهم،
ويا حبذا الأموات إن ضمك القبر.
وإني لتعروني لذكراك نفضة،
كما انتفض العصفور بلله القطر.
عسى إن حججنا واعتمرنا وحرمت،
زيارة ليلى أن يكون لنا الأجر.
فما هو إلا أن أراه افجاءة،
فأُبْهَتُ لا عُرفٌ لديّ ولا نكر.
فلو أن ما بي بالحصا فلق الحصى،
وبالصخرة الصماء لانصدع الصخر.
ولو أن ما بي بالوحش لما رعت،
ولا ساغه الماء النمير ولا الزهر.
ولو أن ما بي بالبحار لما جرى،
بأمواجها بحر إذا زخر البحر.
أحبك حبًا لو تحبين مثله
أحبك حبًا لو تحبين مثله،
أصابك من وجدي عليّ جنونُ.
وصرت بقلبٍ عاش أمّا نهاره،
فحزنٌ وأما ليله فأنينٌ.
ألا يا قلب اللجوج المعذل
ألا يا قلب اللجوج المعذل،
أفق عن طلب البيض إن كنت تعقل.
أفق، قد أفاق الوامقون، وإنما
تماديك في ليلى ضلال مُضلّل.
سلا كلّ ذي وُدٍ عن الحب وارعوى،
وأنت بليلى مستهام مُوكّل.
فقال فؤادي: ما اجتَرَرتُ ملامةً
إليك، ولكن أنت باللوم تعجل.
فعينيك لمها، إن عينيك حملت
فؤادك ما يَعيا به المتحمّل.
لحى الله من باع الخليل بغيره،
فقلت: نعم، حاشاك إن كنت تفعل.
وقلتُ لها بالله: يا ليل، إنني
أبرّ وأوفى بالعهود وأوصل.
هبّي أنني أذنبْتُ ذنبًا علمتِهِ،
ولا ذنب لي، يا ليل، فالصفح أجمل.
فإن شئت هاتي نازعيني خصومة،
وإن شئت قتلًا، إن حكمك أعدل.
نهاري نهار طال حتى مللتُه،
وليلة إذا ما جنني الليل أطول.
وكُنتِ كذئب السوء، إذ قال مرةً
لبهمٍ رعت والذئب غَرثان مُرمل.
ألست التي من غير شيء شتمتني،
فقالت: متى ذا قال ذا عام أول؟
فقالت: ولدتُ العام، بل رمت كذبةً،
فهاك فاكلني، لا يُهنيك مأكل.
وكُنتِ كذابِاح العصافير دائمًا،
وعيناه من وجدٍ عليهما تهملا.
فلا تنظري ليلى إلى العين وانظري
إلى الكف ماذا بالعصافير تفعل.