أشهد أن لا امرأة إلا أنت
أشهدُ أن لا امرأة تُبدع في اللعبة مثلما فعلتِ.
تحملين حماقتي لمدة عشر سنوات دون ملل، كما تحمّلتِ.
صبرتِ على جنوني، كما صبرتُ، واعتنقتِ كلّ لحظاتي.
قلمت أظافري، نظمت دفاتري، وأدخلتني روضة الأطفال.
لا وجود لكِ ..
أشهدُ أن لا امرأة تشبهني كصورة مُصورة في الفكر والسلوك سواك.
ولا في العقل والجنون، ولا في الملل السريع والارتباط العميق.
لا توجد من تأخذ من اهتمامي نصف ما أخذتِ،
وتجعليني أسيراً لها كما فعلتِ، وتحرريني أيضاً بنفس الطريقة.
أشهدُ أن لا امرأة تعاملت معي كطفلٍ صغير إلا أنتِ ..
وقدمتِ لي م كل ما أحببت.. من زهور وألعاب.
أنتِ وحدكِ ..
أشهدُ أن لا امرأة كانت كريمة مثلك،
رائعة كالشعر، ودللتني بشكل مُفرط.
وجعلتِ طفولتي تمتد حتى منتصف العمر.
أشهدُ أن لا امرأة تستطيع أن تُدعي أنها النساء.. إلا أنتِ.
فقد كنتِ مركز هذا الكون.
أشهدُ أن لا امرأة تتبعها الأشجار حين تسير،
وأن الحمام يشرب من قلبك البارد.. إلا أنتِ ..
وتأكل الخراف من وسائل حشيش إبطك الصيفي.. إلا أنت.
أشهدُ أن لا امرأة اختصرت بكلمتين قصة الأنوثة،
وأثارت رجولتي بطريقة لم يفعلها أحد سواكِ.
أشهدُ أن لا امرأة أوقفت الزمن عند نهدها الأيمن.
وأشعلت الثورات من الجانب الآخر.. إلا أنتِ.
أشهدُ أن لا امرأة غيّرت قوانين العالم كما فعلتِ.
غَيرت تفاصيل الحلال والحرام.. إلا أنتِ ..
أشهدُ أن لا امرأة تجتاحني في لحظات العشق كموجة زلزال،
تحرقني، تغرقني، تشعلني.. وتُطفيءني.
تقسمني إلى نصفين كما يفعل الهلال.
أشهدُ أن لا امرأة احتلت نصفي بطرق مختلفة،
وأسعدتني لأبعد الحدود.
زرعتني وروداً في دمشق، نعناعاً، وبرتقال..
يا امرأة، اتركي أسئلتي تحت شعرك،
فلم تجيبي على أي سؤال من قبل.
يا امرأة، أنتِ تمثلين اللغات كلها،
لكن لا يُمكن أن تُقال.
أيتها ذات العيون البحرية،
والأيدى الشمعية،
ورائعة الحضور..
أنتِ البيضاء كالفضة،
والزجاج الشفاف.
أشهدُ أن لا امرأة تجتمع عند خصرها العصور.
ألف ألف كوكب يدور حولك..
أشهدُ أن لا امرأة سواكِ، يا حبيبتي،
تتربى على ذراعيها أول الذكور وآخرهم.
أيتها السيدة الشفافة، العادلة، الجميلة،
أشهدُ أن لا امرأة تحررت من قيود الجهل إلا أنتِ.
كسرتِ أصنامهم، وبثّيتِ أوهامهم.
أسقطتِ سلطة الجهل بوجودك..
أشهدُ أن لا امرأة حجبت خناجر القبيلة.
واعتبرت حبي لك خلاصة الفضيلة.
أشهدُ أن لا امرأة جاءت مثلك، تماماً كما انتظرت.
جاء شعرها أطول مما حلمتُ.
وجاء شكل صدرها مطابقًا لكل ما رسمت.
أشهدُ أن لا امرأة خرجت من سُحب الدخان.. إن كانت تدخن،
وطارت كحمامة بيضاء في فكري.
يا امرأة، كتبت عنك كتبًا عديدة،
لكن برغم شعري، ما زلت أنتِ أجمل مما كتبت.
أشهدُ أن لا امرأة أثبتت الحب معي بأعلى مستويات الحضارة،
وأخرجتني من غبار العالم الثالث.
أشهدُ أن لا امرأة سبقتكِ،
حلّت عقدي، وثقفت جسدي،
وحاورته مثلما تحاور القيثارة.
أشهدُ أن لا امرأة سواكِ ..
إلا أنتِ ..
إلا أنتِ ..
إلا أنتِ ..
أغنية الليل
سكن الليل وفي ثوب السكون
تختبئ الأحلام
وأخذ البدر يسعى، وللبدر عيون
ترصد الأيام
فتعالي يا ابنة الحقل، نزور
كرمة العشاق
علنا نطفئ بذاك العصير
حرقة الأشواق
اسمعي البلبل ما بين الحقول
يسكب الألحان
في فضاءٍ نفخت فيه التلول
نسمة الريحان
لا تخافي يا فتاتي، فالنجوم
تكتم الأخبار
وضباب الليل في تلك الكروم
يحجب الأسرار
لا تخافي، فعرس الجن في
كهفها المسحور
هجعت سكرى وكادت تختفي
عن عيون الحور
ومليك الجن إن مر يزول
والهوى يثنيه
فهو مثلي عاشق كيف يبوح
بالذي يضنيه!
وقائلة ماذا لقيت من الحب
وقائلةٍ ماذا لقيت مِنَ الحبِّ
فقلت الرَدى وَالخَوف في البعد وَالقرب
فقالت: عهدتُ الحبَّ يكسب ربَّه
شمائلَ غرّاً لا تنال بلا حبِّ
فقلت لها: قد كان حبّاً فزاده
نفور المهى راءً فأمسيتُ في حرب
وقد كان لي قلب، وكنت بلا هوىً
فلمّا عرفتُ الحبَّ صرتُ بلا قلب.
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام
عذبة أنت كالطفولة كالأحلام،
كاللحن كالصباح الجديد.
كالسماوات الضحوك، كالليلة القمراء،
كالورد، كابتسامة الوليد.
يا لها من وداعة وجمال،
وشباب منعّم أملود!
يا لها من طهارة تبعث التقديس
في مهجة الشقي العنيد!
يالها رقّة تكادُ يرفّ الورد
منها في الصخرة الجلمود!
أيُّ شيء تراك؟ هل أنت “فينيس”
تهادت بين الورى من جديد!
لتعيد الشباب والفرح المعسول
للعالم التعيس العميد!
أم ملاك الفردوس جاء إلى الأرض ليحيي روح السلام العهيد!
أنت.. ما أنت؟ أنت رسم جميل،
عبقريّ من فنّ هذا الوجود،
فيك ما فيه من غموض وعمق
وجمال مقدّس معبود.
أنت.. ما أنت؟ أنت فجر من السحر
تجلّى لقلبي المعمول.
فأراه الحياة في رونق الحسن،
وجلّى له خفايا الخلود.
أنت روح الربيع، تختال في
الدنيا فتهتزّ رائعات الورود،
وتهبُّ الحياة سكرى من العطر
فيما يدوي الوجود بالتغريد.
كلما أبصرتك عيناي تمشين
بخطوٍ موقّع كالنشيد،
خفق القلبُ للحياة، ورفّ الزهرُ
في حقل عمري المجرد.
وأنتشت روحي الكئيبة بالحب
وغنت كالبلبل الغريد.
أنت تحيين في فؤادي ما قد
مات في أمسي السعيد الفقيد.
وتشيدين في خرائب روحي
ما تلاشى في عهدي المجدود.
من طموح إلى الجمال إلى الفن
إلى ذلك الفضاء البعيد.
وتبثين رقة الشوق والأحلام،
والشدو والهوى في نشيدي.
بعد أن عانقت كآبة أيامي
فؤادي وألجمت تغريدي.
أنت أنشودة الأناشيد، غناك
إله الغناءِ ربُّ القصيد.
فيك شبّ الشباب وشّحه السحر،
وشدو الهوى وعطر الورود.
وتراءى الجمال، يرقص رقصاً
قدسيًا على أغاني الوجود.
وتهادت في الأفق روحك أوزانُ
الأغاني ورقةُ التغريد.
فتميلتِ في الوجود كلحنٍ
عبقريّ الخيال، حلو النشيد.
خطواتٌ سكرانةٌ بالأناشيد
وصوتٌ كرجع ناي بعيد.
وقوامٌ يكادُ ينطق بالألحان
في كل وقفةٍ وقعود.
كل شيء موقّعٌ فيكِ، حتى
لفتة الجيد واهتزاز النهود.
أنتِ.. أنتِ الحياةُ في قدسها
السامى وفي سحرها الشجيّ الفريد.
أنتِ.. أنتِ الحياةُ في رقةِ
الفجر في رونق الربيع الوليد.
أنتِ.. أنتِ الحياةُ كل أوانٍ
في رُواء من الشباب الجديد.
أنتِ.. أنتِ الحياةُ فيكِ وفي عينيكِ،
وفي عينيكِ آياتُ سحرها الممدود.
أنتِ دنيا من الأناشيد والأحلام،
والسحر والخيال المديد.
أنتِ فوق الخيال والشعر والفن،
وفوق النُهى وفوق الحدود.
أنتِ قُدْسي ومعبدي وصباحي،
وربيعي ونشوتي وخلودي.
يا ابنة النور، إنني وحيدٌ
من رأى فيكِ روعة المعبود.
فدعيني أعيش في ظلك العذب،
وفي قرب حسنِك المشهود.
عيشة للجمال، والفن، والإلهام،
والطهروالسنا والسجود.
عيشة الناسك البدول يناجي الربّ
في نشوة الذهول الشديد.
وأنحيني السلام، والفرح الروحي،
يا ضوء فجري المنشود.
وارحَمي، فقد تهدّمتُ في كَوْنٍ
من اليأس والظلام المشيد.
أَنقذيني من الأسى، فلقد أَمسيتُ
لا أستطيعُ حملَ وجودي.
في شعاب الزمان، والموت أمشي
تحت عبءِ الحياة جَمَّ القيود.
وأماشي الورى، ونفسي كالقبر،
وقلبي كالعالم المهدود.
لمةٌ ما لها ختامٌ، وهولٌ
شائعٌ في شكونا الممدود.
وإذا ما استخفّني عبثُ الناس
تبسّمتُ في أسى وجمود.
بسمةً مرّةً، كأنّي استلُّ
من الشوك ذابلاتِ الورود.
وانفخي في مشاعري مرحَ الدنيا
وشدِّي من عزمي المجهود.
وابعثي في دمي الحرارة، علّي
أتغنّى مع المنى من جديد.
وأبث الوجود أنغام قلبٍ
بلبليّ، مُكبّل بالحديد.
فالصباح الجميل ينعش بالدِفءْ
حياة المحطّم المكدود.
أَنقذيني فقد سئمتُ ظلامي!
أَنقذيني فقد مللتُ ركودي.
آهِ يا زهرتي الجميلة لو تَدرين
ما جدّ في فؤادي الوحيد.
في فؤادي الغريب تخْلَقُ أكوانٌ
من السحر ذات حسن فريد.
وشموس وضّاءة، ونجوم
تَنثر النورَ في فضاءٍ مديد.
وربيعٌ كأنّه حلم الشاعر في
سكرَة الشّباب السعيد.
ورياض لا تعرف الحَلَك الداجي،
ولا ثورة الخريف العتيد.
وطيرٌ سحري يتناغى
بأناشيد حلوة التغريد.
وقصور كأنها الشفق المخضوب،
أو طلعة الصباح الوليد.
وغيوم رقيقة تتآدَى
كأبداد من نثار الورود.
وحياةٌ شعريةٌ هي عندي
صورة من حياة أهل الخلود.
كل هذا يشيده سحر عينيكِ
وإلهام حسنكِ المعبود.
وحرامٌ عليكِ أن تهدمي ما
شاده الحسنُ في الفؤاد العميد.
وحرامٌ عليكِ أن تسحقي آمالَ نفسٍ يصبو لعیشٍ رغيد.
مِنكِ ترجو سعادة لم تجدها
في حياة الورى وسحر الوجود.
فالإله العظيم فلا يَرجم العبد
إذا كان في جلال السجود.