قصائد نزار قباني حول موضوع الحب المؤلم

قصيدة حزن يغتالني

يقول نزار قباني:

: حزن يغتالني

: وهمٌ يقتلني وظلم حبيب يعذّبني

: آه! ما هذه الحياة التي تفيض بالآلام والجروح التي لا تُشفى

: ودموع تتدفق من العيون

: جرحت خدي وسهرتها، وسلبت مني النوم

: آه يا قلبي، كم أنت صبور على الحبيب، لا تظلم رغم كل ما يجرحك

: وجرحه الكبير الذي لا يندمل، ومع ذلك ما زلت تحبّه

: ورغم كل الشرور، لا تزال تعشقه

: ومع الألم والفجور، ما زالت تنجذب إليه

: رغم ما يحمله من غرور، قلبي، ويحك! إلى متى؟

: أخبرني بالله عليك، إلى متى ستستمر؟ هل ستبقى صامداً، متحملاً، ساهراً ومتفكراً؟

: إلى متى ستكون هذه المعاناة والتذلل؟ كف عن كل ذلك، اتركه كما تركك، واهجر ما هجرت

: وعش كما عشت وعانى كما عانيت، وجرح كما جُرحت

: فقد عانيت كثيراً وصبرت طويلاً على حبيب لا يعرف للحب معنى

: أليس آن الأوان لك يا قلبي أن تتوقف عن هذا العذاب؟

: فالرجاء، يا قلبي، كفّ عن ذلك!

قصيدة علمني حبك

يقول نزار قباني:

: علمني حبك أن أحزن وأنا أحتاج منذ العصور

: لامرأة تجعلني أفرح، لامرأة أبكي على ذراعيها مثل العصفور

: لامرأة تجمع أجزائي كما تجمع شظايا البلور المكسور

: علّمني حبك، سيدتي، أسوأ العادات

: علّمني أن أفتح فنجاني في الليلة آلاف المرات

: وأجرب عطور العطارين، وأطرق أبواب العرافات

: علّمني أن أخرج من بيتي لأمشي في شوارع المدينة

: وأطارد وجهك في الأمطار وأضواء السيارات

: أطارد ثوبك في أثواب الغريبات

: أطارد طيفك حتى في الأوراق الإعلانية

: علّمني حبك كيف أضل أبحث عن شعر غجري تحسده كل الغجريات

: بحثاً عن وجه، عن صوت، هو كل الأوجه والأصوات

: أدخلني حبك، سيدتي، مدن الأحزان

: وأنا الذي لم أدخل سابقاً مدن الأحزان

: لم أعرف قط أن الدمع هو الإنسان، وأن الإنسان بلا حزن كذكرى إنسان

: علّمني حبك كيف أتصرّف كالأطفال، كيف أرسم وجهك بالطبشور على الجدران

: وعلى أشرعة الصيادين، وعلى الأجراس، وعلى الصلبان

: علّمني حبك كيف يمكن للحب أن يغير خارطة الأزمان

: علّمني أني حين أحب، تكفّ الأرض عن الدوران

: علّمني حبك أشياء لم تكن أبداً في الحسبان

: فقرأت قصص الأطفال، دخلت قصور ملوك الجان

: وحلمت أن تتزوجني ابنة السلطان

: تلك العيناها أصفى من مياه الخلجان

: وحلمت أني أخطفها كما يفعل الفرسان، وحلمت أن أهديها أطواق اللؤلؤ والمرجان

: علمني حبك، يا سيدتي، معنى الهذيان

: علمني كيف يمر العمر ولا تأتي بنت السلطان

: علمني حبك كيف أحبك في كل الأشياء، في الشجر العاري، في الأوراق الصفراء الجافة

: في الجو الماطر في الأنواء، وفي أصغر مقهى نحتسي فيه قهوتنا السوداء

: علمني حبك أن ألوذ بفنادق بلا أسماء، ومقاهي بلا أسماء

: علمني حبك كيف الليل يرفع من أحزان الغرباء

: علمني كيف أراها، بيروت، امرأة تلبس كل مساء

: علمني كيف ينام الحزن كفتى مثقوب القدمين في طرق الروشة والحمراء

: علمني حبك أن أحزن وأنا بحاجتي لامرأة تجعلني أستكين

: لامرأة تجمع أجزائي كشظايا البلور المكسور

قصيدة قالت له

يقول نزار قباني:

: قالت له

: أتحبني وأنا ضريرة

: وفي الدنيا بنات كثيرة

: الحلوة والجميلة والمثيرة

: ما أنت إلا مجنون

: أو مشفق على عمياء العيون

: قال: بل أنا عاشق يا حلوتي

: ولا أتمنى من دنيتي إلا أن تصيري زوجتي

: وقد رزقني الله المال

: وما أظن الشفاء محال

: قالت إن أعدت إلي بصري

: سأرضى بك يا قدري، وسأقضي معك عمري

: لكن…

: من يعطيني عينيه

: وأي ليل يبقى لديه

: وفي يوم جاءها مسرعاً

: أبشري، قد وجدت المتبرع

: وستبصرين ما خلق الله وأبدع

: وستوفين بوعدك لي

: وتكونين زوجة لي

: ويوم فتحت عينيها

: كان واقفاً يمسك يديه

: فأطلقت صرختها… أأنت أيضاً أعمى؟

: وبكت حظها الشؤم

: قال: لا تحزني يا حبيبتي، ستكونين عيوني ودليلي، فمتى ستصبحين زوجتي؟

: قالت:

: أأنا أتزوج ضريراً وقد أصبحت اليوم بصيرة

: فبكى

: وقال: سامحيني، من أنا لتتزوجيني؟

: ولكن، قبل أن تتركيني، أريد منك أن تعتني جيداً بعيوني.

قصيدة تناقضات

يقول نزار قباني:

: وما بين حب وحب، أُحبك أنتِ

: وما بين واحدة ودعتني وواحدة ستأتي

: أفتش عنك هنا وهناك، كأن الزمان الوحيد هو زمانكِ أنتِ

: كأن جميع الوعود تصب بعينيك أنتِ

: فكيف أفسر هذا الشعور الذي يعتري صباح مساء

: وكيف تمرين في البال، مثل الحمامة حين أكون بحضرة أحلى النساء؟

: وما بين وعدين، وامرأتين، وبين قطار يجيء وآخر يمضي

: هنالك خمس دقائق أدعوك فيها لفنجان شاي قبيل السفر

: هنالك خمس دقائق أطمئن بها عليك قليلاً، وأشكو إليك همومي قليلاً

: وشتّمت فيها الزمان قليلاً

: هنالك خمس دقائق تقلبين فيها حياتي قليلاً

: فماذا تسميين هذا التشتت، هذا التمزق، هذا العذاب الطويل؟

: وكيف تكون الخيانة حلاً؟ وكيف يكون النفاق جميلاً؟

: وما بين كلام الهوى في جميع اللغات، هناك كلام يقال لأجلك أنتِ

: وشعر سيربطه الدارسون بعصركِ أنتِ

: وما بين وقت النبيذ ووقت الكتابة

: يوجد وقت يكون فيه البحر ممتلئاً بالسنبلة

: وما بين نقطة حبر ونقطة حبر، هنالك وقت ننام معاً فيه، بين الفواصل

: وما بين فصل الخريف، وفصل الشتاء، هنالك فصل أسمّيه فصل البكاء

: تكون فيه النفس أقرب من أي وقت مضى إلى السماء

: وفي اللحظات التي تتشابه فيها جميع النساء

: كما تتشابه كل الحروف على الآلة الكاتبة

قصيدة أقدم اعتذاري

يقول نزار قباني:

أقدم اعتذاري لوجهك الحزين مثل شمس آخر النهار.. عن الكتابات التي كتبتها.. عن الحماقات التي ارتكبتها، عن كل ما أحدثته في جسمك النقي من دمار، وكل ما أثرته حولك من غبار.. أقدم اعتذاري عن كل ما كتبت من قصائد شريرة.. في لحظة انهيار.. فالشعر، يا صديقتي، منفاي واحتضاري.. طهارتي وعاري.. ولا أريد مطلقاً أن توصمي بعاري، من أجل هذا.. جئت، يا صديقتي.. أقدم اعتذاري.. أقدم اعتذاري.

قصيدة أقاوم كل أسواري

يقول نزار قباني:

أقاوم كل أسواري.. أقاوم واقعي المصنوع من قشٍ وفخار.. أقاوم كل أهل الكهف، والتنجيم، والزار.. تواكلهم، تآكلهم، تناسلهم كالأبقار.. أمامي ألف سياف وسياف، وخلفي ألف جزار وجزار.. فيا ربي! أليس هناك من عار سوى عاري؟ ويا ربي؟ أليس هناك من شغل لهذا الشرق.. غير حدود زناري؟؟

قصيدة أيظن أني لعبة بيديه؟

يقول نزار قباني:

أيظن أني لعبة بيديه؟ أنا لا أفكر في الرجوع إليه، اليوم عاد كأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عينيه، ليقول لي: إني رفيقة دربه، وأنني الحب الوحيد لديه، حمل الزهور إلي.. كيف أرد؟ وصباي مرسوم على شفتيه، عدت أذكر.. والحرائق في دمي، كيف التجأت أنا إلى زنديه، خبأت رأسي عنده.. وكأني طفل أعادوه إلى أبويه، حتى فساتيني التي أهملتها، فرحت به.. رقصت على قدميه، سامحته.. وسألت عن أخباره، وبكيت ساعات على كتفيه، ودون أن أدري تركت له يديه، لتنام كالعصفور بين يديه.. ونسيت حقدي كله في لحظة، من قال إني قد حقدت عليه؟ كم قلت إني غير عائدة له، ورجعت.. ما أحلى الرجوع إليه..

قصيدة اكتئاب

يقول نزار قباني:

ليس في ذهني جواب واضح لسؤالاتك، يا سيدتي.. كل ما أعرفه أنني أزداد حزناً حين تزداد عيناك اتساعاً وسواداً.. ما الذي من لغة الشاعر يبقى؟ عندما يستعمل اللون الرمادي مداً؟ ما الذي من عنفوان الشعر يبقى عندما يصبح الكرسي في المقهى.. بلاداً؟ يصبح الكرسي في المقهى.. بلاداً؟ يصبح الكرسي في المقهى.. بلاداً؟

قصيدة تلومني الدنيا إذا أحببته

يقول نزار قباني:

تلومني الدنيا إذا أحببته كأنني.. أنا خلقت الحب واخترعته، كأنني أنا على خدود الورد قد رسمته، كأنني أنا التي.. للطير في السماء قد علمته، وفي حقول القمح قد زرعته، وفي مياه البحر قد ذوبته.. كأني.. أنا التي كالقمر الجميل في السماء.. قد علقته.. تلومني الدنيا إذا.. سميت من أحب.. أو ذكرته.. كأنني أنا الهوى.. وأمه.. وأخته.. هذا الهوى الذي أتى.. من حيث ما انتظرت، مختلفٌ عن كل ما عرفت، مختلفٌ عن كل ما قرأته، وكل ما سمعته، لو كنت أدري أنه.. نوعٌ من الإدمان.. لما أدمنته، لو كنت أدري أنه.. بابٌ كثير الريح.. ما فتحته، لو كنت أدري أنه.. عودٌ من الكبريت.. ما أشعلته، هذا الهوى.. أعنف حبٍ عشته، فليتني حين أتاني فاتحاً يديه لي.. رددته، وليتني من قبل أن يقتلني.. قتلته، هذا الهوى الذي أراه في الليل.. على ستائري.. أراه.. في ثوبي.. وفي عطري.. وفي أساوري، أراه.. مرسوماً على وجه يدي.. أراه منقوشاً على مشاعري، لو أخبروني أنه طفل كثير اللهو والضوضاء.. ما أدخلته، وأنه سيكسر الزجاج في قلبي.. لما تركته، لو أخبروني أنه.. سيضرم النيران في دقائق.. ويقلب الأشياء في دقائق.. ويصبغ الجدران بالأحمر والأزرق في دقائق.. لكنت قد طردته.. يا أيها الغالي الذي.. أرضيتُ عني الله.. إذ أحببته، هذا الهوى أجمل حبٍ عشته، أروع حبٍ عشته، فليتني حين أتاني زائراً.. بالورد قد طوقته، وليتني حين أتاني باكياً.. فتحت أبوابي له.. وبستّه.