ما هي قصة لوحة العشاء الأخير؟ ولماذا لم يضع دافينشي هالة على رأس المسيح؟ هذه الأسئلة طالما حيرت العديد من عشاق الفن والتراث، ليس من معتنقي الديانة المسيحية فقط بل من مختلف الديانات، خاصةً أن اللوحة لها قيمة تاريخية كبيرة للأوروبيين وتمثل نقلة حضارية، وهذا ما سوف نتناوله من خلال موقع سوبر بابا.
قصة لوحة العشاء الأخير
يعد الفن التشكيلي واحد من أهم روافد الجمال وشاهد على جميع العصور، حيث يعبر الفنان بلوحته عن رؤية جمالية وزاوية محددة، البعض يفهمها والبعض لا يتواصل معها، كما هو متعارف عليه أن الفنون جنون؛ لأن الفنان قد يكسر جميع القواعد الفنية ليوصل رسالة معينة قد تكون سابقة لعصره كما هو الحال في قصة لوحة العشاء الأخير.
- تعتبر هذه اللوحة من أهم أعمال العبقري الإيطالي ليوناردو دافنشي، حيث تجسد تلاميذ المسيح الاثني عشر أثناء تناولهم العشاء الأخير وفقًا للعهد الجديد.
- يقصد بالعشاء الأخير هو عشاء عيد الفصح التقليدي عند اليهود، وكان هذا العيد هو الاحتفال الأخير المسيح مع تلاميذه.
- يعتبر المؤرخون هذا الحدث له أهمية كبيرة، حيث كان بداية تأسيس سر القربان وأهدى فيه المسيح خلاصة تعاليمه لتلاميذه قبل الوداع.
- يرجع ذلك العشاء المقدس إلى مدينة القدس في العام الثالث والثلاثين من ميلاد المسيح، كما ورد في الأناجيل الأربعة.
- توضح اللوحة حالة الصراع الإنساني ومواقف البشر المتباينة عندما يتعرضوا لموقف معين.
- لخص دافنشي بعبقرية موقف كل تلميذ من خلال تعبيرات الوجه ولغة الجسد وكأنه عالم نفس وليس رسام، وهذا ما كان سابقًا لفنانين عصره بوقت طويل.
- الهدف من لغة الجسد أنها تعكس بواعث ودوافع كل عنصر من عناصر اللوحة، وتجسد الحالة المقدسة التي كانت تخيم على هذه اللحظات.
اقرأ أيضًا: نقد فني للوحة الموناليزا
تاريخ لوحة العشاء الأخير
بعدما تعرضنا إلى قصة لوحة العشاء الأخير علينا معرفة بعض المعلومات الهامة عن اللوحة مثل تاريخها وأمر التكليف برسمها وموقعها الآن؛ لأن هذا يساعدنا بشكل أكبر على فهم قصة العشاء الأخير.
- يرجع تاريخ اللوحة إلى القرن الخامس عشر الميلادي في الفترة الممتدة بين عامي 1495م و1498م.
- رسم دافينشي هذه اللوحة الجدارية لصالح دير سانتا ماريا ديلي جراتسي في إيطاليا خاصةً مدينة ميلانو.
- تم رسم هذه التحفة التاريخية بتكليف من دوق ميلانو منلودوفيكو سفورزا.
- ما زالت اللوحة موجودة في كنيسة سانت ماريا ديلا غارسيا في ميلانو بدولة إيطاليا حتى يومنا هذا.
- لم تتلف اللوحة ومازالت معالمها بارزة لكنها تضررت بعض الشيء بسبب عوامل التعرية والمناخ.
تقنية رسم لوحة العشاء الأخير
احتاج ليوناردو دافينشي كامل خبرته ومهاراته الفنية العالية لكي يجسد قصة لوحة العشاء الأخير، لما فيها من العديد من الرسائل الفنية والدينية التي أراد توصيلها إلى جانب الاهتمام بالتفاصيل، واختار دافينشي تقنية ساعدت في توضيح لغة الجسد وتعبيرات الوجه لكن تلك التقنية أضعفت اللوحة في مواجهة الزمن.
- رسمت اللوحة على مساحة كبيرة بلغ عرضها 8.8 مترًا وطولها 4.6 مترًا.
- على غير المتوقع نجد أن دافينشي لم يستعمل تقنية الفريسكو في رسم تلك اللوحة، بل استخدم تقنية التلوين المباشر على الجدار.
- ذلك بهدف أن يحصل على الحرية الأكبر في تنوع الألوان وإظهار اللوحة بشكل أفضل، ولكي يوضح التفاصيل التي تساعد في فهم إيحاءات اللوحة.
- لكن هذه التقنية عملت على سرعة تهالك اللوحة كما أنها احتاجت إلى عمليات ترميم متعددة كان أولها بعد عشرين عامًا فقط من إنهائها.
اقرأ أيضًا: دراسة الفنون في كوريا الجنوبية
رسائل دافنشي في لوحة العشاء الأخير
لم يكن ليوناردو دافنشي هو الرسام الوحيد الذي اهتم بقصة العشاء الأخير، فقد تناولها العديد من الفنانين الآخرين في هذا العصر وما قبله، لكن ما يميز دافينشي عن غيره طريقته في التناول والطرح والرسائل الخفية والألغاز الذي يضعها في لوحاته، فإذا وقفت أمام لوحة من عمل دافنشي يجب أن تفكر مرتين.
- كما هو متعارف عليه فإن اللوحة تجسد العشاء الأخير للمسيح، وقد كانت قاعات الطعام في الكنائس والأديرة إبان عصر القرن الخامس عشر ميلاديا يتم تزيينها بلوحة أو منحوتة تجسد صلب المسيح وجدارية تتضمن العشاء الأخير.
- الهدف من ذلك أن يبدو للرهبان أنهم يتناولون الوجبات في حضرة المسيح للمرة الأخيرة، وقد كان معظم الفنانين يجسدون العشاء الأخير من خلال لحظة كسر الخبز؛ لأنها تعتبر اللحظة الأكثر قداسة في هذه المناسبة.
- أما في حالة العبقري السابق لعصره ليوناردو دافينشي كعادته أراد الاختلاف والتميز، لذلك فقد اختار من قصة العشاء الأخير مشهد أكثر قوة، لإضفاء المزيد من الحبكة الدرامية والإثارة والتشويق لهذا الحدث التاريخي.
- لكي يتمكن دافينشي من إتمام الأمر، بدأ في قراءة جميع الأناجيل الأربعة بتمعن شديد، وبعد تفكير طويل وقع اختياره على اللحظة التي يعلن فيها المسيح لتلاميذه أن من بينهم خائن.
- يسقط الخبر على تلاميذه مدويًا ليجسد دافنشي بدقة ردود أفعال الاثني عشر تلميذًا من حوله بحسب شخصية كل منهم، فمثلًا نرى أن فيليب يشير إلى نفسه في تساؤل إذا كان هو ذلك الخائن.
- تظهر شخصية توماس وتعلو وجهه ملامح الغضب بينما يشير بإصبعه إلى أعلى إشارة إلى أن هذه هي خطة الله، كما تجسد اللوحة التلميذ يوحنا أصغر الحواريين سنًا حيث تم رسمه بملامح أنثوية كعادة الرسامين الإيطاليين وقد فقد وعيه.
- أما بطرس فيمسك بسكين بينما يظهر جسده متحفزًا ويتساءل عن الخائن ليقتله، وقد استخدم بطرس هذا السكين في قطع أذن الحارس الروماني دفاعًا عن المسيح.
- لم يتجاهل دافنشي لحظة كسر الخبز بصورة كاملة وإنما يمكن للناظر ملاحظة أنه يشير إلى الخبز، وكأنه يقول كلوا هذا الخبز، ولكن دافينشي جعله يشير باليد الأخرى إلى صحن موجود على المائدة.
- من أهم رسائل اللوحة الحركة الديناميكية لتحويل المشهد بصريًا إلى مشهد متحرك، فمثلًا نجد أن يهوذا يتراجع إلى الخلف عند سماع يسوع وهو يقول لتلميذه فيليب أن الخائن قد أكل معه في نفس الصحن، مما يعني أن الخائن هو يهوذا.
- كما يظهر يهوذا في اللوحة وهو يقبض على سرة والمقصود بها ثلاثين قطعة فضة التي تقاضاها نظير خيانته للمسيح.
اقرأ أيضًا: تعريف الفن التجريدي
أسرار لوحة العشاء الأخير
https://www.elbalad.news/Upload/libfiles/804/1/353.jpg
لا يمكن اعتبار هذه اللوحة مجرد جدارية تهدف إلى تجسد لحظة محددة بصورة فوتوغرافية جامدة، بل تتضمن اللوحة ما هو أكثر من ذلك بكثير، من النظرة الأولى إليها يمكن أن نرى سلسلة أحداث المتوالية.
- فقد استطاع دافينشي تجسيد اللحظات السابقة والتالية لتلك اللحظة في لوحة واحدة.
- حيث يظهر من خلال ملامح التلاميذ بعض التغيرات التي تمكن الناظر من سماع الهمسات والصياح والفوضى.
- تجسد اللوحة وقع الخبر والآثار النفسية التي سببها والتي عمت المكان عندما علموا أن من بينهم خائن.
- قد أظهرت ترميمات اللوحة أن دافينشي قد كتب أسماء الحواريين فوق رؤوسهم، كما أكدت تلك المسودات الورقيّة التي رسمت عليها اللوحة بصورة مبدئية نفس المعلومة.
- السر في عبقرية هذه الجدارية هو الحركة والديناميكيّة الدقيقة والمتفردة في حركة الشخصيات ويعد هذا هو سبب غياب الكأس عن المائدة، كما نراه دائمًا في اللوحات التي تصوّر قصة العشاء الأخير.
- جاءت بعض الملاحظات الأخرى في لوحة العشاء الأخير من قبل الباحثين والخبراء، عندما وجدوا أن دافينشي قد تعمد رسم المسيح بدون هالة على رأسه؛ قاصدًا بذلك أن يسوع بشريًا فانيًا وليس خالدًا مقدسًا.
- هناك الكثير من الرسائل المخفية والألغاز حول اللوحة، ولكن الرسالة السرية الأكثر إقناعا قد تم فك شفرتها على يد خبير الفن الإيطالي جيوفاني ماريا بالا، حيث اكتشف أن اللوحة تتضمن العديد من العناصر التي لا تنتمي إلى المفاهيم المسيحية التقليدية.
- يعتقد جيوفاني أن اللوحة واحدة من لوحات دافينشي التي تحتوي على إشارات تقصد عقيدة سرية غير المسيحية الكاثوليكية المتعارف عليها التي كانت ذات سلطة مطلقة في ذلك العصر.
- يدعي جيوفاني أن دافنشي قد قام بإخفاء بعض النوتات الموسيقية داخل لوحة العشاء الأخير، في أماكن محددة مثل مواضع أيدي التلاميذ وأرغفة الخبز.
- عند القيام برسم أسطر النوتة الموسيقية الخمسة من خلال تلك الأماكن في اللوحة، ثم قرأت من اليسار إلى اليمين تشكل لحن موسيقي صغير يشبه الترنيمة.
قصة لوحة العشاء الأخير تعتبر من أكثر القصص إلهامًا على مر التاريخ، كما أنها كانت سابقة لعصرها بشكل واضح، وتحتاج مدة أطول حتى يتمكن المتلقي من استيعاب رسائلها وقيمتها الفنية.