كن لطيفًا مع الآخرين لتكسب محبتهم

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

تعتبر قصيدة “أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم” واحدة من أطول وأشهر قصائد الشاعر أبو الفتح البستي، حيث تتميز بعذوبتها، وجزالتها، وفصاحتها، وتندرج تحت الشعر الحكمي تحت مسمى “عنوان الحكم”. تبدأ القصيدة بمطلع “زيادة المرء في دنياه نقصان”، وقد تناول الشاعر من خلالها مواضيع تتعلق بتقلبات الدهر وأيامه، داعيًا إلى الهداية والنصح والتبصر. وقد أدت عمق معانيها إلى دراستها وشرحها وترجمتها من قبل العديد من الشعراء، بل تمت ترجمتها إلى الفارسية. في هذا المقال، سنستعرض لكم مزيد من المعلومات حول هذه القصيدة.

الفكرة العامة للقصيدة

يدعو الشاعر من خلال هذه القصيدة إلى ضرورة إصلاح القلوب والنفوس، مشيرًا إلى أن إنجاز هذا الإصلاح يعد بداية الطريق نحو الخير. فالشخص الذي يمتلك نفسًا صالحة يمكنه جذب الناس إليه وكسب قلوبهم.

شرح بعض أبيات القصيدة

من البيت الأول إلى الخامس

زيادة المرء في دنياه نقصان

وربحه غير محض الخير خسران

وكل وجدان حظ لا ثبات له

فإن معناه في التحقيق فقدان

يا عامراً لخراب الدهر مجتهداً

تالله هل لخراب الدهر عمران؟

ويا حريصاً على الأموال تجمعها

أنسيت أن سرور المال أحزان

يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته

أتطلب الربح فيما فيه خسران

يشير الشاعر في هذه الأبيات إلى حكمة مفادها أن كل ما لا يكون لأجل الخير المحض يؤدي إلى خسارة، إذ يفقد الإنسان حظوظ الآخرة. كما يوجه حديثه إلى الذين يسعون جاهدين في هذه الدنيا الفانية، محذرًا من أن هذا الاجتهاد قد يضيع أعمارهم، مما يؤدي لعدم تحقيق الغايات المرجوة. ولا يغفل عن ذكر أولئك الذين يجمعون المال، ليؤكد أن جمع المال قد يتسبب لهم في الألم والهم.

من البيت السادس إلى التاسع

أقبل على النفس واستعمل فضائلها

فأنت بالنفس لا بالجسم إنسان

دع الفؤاد عن الدنيا وزخرفها

فصفوها كدر والوصل هجران

وأوع سمعك أمثالاً أفصلها

كما يفصل ياقوت ومرجان

أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهم

فطالما استعبد الإنسان إحسان

يدعو الشاعر هنا الناس إلى الانفتاح على فضائل نفوسهم واستغلالها. فتركيز الإنسان على فعله للخير تجاه الآخرين، والتخلي عن التعلق بالدنيا وزخرفها، يمثل الأساس لعلاقات إنسانية صحية. كما يحثهم على إعمال العقل وسماع النصائح بتأمل واهتمام، حيث ، ويرى أن الإحسان يولد الحب والود في قلوب الآخرين.

من البيت العاشر إلى الرابع عشر

وإن أساء مسيء فليكن لك في

عروض زلته صفح وغفران

وكن على الدهر معواناً لذي أملٍ

يرجو نداك فإن الحر معوان

واشدد يديك بحبل الله معتصماً

فإنه الركن إن خانتك أركان

من يتقي الله يحمد في عواقبه

ويكفه شر من عزوا ومن هانوا

من استعان بغير الله في طلب

فإن ناصره عجز وخذلان

يوجه الشاعر رسالته إلى مساعدة الآخرين وتلبية احتياجاتهم، موضحًا أن الشخص الحقيقي هو الذي يقدم العون لمن يحتاجه. كما يشدد على أهمية تعزيز العلاقة مع الله، فالتوكل عليه يعتبر سببًا للتوفيق. ويحذر من الاستعانة بأحد غير الله، إذ أن ذلك يؤدي إلى الفشل والإخفاق.

من البيت الخامس عشر إلى التاسع عشر

من كان للخير مناعاً فليس له

على الحقيقة إخوان وأخدان

من جاد بالمال مال الناس قاطبة

إليه والمال للإنسان فتان

من سالم الناس يسلم من غوائلهم

وعاش وهو قرير العين جذلان

من مد طرفاً لفرط الجهل نحو هوى

أغضى على الحق يوماً وهو حزنان

من عاشر الناس لاقى منهم نصباً

لأن أخلاقهم بغي وعدوان

ينفر الشاعر من صفات مثل البخل وممارسة الغش في العلاقات الاجتماعية. فالبخل يبعد الأصدقاء ويقرب المتسلقين. وهو يدعو إلى التحلي بالكرم ليكسب حب الناس، حيث أن الإنسان المخلص والصادق في علاقاته يعيش حياة مليئة بالرضا والسرور.

من البيت العشرين إلى الثاني والعشرين

من كان للعقل سلطان عليه غداً

وما على نفسه للحرص سلطان

ومن يفتش على الإخوان يقلهم

فجل إخوان هذا العصر خوان

يشير الشاعر إلى الصراع بين سلطان العقل وسلطة الشهوات، موضحًا أن الذي يتحكم بعقله يعيش حياة ناجحة، بينما الذي يتبع هواه يفقد كل شيء.

الأساليب البلاغية

تنوعت الأساليب البلاغية في قصيدة الشاعر بين أسلوب الأمر والنهي، كما جاء في قوله: “أحسن إلى الناس”، و”لا تودع السر”، مما يعكس رغبته في النصح والإرشاد. بالإضافة إلى استخدام أسلوب الاستفهام للتعجب أو السخرية، مثل قوله: “أتطلب الربح مما فيه خسران”. كما تم استخدام أسلوب التشبيه والتمثيل في مثل قوله: “ما رعى غنماً في الدو سرحان”، لتقريب المعنى وجعله أكثر وضوحًا. وتضمن أيضًا أساليب أخرى كالنفي في قوله: “لا بالجسم إنسان” والشرط، مما يثري المعاني في القصيدة.