لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم؟ وأين وقعت؟ وما سبب حدوثها؟ وقعت غزوة أحد في الحادي عشر من شهر شوال من العام الثالث للهجرة، بين المسلمين بقيادة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وكفار قريش بقيادة أبي سفيان بن حرب، وحتى الآن تُعرف على أنها من أروع المعارك الإسلامية التي حدثت على مرّ التاريخ، لكن ما السر وراء تسميتها غزوة أحد؟ هذا ما سنعرفه من خلال موقع سوبر بابا.
لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم
وفقًا لما ذاع صيته عن عدد غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم تتباين الأقوال، فقِيل خمس وعشرون، وقِيل سبع وعشرون، وقيل تسع وعشرون، والله أعلم بالصحيح منها، لكن تصنف غزوة أُحد على أنها واحدة من بينهم.
فكانت ثاني غزوة رئيسية وكبيرة خاضها الرسول، وقد سُميت بهذا الاسم بناءً على موقع حدوثها، وهي منطقة من مناطق المدينة المنورة تقع بالقرب من جبل أُحد.
جاء دليلّا يذكر هذا الجبل ولماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم في السُنة النبوية الشريفة من رواية أنس بن مالك رضي الله عنه في أكثر من حديث، من أبرزهم:
- “أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ طَلَعَ له أُحُدٌ، فقالَ: هذا جَبَلٌ يُحِبُّنا ونُحِبُّهُ، اللَّهُمَّ إنَّ إبْراهِيمَ حَرَّمَ مَكَّةَ، وإنِّي أُحَرِّمُ ما بيْنَ لابَتَيْها” صحيح البخاري.
- “أنَّ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وأَبُو بَكْرٍ، وعُمَرُ، وعُثْمَانُ، فَرَجَفَ بهِمْ، فَقَالَ: اثْبُتْ أُحُدُ؛ فإنَّما عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وصِدِّيقٌ، وشَهِيدَانِ” صحيح البخاري.
يقع جبل أُحد في المنطقة الشمالية من المدينة المنورة، وهو السبب الأساسي لتسمية غزوة أُحد بهذا الاسم، فقد بدأ القتال بين المسلمين والمشركين بجانبه.
اقرأ أيضًا: عدد المشركين والمسلمين في غزوة تبوك
سبب حدوث غزوة أحد
في ظل المعرفة لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم جدير بالذكر أنها تعتبر رد اعتبار للمشركين لما حدث لهم في غزوة بدر، وهي الغزوة التي انتصر فيها المسلمين نصرًا فائقًا كسر نفوس المشركين وعزتهم بأنفسهم، مما أثار غضبهم كثيرًا.
لم يتقبلوا الهزيمة قط، حيث ألحقت بهم الأضرار الجسيمة من الناحية المادية والمعنوية على حدٍ سواء، فقد قُتل كبار قريش وزعمائها، وهو ما جعل قريش تصمم على رد اعتبارها بين العرب، وتنتظر الفرصة لمواجهة المسلمين ورد هيبتهم ثانيةً.
رأوا أن الطريقة المُثلى لذلك هي الانتقام من النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكان هناك مجموعة من زعماء قريش هم الأكثر تشجيعًا لقيام الحرب على المسلمين، ومن أبرزهم:
- صفوان بن أميّة.
- عِكرمة بن أبي جهل.
- أبو سفيان بن حرب.
- عبد الله بن أبي ربيعة.
فبدأوا في التجهيز للمعركة، بعد أن حاولوا إقناع أصحاب القبائل التي نجا منها أبو سفيان في غزوة بدر ليشاركوهم الانتقام من المسلمين، ونجحوا في ذلك، ولم يستكفوا بهم فبدأوا في تحريض المزيد من قبائل العرب الأخرى على محمد وأصحابه ليعلوا في قلوبهم نار الانتقام، واستجاب لهم مجموعة، من أبرز أفرادها:
- مسافع بن عبد مناف.
- هبيرة بن أبي وهب.
- أبو عزّة.
لكن يظلّ أبو سفيان بن حرب هو الذي لديه أكبر رغبة وإصرار على مقاتلة الرسول والمسلمين، ولم يهدأ حتى جمّع ثلاثة آلاف فرد من أفراد قريش، وحُلفائها، والأحابيش، وقد أخذوا معهم نسائهم ليثبتوا في أرض المعركة دفاعًا عنهم، ومن ثم اتجهوا إلى المدينة المنورة ونزلوا في منطقة قريبة من جبل أُحد تُعرف باسم العينين.
اقرأ أيضًا: من هو أول فدائي في الاسلام
أحداث غزوة أحد بالتفصيل
بعد الهزيمة النكراء التي وقعت على كفار قريش كانوا يخططون كثيرًا لقتال المسلمين وتخليص حقهم منهم، وقد سخّروا عوائد القافلة التجارية التي استطاع أبو سفيان من تخليصها من أيدي المسلمين في التجهيز والإعداد لجيشه.
حيث وصل عدد مقاتليه إلى 3.000 مقاتل تتنوع قبائلهم ما بين الأحباس، وكنانة، وثقيف، والذين اجتمعوا جميعًا على كراهية الإسلام والرغبة في إلحاق الأذى بالرسول وأصحابه، ومن هنا يُمكننا القول إن أحداث غزوة أحد قد انقسمت إلى ثلاثة مراحل.
1- استشارة النبي للصحابة
في بداية الأمر سمع المسلمون الأخبار حول تجمع قبائل المشركين بالقُرب من جبل أُحد -وهو ما عرفنا أنه سبب تسمية غزوة أحد بهذا الاسم- فذهب كلٌ من المهاجرين والأنصار إلى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- ليستشيروه في الأمر، وقد انقسمت آرائهم إلى نصفين، حتى جاءت على النحو التالي:
- رأي المهاجرين: كان رأيهم هو الخروج من المدينة المنورة ليجتمعوا بالقُرب من جبل أُحد، وهو الرأي المؤيد من قِبل عم النبيّ حمزة بن عبد المطلب.
- رأي الأنصار: استقر على البقاء في المدينة المنورة للدفاع عنها دون الخروج منها، وهو الرأي الذي أيّده عبد الله بن أبي سلول.
في النهاية استقر النبيّ تطبيق رأي المهاجرين، وقد خرج بجيشه إلى المنطقة القريبة من جبل أُحد ليرابطوا، فكان جبل أُحد خلفهم، والمدينة المنورة أمامهم.
2- تكليف النبي للرماة
بدأ النبيّ في إلقاء أوامره على جيش المُسلمين، فكلّف فريق من الرماة بقيادة عبد الله بن جبير -رضي الله عنه- لحماية المُسلمين من الناحية الخلفية لهم، وقد كان عددهم خمسين رامي، وعندما بدأ القتال كان المسلمون هم من يسيطرون على الوضع، حتى أصابوا المُشركين بالجروح.
3- نزول الرماة وانقلاب نتائج الغزوة
كان الوضع ما زال على ما يرام حتى بدأ المشركون يفرّون من موقع الغزوة ويتركون الغنائم، وهو ما أثار شهوة النصر في قلوب المُسلمين، وعندما تيّقنوا من النصر بدأ بعضهم في النزول من الجبل لجمع الغنائم، وهو ما يعكس أوامر النبيّ صلى الله عليه وسلم.
فانكشفت ظهور المسلمين، وهو ما جعل خالد بن الوليد قائد جيش الكفار في هذا الوقت يقوم بعمل التفات على جيش المُسلمين، وهو ما ألحق به أضرارًا جسيمة، حيث استشهد عدد كبير من مقاتل
يه.
ثم بدأ جيش الكفار ينشرون الشائعات بأن النبي -عليه الصلاة والسلام- قد قُتل، وهو ما أزاد حُزن المسلمين وهبّط من عزائمهم، مما تسبب في استشهاد الكثير منهم وخسارة الغزوة، وهو ما يُشير إلى أهمية التحلّي بالثبات، والالتزام بأوامر النبي.
مع العلم أن تفاصيل الغزوة قد جاءت في حديث مرويّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم، على لسان البراء بن العازب:
“جَعَلَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ علَى الرَّجَّالَةِ يَومَ أُحُدٍ -وكَانُوا خَمْسِينَ رَجُلًا- عَبْدَ اللَّهِ بنَ جُبَيْرٍ، فَقالَ: إنْ رَأَيْتُمُونَا تَخْطَفُنَا الطَّيْرُ فلا تَبْرَحُوا مَكَانَكُمْ هذا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ، وإنْ رَأَيْتُمُونَا هَزَمْنَا القَوْمَ وأَوْطَأْنَاهُمْ، فلا تَبْرَحُوا حتَّى أُرْسِلَ إلَيْكُمْ. فَهَزَمُوهُمْ، قالَ:
فأنَا -واللَّهِ- رَأَيْتُ النِّسَاءَ يَشْتَدِدْنَ قدْ بَدَتْ خَلَاخِلُهُنَّ وأَسْوُقُهُنَّ رَافِعَاتٍ ثِيَابَهُنَّ، فَقالَ أَصْحَابُ عبدِ اللَّهِ بنِ جُبَيْرٍ: الغَنِيمَةَ أَيْ قَوْمِ الغَنِيمَةَ؛ ظَهَرَ أَصْحَابُكُمْ، فَما تَنْتَظِرُونَ؟ فَقالَ عبدُ اللَّهِ بنُ جُبَيْرٍ: أَنَسِيتُمْ ما قالَ لَكُمْ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؟
قالوا: واللَّهِ لَنَأْتِيَنَّ النَّاسَ، فَلَنُصِيبَنَّ مِنَ الغَنِيمَةِ. فَلَمَّا أَتَوْهُمْ صُرِفَتْ وُجُوهُهُمْ، فأقْبَلُوا مُنْهَزِمِينَ، فَذَاكَ إذْ يَدْعُوهُمُ الرَّسُولُ في أُخْرَاهُمْ، فَلَمْ يَبْقَ مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ غَيْرُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا، فأصَابُوا مِنَّا سَبْعِينَ …..” صحيح البخاري.
النتائج المترتبة على غزوة أُحد
في ظل التعرف على إجابة السؤال “لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم؟” نجد الكثيرون ممن يقودهم فضولهم ناحية المزيد من التفاصيل المتعلقة بالغزوة، ومن أبرزها النتائج النهائية لها، وما إذا كان المشركين قد حققوا رغبتهم في الانتقام أم لا، وبعد المعرفة بأن الغزوة انتهت بهزيمة المسلمين يُعتقد أن المشركين حققوا رغبتهم بالفعل.
لكنّه اعتقاد خاطئ، فعلى الرغم من الهزيمة التي طالت المسلمين واستشهاد عدد كبير من الصحابة، إلا أن الكفار لم يسعدوا بنصرهم، وقد أجمع البعض من أهل العلم على أن غزوة أُحد لا تعتبر هزيمة بحث المسلمين.
السبب هو أن جني ثمار القتال والرغبة التي نوى عليها العدو هما شروط الحرب، والرغبة الأساسية للمشركين كانت تدمير قوة المُسلمين والانتقام منهم على الصعيد المادي والمعنوي مثلما حدث معهم.
لكن ليس ذلك هو ما انتهت به المعركة، ومن أبرز الدلائل على صحة هذا الاعتقاد أن المُشركين قد عزموا على قتال المُسلمين في اليوم التالي في معركة حمراء الأسد، لكنّهم سرعان ما تراجعوا عن قرارهم ورغبتهم عندما أدركوا استعداد المُسلمين لهم.
اقرأ أيضًا: معلومات دينية عن قصص التابعين
الدروس المستفادة من غزوة أحد
يتردد سؤال لماذا سميت غزوة أحد بهذا الاسم وغيره من الأسئلة المتعلقة بها، وذلك نظرًا لما تحتوي عليه من مواعظ وعِبر يستفيد منها كل من تأمل أحداثها، والتي يُمكن تلخيصها في النقاط التالية:
1- طاعة الله ونبيّه في كل وقت
يجب على كل إنسان أن يمتثل لأوامر الله ويُطيعه هو ورسوله صلى الله عليه وسلم، حيث إن مخالفة أمر النبيّ في الغزوة هي ما أثّرت سلبيًا في نتيجة قتال جيش بأكمله، حتى أنها حوّلت النصر إلى الهزيمة.
2- العفو وعدم التمثيل بالقتلى
في غزوة أحد رأى النبي المشركين وهم يمثلون بجثة عمّه حمزة رضي الله عنه، فجدعوا أنفه، وقطعوا أذنه، وشقوا بطنه، وهو ما سبب له حزنًا شديدًا، وجاء ذلك في حديثٍ برواية أبي بن كعب: “لمَّا كانَ يومُ أحدٍ، أصيبَ منَ الأنصارِ أربعةٌ وستُّونَ رجلاً، ومنَ المُهاجرينَ ستَّةٌ فيهم حمزةُ، فمثَّلوا بِهم“ صحيح الترمذيّ.
فنوى النبي التمثيل بثلاثين رجلًا من المشركين في لقاءٍ آخر، لكن الله أمره بالالتزام أن تكون العقوبة على قدر ما عوقب به، ونبهه إلى أن العفو وعدم رد المظلمة هو الحل الأفضل على الإطلاق.
3- الصبر امتثالًا لأوامر الله
يُعد النبيّ القدوة الأمثل التي يُمكننا الاقتداء بها في كل ما دعانا إليه ديننا الحنيف، ومن أبرز ما كان يتحلى به رغم كل ما يواجه من ابتلاءات وإهانة من قومه والكثير من غير المسلمين إلا أنه كان صابرًا امتثالًا لأوامر الله تعالى.
حيث رغّبه الله في الصبر بقوله تعالى: “وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ۚ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ* إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوا وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ“ الآية 127-128 من سورة النحل.
4- العدل في ردّ الحقوق
عند إتيان الفرصة لأخذ الحق بعد التعرض إلى الظلم يجب ألا نعتدي في ذلك، فنعاقب بأكثر مما عوقبنا به، وقد جاء الدليل على ذلك في قوله تعالى: “وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ ۖ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ“ الآية 126 من سورة النحل.
5- التحلي بالثبات مهما حدث
أعظم شخص يُمكن الاقتداء به في الثبات هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فظلّ يجمع المسلمين ويناديهم ليشجعهم على القتال ومواجهة المشركين رغم كل ما وقع عليه أثناء القتال من إصابات في وجهه، وكسر في رباعيته، ولم يتوقف عن ذلك إلا عندما اجتمع عدد من المسلمين حوله وبدأوا في دفع رماح الكفار وحرابهم.
تعتبر غزوة أحد من أهم الأحداث المُدرجة في تاريخ الغزوات الإسلامية، والتي احتوت على الكثير من المواعظ والدروس المستفادة، نستعين بها في حياتنا حتى الآن.