ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي سنتعرف عليه سويًا لنسترجع أحد أعظم الشخصيات التي عاصرت الرسول، وكان لها من عظيم الأثر في نشر الرسالة، كما سنتعرف على إسهاماته العسكرية لنحاول أن نغطي ما لا تعرفه عنه عبر موقع سوبر بابا.
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي
المسلمين يعرفون عن سلمان الفارسي أنه أحد الصحابة الذين رافقوا النبي في الدعوة والغزوات وأن له دور كبير في غزوة الخندق وأظهر فكرًا عسكريًا جديدًا على العرب، ولكن ما لا يعرفه الكثيرين هو نشأة الصحابي الجليل سلمان الفارسي وقصة دخوله في الإسلام.
أولًا: نشأة سلمان الفارسي
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي أنه من أشد الصحابة قربًا من الرسول عليه السلام وأحد رواة الحديث النبوي الشريف ويعد شاهدًا على مهد الحضارة الإسلامية خاصة في المدينة المنورة، ولقب بهذا الاسم لأنه من بلاد فارس ومن بلد يسمى رامهرمز تحديدًا.
روى البعض أنه -رضي الله عنه- من مدينة أصفهان، وكان اسمه: مابه بن بوذخشان، وكانت ديانته قبل الإسلام هي المجوسية أي ديانة عبادة النار والعياذ بالله، وكان يقوم سلمان الفارسي -رضي الله عنه- قبل أن يهديه الله على الإسلام على تزويد النار بالحطب كما عمل حارسًا لها كي لا تنطفئ.
كان لعائلته شأن كبير في القرية كما كان أبوه من كبارها وقادتها، وكان اسمه دهقان، وكان سلمان الفارسي -رضي الله عنه- أحب أبناء دهقان إليه، وفى يومِ ما انشغل دهقان ببعض أعمال البناء، وطلب من سلمان الفارسي أن يذهب إلى المزرعة لكي يحضر له غرضًا.
فإذا بسلمان يمر بكنيسة في طريقه، وقرر أن يدخل فيها، بعد سماع أصوات الصلاة، فتعلق قلبه بالنصرانية، وأخذه الحوار معهم والتساؤلات حول أصول دينهم حتى غياب الشمس، وقد عرف منهم أن أصل هذا الدين من الشام.
فلما عرف أبوه ما جري في الكنيسة حبسه وقيده خوفًا من تغيير دينه، فقام سلمان بمراسلة النصارى ليخبرهم بما قد حدث له، وطلب منهم اصطحابه معهم إلى الشام في أقرب فرصة.
اقرأ أيضًا: من هو أول فدائي في الاسلام
ثانيًا: رحلة سلمان الفارسي إلى الشام
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي هي رحلته إلى الشام، فلما جاءت الفرصة المناسبة للذهاب إليها، فنزع رضي الله عنه السلاسل من قدميه لشدة رغبته باللحاق بالركب الذي يقصد الشام ليتعرف أكثر على النصارى والنصرانية، ليبحث عن الحقيقة، عندما وصل إلى الشام قام على خدمة أحد الأساقفة ليتعلم منه كل شيء عن النصرانية.
لكنه كان لا يريد أن يُرضي الله بل كان يتاجر بالدين لأغراضه الشخصية، حيث كان يأمرهم بالصدقة ثُمّ يأخُذها، فلما مات أخبرهم سلمان الفارسي -رضي الله عنه- بسوء خلقه، فاستبدلوه بأسقف آخر ولكنه كان على النقيض من الأول حيث لم يرى سلمان في مثل أخلاقه وحبه لله.
لما جاءته سكرات الموت سأله سلمان الباحث عن الحق قائلًا بمن تنصحني أن ألحق؟ فنصحه الأسقف قبل موته، بأسقف آخر يشهد له بالصلاح وظل سلمان يتنقل بين أساقفة النصارى حتى بشره أحد علماء النصارى بوجود نبي سوف يُبعث.
أوصاه هذا الراهب قبل موته بأن يذهب إلى الحرم، المكان الذي سيبعث فيه نبي آخر الزمان والذي بشر به الإنجيل، كما أخبره بعلامات النبوة التي سيتعرف رضي الله عنه من خلالها على أشرف الخلق عليه أفضل الصلاة والسلام.
ثالثًا: وصايا الراهب وعلامات النبوة
كانت أهم تلك العلامات هي ختام النبوة بين كتفي الرسول صلى الله عليه وسلم، كما أخبره الراهب على فراش الموت أن النبي يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، وكان سلمان قد ربح من العمل عند الراهب بعض الأغنام التي يتاجر بها.
كما أخبره الراهب أيضًا بوصف الأرض التي سيجد فيها الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، حيث وصفها بأنّها أرض بين حارتين، ويقع بينهما نخل، أخبره أيضًا أنّه سيُبعث على دين إبراهيم عليه السلام وهي الشريعة الحنيفية، وأنّ هذا النبي سيظهر في أرض العرب.
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي أنه جلس -رضي الله عنه- في عمورية بالشام بعض الوقت حتى جاءته الفرصة للذهاب إلى أرض العرب فأخذو منه ما معه من أغنام، لأنه -رضي الله عنه- كان يعلم أن الحقيقة أغلى وأقيم من أي أموال، ولكن في وسط الطريق ظهر غدرهم به وباعوه عبدًا.
إسلام سلمان الفارسي والوصول للحقيقة
بينما كان سلمان الفارسي مسافرًا إلى أرض العرب وعند مروره بوادٍ بين المدينة والشام يسمى بوادي القُرى، وجد -رضي الله عنه- غدرهم وخيانتهم بعد أن استأمنهم، حيث قاموا ببيعه كعبد إلى رجلٍ من اليهود، فما لا تعرفه عن سلمان الفارسي أنه عاش تعاسة كبيرة جدًا بذاك الوقت.
لكن ليس كل ما نكره يكون شرًا، فمن الممكن أن يكون فيه خيرًا كثيرًا، فقد قال تعالى: “وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” {البقرة:216}.
فقد أخذه اليهودي الذي اشتراه على مدينة النبي صلى الله عليه وسلم، وعندها رأى سلمان النخيل الذي وصفه الراهب، فرح فرحًا كبيرًا حتى برغم أصفاد العبودية لأن الحقيقة بالنسبة له أهم من حريته ومن حياته كلها.
بقيّ سلمان في المدينة المنورة حتى سمع ببعث النبي -صلى الله عليه وسلم- في مكة فكأنما وُلد سلمان من جديد بسماع هذا الخبر حيث أحس بأن النور يملأ قلبه وبأن الهداية تقترب من نفسه، عندها جاء رجل يخبره أن النبي محمد -عليه الصلاة والسلام- قادم إلى المدينة.
عندما علم سلمان بوصول النبي أصابته رعدةٌ من البرد والحُمّى، فلما زار النبي محمد -عليه الصلاةُ والسلام- في مسجد قُباء، وكان يحمل بعض التمر، وقد أخبر النبي بأن هذا التمر لفقراء المسلمين فلم يأخذ منه النبي، بينما لما جاء سلمان بهدية أخذ منها الرسول فعلم سلمان أن العلامتين تحققتا.
ثُمّ تبع سلمان الرسول في جنازة إلى البقيع وهي قبور المسلمين في يثرب، أحس الرسول بفطنته أن سلمان يريد أن يتأكد من خاتم النبوة كشف له عن الخاتم، ليطمئن قلب سلمان، فما كان منه عندما رأى العلامة الثالثة إلا أن رق قلبه وبكى فرحًا بالهداية والوصول إلى الحقيقة أخيرًا.
اقرأ أيضًا: الصحابي الذي ارتد مع مسيلمة الكذاب
قصة تحرر سلمان الفارسي من الرق
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي أن النبي -عليه أفضل الصلاة والسلام- حثّه على تحرير نفسه من الرق بالمكاتبة للتخلص من قيود سيده اليهودي، فذهب سلمان إلى سيده ليتفق معه على المكاتبة، فوافق اليهودي بشرط أن يغرس له ثلاثمئة من النخل بالإضافة إلى أربعين أوقيّة من الذهب، والذي يعد أجرًا مبالغًا فيه وقتها.
فما كان من سلمان إلى أن لجأ إلى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام كعادة جميع المسلمين لم يكن لهم ملجأ إلا رسول الله بعد الله عز وجل، فدعا رسول الله صحابته الكِرام بأن يعينوا أخاهم سلمان في مكاتبته، وما كان من الصحابة إلا السمع والطاعة والتكاتف والتراحم فيما بينهم كما أمرنا رسولنا الكريم.
فسرعان ما جمعوا له النخلات وساعدوه في الحفر، حتى أن النبي عليه أفضل الصلاة والسلام كان يغرس النخل بيده الكريمة، حتى قال سلمان مقولته الشهيرة (فما ماتت واحدةٌ منهُن).
ثم جاءه رجل ببيضة من ذهب كنوع من الدعم ليتحرر من عبوديته فباعها سلمان وكانت تُقدر بأربعين أوقية من الذهب ومن ثم أعطاها لسيّده اليهودي، ليتحرر جسده أخيرًا من العبودية بالذهب، بعد أن حرر الله قلبه بالإسلام.
ذكر البخاري في صحيحه أن سلمان رضي الله عنه تنقّل في عبوديته بين الكثير من الأسياد، فأثنى عليه النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وقال كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة:
(كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَأُنْزِلَتْ عليه سُورَةُ الجُمُعَةِ: {وَآخَرِينَ منهمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بهِمْ} قالَ: قُلتُ: مَن هُمْ يا رَسولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حتَّى سَأَلَ ثَلَاثًا، وفينَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وضَعَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَدَهُ علَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قالَ: لو كانَ الإيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ مِن هَؤُلَاءِ) صحيح مسلم.
سلمان الفارسي يوم الخندق
من المعروف عند المسلمين أن سلمان الفارسي هو من أشار على النبي صلى الله عليه وسلم بحفر الخندق يوم غزوة الأحزاب، حيث بدأت الغزوة عند سماع المسلمون بِقدومِ جيشٍ كبير من المشركين بعد تحزبهم لإعلان الحرب على الإسلام.
فما كان من الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام إلا أن بدأ يشاور أصحابه لأخذ الرأي في كيفية الاستعداد العسكري لمواجهة المشركين، فكانت الواقعة الشهيرة عندما أشار سلمان على النبي بحفر خندق كعادة جيوش الفرس التي يعلمها سلمان جيدًا بحكم نشأته.
كانت فكرة سلمان -رضي الله عنه- أن يقوم المسلمون بحفر خندق عميق في الجهة المتوقع قُدوم جيش المشركين منها، وقد باركها الرسول وأقرها وكانت هذه الفِكرة بمثابة السبب الرئيسي في انتصار جيش المسلمين بعد فضل الله عز وجل.
بدأ جيش المسلمين بحفر خندق عملاق في جهة الشمال للمدينة المنورة، لأنّ باقي الحدود كانت مُحصنة بالنخيل والمباني ولا يتوقع هجوم المُشركين منها، ولم يقتصر دور سلمان الفارسي على الخطة فقط بل امتد دوره إلى العمل الشاق مع الصحابة على قلب رجل واحد حتى تم حفر الخندق بحمد الله.
كما كانت الفكرة جديدة على العرب ولم يسمعوا بها من قبل، مما جعل للمسلمين ميزة عسكرية وحقق لهم عنصر المفاجأة ودعم الروح والعقيدة القتالية التي لا تقهر عند صحابة الرسول عليهم أفضل الصلاة والسلام.
اقرأ أيضًا: من هو الصحابي الذي حج سرًا
أهمية سلمان الفارسي للإسلام
كان سلمان الفارسي ملقبًا بين الصحابة بابن الإسلام وسلمان الخير وكان رضي الله عنه من العلماء الزُّاهدين في الدنيا، شهد غزوة الخندق وكذلك بقية الغزوات وكان له دورًا فعّال فيها جميعًا، كما شارك رضي الله عنه أيضًا في الفتوحات الإسلامية بعد وفاة الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، مثل يوم فتح العراق.
كما تولى سلمان رضي الله عنه المدائن، وله دور كبير في خدمة الرسول عليه أفضل الصلاةُ والسلام، بالإضافة إلى دوره الكبير برواية الأحاديث عن الرسول، كما أخرج له البُخاري أربعة أحاديث.
من شدة فضل هذا الصحابي في الرسالة والدعوة إلى الله، نزلت فيه العديد من الآيات نذكر منها قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 62].
كما أنه كان من الزُّهاد في إمارته، واشتهر عنه أنه كان يأكُل من عمل يده، ويقوم بتقسيم أمواله بين الرعيّة، حتى أنه يُروى عنه أن جاءه ذات يومٍ خمسة آلاف درهم، فوزّعها على رعيته ولم يأخذ لنفسه شيئًا منها وكان حينها أميرًا.
ما لا تعرفه عن سلمان الفارسي أنه أفنى نصف عمره الأول في البحث عن الحقيقة وقضى نصف عمره الثاني في خدمة رسول الله وخدمة دعوته.