ما هي أكبر الكبائر بالترتيب؟ وكيف يُمكن التكفير عنها؟ وهل تختلف الذنوب الكبائر والصغائر في التكفير؟ ذلك أن الله -عز وجل- قد حذّر العبد من ارتكاب الكبائر، وبين أن ذلك يوجب غضب الله على العبد، وبين لنا طريق التوبة والإنابة لكل نادم على ذنبه، فيقبل توبته ويعفو عنه، ما دام رجع إليه سبحانه، ومن خلال موقع سوبر بابا يمكن أن نتحدث عن ذلك.
ما هي أكبر الكبائر بالترتيب؟
إنَّ الله -عز وجل- قد أمرنا بطاعته وبيّن أن فيها صلاح العبد في الدنيا والآخرة، وحذرنا من اقتراف الذنوب، وبيَّن لنا أن هناك كبائر وصغائر للذنوب، وأنَّ الله -عز وجل- يغفر للعبد صغائر الذنب، أما مقترف الكبائر فإنَّ الله قد أعد له عذابًا شديدًا ما لم يتب ويرجع عن تلك الكبيرة.
فقد قال -سبحانه وتعالى- في سورة النساء: “إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)“.
قد بين لنا رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- هذه الكبائر وحذرنا منها حيث قال في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن النبي أنه قال: “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ.” (صحيح البخاري)
فقد بين النبي تلك الكبائر، وقال عنها موبقات أي مهلكات، وذلك لأنها تُهلِك صاحبها وتكون سببًا في دخوله النار.. وقد ذكر النبي أكبر الكبائر بالترتيب في هذا الحديث، وقول النبي عن سبع أصناف فقط، هذا لا يعني أو لا يوجد سواهم، بل ذكرهم للتأكيد عليهم، وزيادة التحذير منهم، أو ربما هذا ما ناسب المقام.
حيث إن النبي -صلى الله عليه وسلم- قد ذكر صُنوفًا أخرى تُعد من كبائر الذنوب في حديث آخر، ويمكن تفصيل القول في أكبر الكبائر بالترتيب على النحو التالي:
1- الشرك بالله
إن الشرك هو أكبر الكبائر التي حذرنا الله -عز وجل- منها، والتي تؤدي إلى هلاك العبد في الدنيا والآخرة، فقد قال تعالى في سورة النساء: “ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا (48)”.
الشرك بالله هو نقيض التوحيد، وهو أن يُشرك أحدًا مع الله -عز وجل- في العبادة، وقد أمر الله بعبادته، وتوعّد من يُشركه في العبادة فقال تعالى في سورة النساء: “ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا“.. فكان الشرك بالله أكبر الكبائر وأعظمها.
اقرأ أيضًا: الكبائر السبع المذكورة في القرآن والسنة
2- السحر وتعلمه وتعاطيه
فالسحر ذنب عظيم وإثم كبير، لما فيه من الخديعة وستر الحقيقة، لذلك فإن الله عز وجل قد نهى عن تعلم السحر وتعليمه للناس، ونهى العبد عن الإيمان بأعمال السحرة، فإن ذلك يوجب الكفر والعياذ بالله.
فقد أجمع الفقهاء على تحريم تعلم السحر وتعليمه أو تعاطيه السحر، وأنه إن كان فيه ما يوجب الكفر من قول أو فعل فإنه يُعد كفرًا بالله عز وجل، كما أن بعض الفقهاء أوجبوا القتل على تعاطي السحر.
كما قد بين الله -عز وجل- الآيات ووضحها من أجل العبرة، ومن ذلك ما فعله اليهود بإتباعهم الشياطين وتعلمهم السحر، فقال عز وجل في سورة البقرة: “وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَىٰ مُلْكِ سُلَيْمَانَ ۖ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَٰكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ… (102)“.
3- قتل النفس
فإن من أكبر الكبائر قتل النفس التي حرم الله قتلها، وإراقة دماء النفس البريئة، وقد نهى الله عز وجل عن ذلك وتوعد القاتل بالعذاب الشديد والخلود في النار بسبب جرمه، فقد قال الله في سورة النساء: “ وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا (93)“.
4- أكل الربا
هو أخذ المال بغير حق، وأخذه ظلمًا وبالباطل، فهو كبيرة من الكبائر وتؤدي للخلود في النار، وذلك لأنه استغلال لحاجة الناس وأخذ المال أضعافًا، وقد نهى الله -عز وجل- عن ذلك فقال في سورة البقرة: “ يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)“.
فإن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهده، كلهم ملعونين وهذا ما بينته السنة، حيث جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود: “ لعنَ رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آكلَ الرِّبا وموكلَهُ وشاهديْهِ وَكاتبَه“.
5- أكل مال اليتيم
قد حذر الله -عز وجل- عباده ونهاهم عن أكل مال اليتيم في كثير من الآيات، وبين عقوبة أكل أموال الناس، وذلك أن الواجب على المرء تجاه اليتيم هو أن يكفله، ويحفظ ماله، ويرعاه ويساعده، لا أن يأخذ ماله بدون وجه حق، وقد بين الله عز وجل عقوبة أكل مال اليتيم.
حيث قال في سورة النساء: “ إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا (10)“.
اقرأ أيضًا: كيفية التعامل مع من وقع في الكبائر والتوبة منه
6- التولي يوم الزحف
هو الفرار من العدو أثناء الحرب، والانسحاب من الجهاد في سبيل الله عز وجل، وهذا إنما هو جُبن وعدم عون للمجاهدين، وإضعاف للدين، حيث أمر بالقتال في سبيله، وأعد الثواب العظيم للمجاهدين، وحذر من التولي يوم الزحف، واستثنى من ذلك الفرار لأجل مكيدة، أو للقاء المسلمين.
حيث قال الله -عز وجل- في سورة الأنفال: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ (15) وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (16)“.
7- قذف المحصنات الغافلات المؤمنات
هو اتهام النساء العفيفات المؤمنات اللاتي لا يَفطِنّ إلى ما يتهمن به من فجور وفحش، ولا يخطر على بالهن الفاحشة، وقد توعد الله -عز وجل- لقاذف المحصنة العفيفة بالعذاب الأليم في الدنيا والآخرة، وأوجب عليه حد القذف.
حيث قال تعالى في سورة النور: “ وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (4)“.. وقال تعالى: “إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (19)“.
8- عقوق الوالدين
هو عدم طاعتهما، وإيذائهما بالقول أو الفعل، وقد أوجب الله -عز وجل- طاعة الوالدين وبرهما والإحسان إليهما، وجعل هذا طريق العبد إلى الجنة، أما عقوقهما فهو من الكبائر الموجبة هلاك العبد في الدنيا والآخرة.
9- شهادة الزور أو قول الزور
فهو قول الكذب والباطل أو قول الشهادة الباطلة، وكانت شهادة الزور من أكبر الكبائر لأنها فيها ضياع لحقوق العباد، والكذب الذي تنهانا عنه شريعتنا، وقد حذرنا الله -عز وجل- من ذلك فقال -سبحانه وتعالى- في سورة الحج: “ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ (30)“.
اقرأ أيضًا: أدعية التوبة النصوحة من الكبائر
كيفية التكفير عن الكبائر
إنَّ الله -عز وجل- من رحمته بعباده، قد ترك لهم باب التوبة والإنابة مفتوحًا لكل من اقترف ذنبًا، سواء كان هذا الذنب كبير أو صغير، وبيّن لنا أن التوبة تجب ما قبلها وأن الحسنات تمحو السيئات، ما دام هذا التائب عاد نادمًا عازمًا على عدم الرجوع لهذا الذنب مرة أخرى.
فارتكاب الكبائر يدخل في ذلك أيضًا، فكيف يمكن التكفير عن ارتكاب الكبائر؟ نقول إنه ليس هناك كفارة من فعل الكبائر، وإنما التكفير عنها يكون بالتوبة والرجوع إلى الله عز وجل.
يستدل على ذلك بقول الله عز وجل في سورة الفرقان: “وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (69) إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (70) وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا (71)“.
فالله قد بيّن لنا أن مرتكب الكبائر إذا تاب وعاد إلى الله فإن الله يقبل توبته، ويبدل سيئاته إلى حسنات، فمن ارتكب كبيرة من الكبائر عليه أن يتوب إلى الله ويندم على ما فعل، ثم يعزم بنية صادقة وقلب خاشع على عدم الرجوع إلى هذا الذنب مرة أخرى، ثم يتوضأ ويصلى صلاة التوبة، أو ركعتي التوبة.
فقد روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: “ما من عبدٍ يُذنبُ ذنبًا ثم يتطهرُ فيحسنُ الطهورَ، ثم يصلِّي ركعتين ثم يتوبُ للَّهِ من ذنبِه، إلا تاب اللهُ عليهِ“.. فعلى العبد أن يحقق شروط التوبة، ويتوب إلى الله -عز وجل- توبة نصوحة قبل أن يُدركه الموت ويلقى الله على معصية.
فقد قال الله -عز وجل- في سورة التحريم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَىٰ رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ يَوْمَ لَا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ۖ نُورُهُمْ يَسْعَىٰ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (8)“.
أما من وافته المنية قبل التوبة والرجوع إلى الله، فإن أمره بين يدي الله عز وجل، إن شاء عذبه، وإن شاء عفا عنه برحمته سبحانه وتعالى، وليس لنا أن نحكم عليه بإيمان أو كفر، ولا بدخول جنة أو خلودٍ في نار.
إنَّ الله -عز وجل- رحيم بعباده.. يغفر زلاتهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، لذلك يجب على العبد أن يتوب إلى الله عز وجل ويعقد على ذلك النية، ويعمل من الأعمال الصالحة ما يشفع له قبل أن تدركه المنية.