إن مذهب الإمام مالك بن أنس من أبرز المذاهب الفقهية المؤثرة، فيتميز بسمات كثيرة عن غيره من المذاهب، تميز بالبعض وتفرد بالبعض الآخر، وكان له تلاميذ عِدة نبغوا وتفردوا في حفظه ودراسته، لذا يجب الإفراد له والتعريف بمذهب المالكية كما تطرقنا من خلال موقع سوبر بابا.
مذهب الإمام مالك بن أنس
هو المذهب المالكي، ثاني المذاهب الأربعة التي اجتمعت الأمة على ثباتهم وعلى إمامة شيوخهم، واعتمد فيه الإمام مالك على القرآن الكريم، والسنة النبوية، والإجماع والقياس، والعادات، وعمل أهل المدينة، والعُرِف، وسد الذرائع، والمصالح المرسلة.
تأسس المذهب على يد الإمام مالك في أوائل القرن الثاني الهجري وانتشر وذاع المذهب على يد تلامذة الإمام، وفاق عددهم الألف تلميذ، ومن أهمهم:
- عبد الرحمن بن القاسم العتقي المصري.
- عبد الرحمن بن وهب.
- أشهب بن عبد العزيز القيسي.
- إسحاق بن فرات.
- يحي بن يحي الليثي.
توسعت قاعدة المذهب وانتشر في الحجاز والمدينة المنورة، وكان الانتشار الأسرع في شمال أفريقيا؛ لانتشار المذهب المالكي في مصر هو القاضي الحارث بن سكين الأثر، كما ذاع المذهب في المغرب الأقصى بسبب تبني دولة المرابطين له.
حيث نشروا الكتب التي تحوي آراء الإمام، مما رسخ قواعد المذهب أكثر فأكثر، وقال ابن حزم في هذا الأمر: “مذهبان انتشرا في بدء أمرهما بالرياسة والسلطان، الحنفي في المشرق، والمالكي بالأندلس”.
مر المذهب المالكي منذ نشأته بالعديد من الأطوار الهامة المؤثرة، مثله كمثل كل المذاهب الفقهية بكل المميزات والعيوب بدايةً بالنشأة وحتى النضوج والاستقرار.
اقرأ أيضًا: من هو إمام القراء
مراحل تطور المذهب المالكي
تمر الأفكار والمذاهب بعدة مراحل، أهمها مرحلة الولادة والنشأة.. فهي حجر الأساس المتين التي ترتكز عليه.
أولًا: مرحلة نشأة وتكوين مذهب الإمام مالك (110هـ – 300هـ)
تبدأ مرحلة النشأة في طورها الأول بجلوس الإمام مالك مجلس الفتوى وتسليم الناس له بالإمامة، وتميزت هذه المرحلة بجمع الروايات والأقوال عن الإمام مالك بن أنس بل وترتيبها في مصنفات.
كانت تعتمد على اجتهادات وتخريجات تلامذة الإمام، وكان من أهم المصنفات هي الأمهات الأربع (المدونة، الواضحة، العتبية، الموازية).
تميزت تلك المرحلة بتبوغ تلامذة الإمام وتلامذة تلاميذُه ومنهم، القاضي (إسماعيل بن إسحاق) المعروف بعالِم العراق وهو مؤلف كتاب (المبسوط) وكان هذا المؤلف هو آخر دواوين تلك المرحلة ظهورًا، حيث امتدت تلك المرحلة ما يقارب قرنين هجريين، كانت مصنفات هذه المرحلة تمثل بشكل شديد سمات مرحلتها.
- الموطأ.
- المدونة.
- الواضحة في السنن والفقه.
- المستخرجة من الأسمعة (العتبية).
- الموازية.
- المجموعة.
- المبسوط في الفقه.
- مختصرات عبد الله بن حكيم.
أتمت المرحلة الأولى المرجو منها وأصبح المذهب ثابت الأساس، قوي الحُجة، فأتت بعده مرحلة التطور.
ثانيًا: مرحلة تطور مذهب الإمام مالك (301هـ – 600 هـ)
كان الراعِ والمحافظ في هذه المرحلة هم نوابغ علماء المالكية؛ فقد قاموا بأهم الأعمال للتعزيز من ثبات المذهب، وكان التطور يطبق ويعرف بمعناه الشامل نظريًا وعمليًا، فقد اندرج تحت هذا التطوير التفريع والتطبيق والترجيح.
اتسمت المرحلة بظهور نزعة الضبط وضرورة التمحيص وأهمية التنقيح والتذهيب والحرص على التلخيص، وسهولة إيصال آراء الإمام لكل متبعي مذهبة المتأثرين بفتاواه.
كانت تلك المراحل كلها ضرورية لمراجعة الأعمال السابقة في مرحلة النشأة والتكوين، فقد كانت بمثابة غربلة وتنقيح شديد الدقة لِما تم جمعُه، وكانت من أشهر المصنفات المختصرة بمرحلة التطور (التفريع لابن جلاب، وتهذيب المدونة لأبي سعيد خلف بن أبي القاسم محمد الأزدي القيرواني).
كانت النهاية الفعلية لتلك المرحلة هي تاريخ وفاة (ابن شاس)، والمختلف حول تاريخ وفاته إمّا عام 610 هـ أو عام 616 هـ، وقد كان ابن شاس رابع أربعة اعتمدهم خليل بن إسحاق وهو مصنف أشهر مختصر في الفقه المالكي، وتتمثل المرحلة بمصنفاتها المهمة التي نبغ بها أعلامها.
- كتب أبي بكر الأبهري.
- التفريع.
- الجامع لمسائل المدونة والأمهات.
- المنتقى شرح الموطأ.
- وثائق ابن العطار.
- المقنع في أصول الأحكام.
- الإعلام بنوازل الأحكام.
أتم رواد مرحلة التطور واجبهم وبذلوا جميع ما في وسعهم على مدار 3 قرون هجرية، وأتى وقت الاستقرار والاتحاد.
ثالثًا: مرحلة استقرار مذهب الإمام مالك (601 هـ – الحاضر)
عند المرور بأمواج التطور والتدقيق يأتي الوقت لمرحلة الاستقرار وانصهار كل الآراء لتصب في مصب واحد كبير لا سبيل فيه للاجتهاد بل للشرح، تلك المرحلة هي مرحلة الحواشي والشرح والتعليقات..
فقد انتهى وقت الجمع والتنقيح وبذل السابقون كل الجهد والعلم في سبيل ضم وجمع وتنقيح أعمال الإمام مالك بن أنس، فاندمجت الآراء وامتزجت المدارس المالكية تحت لواء وكنف الإمام الكبير ذو المذهب الأصيل مالك بن أنس.
وأن إنتاج كتبًا فقهية موحدة تمثل آراء الإمام واجتهاد تلامذته في شرح فتواه اجتهادًا منهم لا تعديل، وكان الجمع هو سمة المصنفات بهذا العصر فكانت ذات سرد طويل وشروح بالهوامش.
- الجامع بين الأمهات (مختصر ابن الحاجب).
- شروح رسالة ابن أبي زيد القيرواني.
- مختصر خليل بن إسحاق.
- تبصرة الحكام في أصول الأفضية ومناهج الحكام.
- الدرر المكنونة في نوازل مازونة.
- الإتقان والأحكام شرح تحفة الحكام.
- مؤلفات المهدي الوزاني.
ما المذاهب تنشأ على أسس واهية، بل يجب لها من أصول ترتكز عليها وما كان للإمام مالك بن أنس سوى القرآن والسنة أساس، ولكنه طعم مسائله بما يزيد ويفضي لتحري دقته وتفسير ما يصعب فهمه.
اقرأ أيضًا: من هو ابن سيرين
أصول مذهب الإمام مالك
كان منحى أصول الإمام منحي فقهاء المدينة، وما كان لنا أمام توسع الإمام في أصوله سوى تقسيمها للإلمام التام بها، وعلى إثره فقد انقسمت أصول مذهب الإمام مالك إلى قسمين.
أولًا: الأصول النقلية
كانت الأحكام الفقهية مُستندة بنسبة كبيرة من الأصول النقلية، وهي:
- القرآن.
- السنة النبوية.
- عمل أهل المدينة (انفرد بها الإمام مالك).
- الإجماع.
ثانيًا: الأصول العقلية
كان من أهم مميزات مذهب الإمام مالك الاجتهادي هو التوسع في الأخذ بالرأي فهو من مدرسة الحديث، وأصوله العقلية متمثلة في:
- القياس.
- الاستحسان.
- المصالح المرسلة.
- سد الذرائع (أكثر الإمام مالك في الاعتماد على هذا الأصل العقلي).
- العرف.
- الاستصحاب.
- قاعدة مراعاة الخلاف.
كما تنوعت أصول الإمام ومراحل نشأة مذهبه تعدد تلامذته، فقسمهم القاضي عياض إلى ستة مدارس حسب أوطان تلامذة الإمام.
اقرأ أيضًا: من هو أول فدائي في الاسلام
المدارس الفقهية في مذهب الإمام مالك
خمسة مدارس صنف بها تلامذة الإمام مالك حسب موطنهم، وقد جاءت على النحو التالي:
أولًا: مدرسة المدينة
هي مدرسة المذهب الأم وبها أبرز تلامذة الإمام، ومن أهمهم على سبيل الذكر لا الحصر:
- عثمان بن عيسى بن كنانة (الجالس في مقعد الإمام بعد وفاته).
- المغيرة المخزومي (مفتي المدينة بعد الإمام مالك).
- ابن الماجشون، ومطرف بن عبد الله الهلالي (أشهر من نشر علم الإمام مالك).
- ابن فرحون (من استعادة به المدرسة نشاطها).
ثانيًا: المدرسة المصرية
أول مدرسة تأسست بعد مدرسة المدينة، ومن أهم تلامذتها:
- عثمان بن الحكم الجذامي، وخالد الجمحي (أول من قدم مصر بمسائل الإمام مالك).
- عبد الرحمن بن القاسم العتقي، وأشهب بن عبد العزيز، وعبد الله بن عبد الحكم (مؤسسو المدرسة الحقيقيون).
ثالثًا: المدرسة العراقية
ظهرت تلك المدرسة بالبصرة، ومن أهم تلامذتها:
- عبد الرحمن بن مهدي.
- عبد الله بن مسلمة القعنبي.
- يعقوب بن أبي شيبة.
- إسماعيل بن إسحاق القاضي.
- أبي بكر الأبهري.
- أبي بكر البقالاني.
رابعًا: مدرسة إفريقية والمغرب الأقصى
كان المذهب السائد في تلك البلاد هو المذهب الكوفي، حتى أتى المذهب المالكي وصبغ البلاد بصبغته، ومن أهم تلامذتها:
- علي بن زياد (مؤسس المدرسة بإفريقية).
- عبد الرحيم بن الأشرس، والبهلول بن راشد، وعبد الله بن غانم (حجر الأساس في بلورة وهيكلة كمذهب الإمام مالك).
- أسد بن الفُرات (مدون فقه مدرسة الإمام مالك).
خامسًا: المدرسة الأندلسية
كان رأي الأوزاعي هو الغالب على الأندلس منذ فتحها إلى أن أتاها مذهب الإمام مالك، ومن أهم تلامذتها:
- زياد بن عبد الرحمن (أول من أدخل مذهب الإمام مالك إلى الأندلس)
- يحيى بن يحيى الليثي (مثبت مذهب الإمام مالك في الأندلس).
- خليل بن إسحاق الجندي.
- ابن الحاجب، وشهاب الدين القرافي (من جمعوا مذهب الإمام مالك).
كانت المدرسة الأندلسية شديدة الاندماج والاتصال مع المدرسة التونسية فاعتمد العلماء المدرستين كمدرسة واحدة.
إن مذهب الإمام مالك مذهب ثاني المذاهب وأميلهم لإعمال العقل نسبة لأصولِه، فهو السهل المُمتنع، المُستقل الواضح لا تشوبِه شائبة حفظه أصحابه وتناقلوه بينهم.