أصل الوجود في فلسفة سقراط
يعتبر سقراط أحد أبرز الفلاسفة اليونانيين، وقد كانت أفكاره لها تأثير عميق على فلسفة أفلاطون. يجدر بالذكر أن سقراط لم يؤلف أي كتب تعرض فلسفته بشكل مباشر. ومع ذلك، سجل أفلاطون في حواراته العديد من المناقشات التي أجراها سقراط مع تلاميذه ومع العامة، وقد تم نقل هذه الأفكار عنه. هناك جدل واسع بين الأكاديميين بشأن مدى دقة الأفكار المعروضة في تلك الحوارات، هل هي تعكس بدقة فلسفة سقراط، أم أنها تحمل طابعًا أفلاطونيًا؟
بالنسبة إلى سقراط، فإن الأشياء تتمتع بماهية محددة تعبر عن حقيقتها كما هي. وقد اعتقد أن الهدف من العلم وأصل الوجود هو فهم الماهيات. ومن المهم الإشارة إلى أن سقراط كان يتحدى الفكر السائد في الفلسفات السابقة، التي درست أصل الوجود من خلال مفهوم العنصر الأول أو السبب الأول، والذي عرف لاحقًا بالأبيرون. ومع ذلك، كان هذا العنصر ماديًا بحتًا؛ حيث قال طاليس إن الماء هو العنصر الأول، في حين اعتبر أنكسميناس أن الهواء هو الأساس.
التحول الفلسفي من خلال سقراط
يمكن اعتبار تفكير سقراط خارج الحدود التقليدية، حيث استنتج أن حقيقة الأشياء ليست مادية، ولا يوجد سبب أولي للوجود. ومن هذا المنطلق، اعتقد أن الأشياء يجب أن تُفهم من خلال وضع مفاهيم أساسية لها. فمثلًا، لا يمكن مناقشة مفهوم العدالة دون تقديم تعريف واضح لها. لذا، كان سقراط شخصية تتسم بكثرة التساؤلات، واهتم بتحديد حدود المفردات والمعاني، وكانت هذه الحدود ضرورية لفهم الحقائق.
قام سقراط بتصنيف الأشياء إلى أنواع وأجناس لتفادي الخلط بينها. ومن خلال ذلك، أسس لأسس المنطق، حيث أكد على أهمية وضوح المفاهيم في محاوراته لفهم ماهية الأشياء قبل الاستنتاج. ويمكن ملاحظة ذلك في أسلوبه الاستفساري عند طرحه الأسئلة حول مفاهيم الأشياء.
وعلى النقيض من السفسطائيين، الذين درسوا فنون الخطابة والجدل أمام شباب أثينا، واستفادوا من المعاني الغامضة مما أدى إلى غموض أصل الأشياء، دعا سقراط إلى ضرورة وجود أساس منطقي واضح. اعتبره الفلاسفة ثائرًا على هذا الاتجاه السفسطائي.
تأثير فلسفة سقراط على أفلاطون
تظهر نظرية المثل الأفلاطونية مدى تأثير سقراط على شمولية أفلاطون. اعتبر سقراط أن المادة تمثل سجنًا للحقيقة، وأن أصل الوجود لا يمكن العثور عليه في العالم المادي. أكد أفلاطون أن العالم المادي لا يتعدى كونه انعكاسًا للحقيقة الموجودة في عالم المثل، والاعتقاد في صحة هذا العالم ليس سوى تزييف للوعي. الإنسان الحكيم لا يمكن أن يكون حكيمًا إلا من خلال ارتباطه بعالم المثل.
بالنسبة لأفلاطون، كانت النفس موجودة في عالم المثل قبل تجسدها، وعرفت معاني الحق والخير والجمال، حيث يمثل كل شيء وجودًا مثاليًا، مثل الحصان، الذي له مثاله الحقيقي في عالم المثل.