من هو الشهيد وما جزاءه؟ وبماذا خصّ الله -عز وجل- الشهداء؟ وما شروط الشهادة في سبيل الله؟ فرض الله الجهاد على العباد على الكفاية، وبين أن من قتل أثناء جهاده.. يُعد من الشهداء الذين اختصهم الله بمزيد من الفضل والجزاء عمن سواهم، ونجيب عن تلك التساؤلات من خلال موقعنا سوبر بابا.
من هو الشهيد؟
بيّنت لنا الشريعة الإسلامية أنه على المرء أن يدافع عن دينه، ويعمل على نصرة شريعته متى تطلّب الأمر ذلك، وفرض الله الجهاد في سبيله من أجل إعلاء كلمته، ونصرة لدينه وشريعته.
فالشهيد هو: “من قُتِلَ بحرب مُباشرةً أو غير مباشرة، أو من قُتِلَ على يد البُغاة أو على يد قُطّاع الطُرُقْ”.
كذلك من قتل بغير حق دفاعًا عن نفسه، أو عرضه، ومن قتل عمدًا، وتعددت الأقوال حول سبب تسمية الشهيد بذلك.
- لأنه شُهد له بالجنة.
- لشهوده أحلك المواقف وأصعبها؛ إعلاءً لكلمة الحق.
- لأن الملائكة تشهد موته.
- لأنه لم يمت بل هو شاهد حي عند ربه.
ذُكر لفظ الشهيد في القرآن جاء في كثير من المواضع، وإن اختلف معناه ومقصده، منها:
- قال تعالى في سورة البقرة: “لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا… (143)“
- قال تعالى في سورة النساء: “مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ۚ وَحَسُنَ أُولَٰئِكَ رَفِيقًا (69(“
- قال تعالى: “فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَىٰ هَٰؤُلَاءِ شَهِيدًا (41)” سورة النساء.
- قال تعالى في سورة ق: “وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ (21)”.
اقرأ أيضًا: ما لا تعرفه عن سبحان الله
فضل الشهيد وجزاءه
بين لنا الإسلام أن الجهاد في سبيل الله من أعظم العبادات وأحبها إلى الله عز وجل، فهي دليلٌ على صدق العبد وإخلاصه لله، ومحبته لدينه، فيخرج قاصدًا إعلاء كلمة الله ونشر دينه، مخلفًا وراه الدنيا بأسرها، لا يكترث لمال ولا ولد.
لذلك كان له مزيد الفضل والمنزلة في الدنيا والآخرة، وأعد له الله خير الثواب والجزاء، وتحقق الإجابة عن سؤال من هو الشهيد وما جزاءه بما يلي:
- أنه حيّ لا يموت بعد استشهاده، فيحيون وينعمون بما آتاهم الله لهم، فقال الله -عز وجل- في سورة آل عمران: “وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (170) ”
- نيله الشفاعة، فإن الله عز وجل منح الشهيد أن يشفع لسبعين من أهله، وتلك مكانه خصّ الله بها الشهيد دون غيره، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه أبو الدرداء: “ يَشْفَعُ الشهيدُ في سبعينَ من أهلِ بيتِه.”
- نعيم القبر، حيث تكون أرواحهم في الجنة تنعم، وقد بين النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك حيث قال: “أنَّ أرواحَ المؤمنين طائرٌ يَسيحُ في الجنَّةِ وأرواحَ الشهداءِ في أجوافِ طيرٍ خُضرٍ تسرحُ في الجنَّةِ حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديلَ معلَّقةٍ تحت العرشِ”.
- دخول الجنة بلا حساب ولا سابقة عذاب، فمن جزاء الشهيد أنه معصوم من فتنة القبر، وأنه يخلد في الجنة، ويحرم على النار، ويغفر له ربه جميع سيئاته.
فتحدث القرآن عن منازل الشهداء، وبين ما أعده الله لهم من الجزاء والثواب.
- قال الله تعالى في سورة آل عمران: “فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ ۖ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ ۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّنْ عِندِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ (195)”.
- كما بين النبي -صلى الله عليه وسلم- جزاء الشهيد في الحديث الذي رواه عُبادة بن الصامت أنه قال: ” للشهيدِ عند اللهِ ستُ خصالٍ: يغفرُ له في أولِ دفعةٍ من دمِه، ويرى مقعدَه من الجنةِ، ويجارُ من عذابِ القبرِ، ويأمنُ الفزعَ الأكبرَ، ويحلى حليةَ الإيمانِ، ويزوجُ من الحورِ العينِ، ويشفعُ في سبعينَ إنسانًا من أقاربِه”.
اقرأ أيضًا: دعاء للشهيد في سبيل الله
صور الشهادة في الإسلام
حينما يطرح تساؤل من هو الشهيد، فأول ما يجول في الأذهان أنه من يُقتل في سبيل الله، إلا أن صور الشهادة في الإسلام كثيرة، كما أن جزاء الشهيد كبير عند الله سبحانه.
1- المقتول في سبيل الله
تعد أفضل أنواع الشهادة، فالمسلم الذي خرج يقاتل الكفار دفاعًا عن دين الله فيقتله كافر فهو شهيد.
2- الميت بداء
كالميت بالطاعون، أو مرض في البطن، أو من مات بذَاتِ الْجَنْبِ، والميت بالحرق أو الغرق.
قد ذكر النبي -صلى الله عليه وسلم- تلك الصنوف في الحديث الذي رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- قال: “الشُّهداءُ خمسةٌ: المطعونُ والمبطونُ والغرِقُ وصاحبُ الهدمِ والشَّهيدُ في سبيلِ اللهِ.”
كما جاء في حديث الذي رواه جابر بن عتيك عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال:
“ما تَعُدُّون الشَّهادةَ؟ قالوا: قَتْلٌ في سَبيلِ اللهِ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: الشَّهادةُ سَبْعٌ سِوى القَتلِ في سَبيلِ اللهِ: المَطْعونُ شَهيدٌ، والغَرِقُ شَهيدٌ، وصاحِبُ ذاتِ الجَنبِ شَهيدٌ، والمَبْطونُ شَهيدٌ، وصاحِبُ الحَريقِ شَهيدٌ، والذي يَموتُ تَحتَ الهَدْمِ شَهيدٌ، والمَرْأةُ تَموتُ بِجُمْعٍ شَهيدةٌ“.
3- المرأة التي تموت بالنفاس
فإذا ماتت المرأة في مدة النفاس، ولم تكن مصابة بأي مرض من الأمراض في تلك المدة، فإنها تعد شهيدة.
ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: “والمرأةُ تموتُ بِجُمعٍ شهيدةٌ”.
4- الموت دفاعًا عن الضروريات الخمس
فالذي يقتل دفاعًا عن دينه، وماله، وأرضه، نفسه، وعرضه، فهو شهيد.
ذلك أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال فيما رواه سعيد بن زيد: “ مَنْ قُتِلَ دُونَ مالِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دِينِهِ فهوَ شَهيدٌ. ومَنْ قُتِلَ دُونَ دَمِهِ فهوَ شَهيدٌ، ومَنْ قُتِلَ دُونَ أهلِهِ فهوَ شَهيدٌ”.
5- موت المرابط في سبيل الله
فمن خرج ملازمًا لحدود المسلمين ضد الأعداء ثم قتل على تلك الحالة، فهو شهيد.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المروي عن سلمان الفارسي: “مَن رابطَ يومًا وليلةً في سبيلِ اللَّهِ كانَ لَهُ كأجرِ صيامِ شَهْرٍ وقيامِهِ، ومَن ماتَ مرابطًا أُجْريَ لَهُ مثلُ ذلِكَ منَ الأجرِ.”
بناءً على ما ذُكر من أنواع الشهداء، فإن الشهداء ثلاثة:
- شهيد الدنيا والآخرة: هو المجاهد الذي قُتل في سبيل الله، وتحققت في شروط الشهادة، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: “جَاءَ رَجُلٌ إلى النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقَالَ: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلذِّكْرِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، فمَن في سَبيلِ اللَّهِ؟ قَالَ: مَن قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا فَهو في سَبيلِ اللَّهِ”.
- شهيد الدنيا: الذي خرج للقتال رياء وسمعة، وطمعًا في الدنيا، فيعامل في الدنيا معاملة الشهداء، ويأخذ جميع أحكام الشهيد، إلا أنه في الآخرة ليس بشهيد، بل يحاسبه الله على سوء نيته.
- شهيد الآخرة: هو الذي لا يُعد في الدنيا من الشهداء ولا يعامل شهيد، ولا يطبق عليه أحكام الشهداء في الدنيا، إلا أن الله يجازيه ثواب الشهداء في الآخرة، كالميت غرقًا والمبطون ونحوه مما ذكر.
اقرأ أيضًا: إيذاء النفس في الإسلام عند الكبار
شروط الشهادة في سبيل الله
من أجل احتساب المرء من الشهداء ونيله الثواب والجزاء، لا بُد أن تتوفر فيه شروط الشهادة في سبيل الله.
1- الإسلام وتحقيق التوحيد
معلومٌ أن الجهاد في سبيل الله، يكون لأجل الدفاع عن دين الإسلام، وبالتالي وجب على المجاهد في سبيله أن يكون مسلمًا؛ حتى يتمكن من التضحية بماله ونفسه في سبيل الله عز وجل.
2- إخلاص العبادة لله تعالى
فلا بُد أن تكون نية المجاهد خالصة لله تعالى، فيكون خارجًا للجهاد لله، ولنيل رضاه، لا يريد بذلك رياءً ولا سمعة، فمن كانت نيته لله ثم قتل فهو شهيد.
أما من خرج للجهاد يبتغي عرض الدنيا فإن قُتل فلا يُعد من الشهداء، والدليل على ذلك ما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم:
“جاء رجلٌ إلى رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال: الرَّجلُ يُقاتِلٌ حميَّةً ويُقاتِلُ شجاعةً ويُقاتِلُ رياءً فأنَّى ذلك في سبيلِ اللهِ؟ قال: مَن قاتَل لتكونَ كلمةُ اللهِ هي العليا فهو في سبيلِ اللهِ”.
3- الإقبال على الأعداء دون الإدبار
ذلك بأن يُقبِل المسلم على عدوّه يُحاربه ويقاتل دفاعًا عن دينه، لا يتولى عنه، ولا يدبر عن القتال، فإن قُتل أثناء ذلك فهو شهيد.
كما جاء في الحديث الشريف المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم: “جاءَ رجلٌ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ وَهوَ يَخطُبُ على المنبرِ، فقالَ: أرأيتَ إن قاتَلتُ في سبيلِ اللَّهِ صابرًا محتسِبًا مقبلًا غيرَ مدبرٍ، أيُكَفِّرُ اللَّهُ عنِّي سيِّئاتي؟ قالَ: نعَم ثمَّ سَكَتَ ساعةً، قالَ: أينَ السَّائلُ آنفًا؟ …
… فقالَ الرَّجلُ: ها أَنا ذا، قالَ: ما قُلتَ؟ قالَ: أرأيتَ إن قُتِلتُ في سبيلِ اللَّهِ صابرًا محتسِبًا مقبلًا غيرَ مدبرٍ، أيُكَفِّرُ اللَّهُ عنِّي سيِّئاتي؟ قالَ: نعَم، إلَّا الدَّينَ، سارَّني بِهِ جبريلُ آنفًا.”
النية مرآة لكل عمل، فمهما عظمت العبادة أو صغرت كان المعول عليه فيها هو النية، فقد يخرج الرجل من بيته مجاهدًا في سبيل الله غير قاصدًا وجه الله، فلا يلقى جزاءً لعمله.
