موقع جبل ثور وأهميته التاريخية

مدينة مكة المكرمة

تعتبر مكة المكرمة من أكثر الأماكن قدسية على وجه الأرض، إذ وُلِد فيها الرسول محمد عليه الصلاة والسلام. وتفاصيل قداستها تبرز من خلال ميل المسلمين للتوجه إليها خمس مرات يومياً أثناء أداء الصلوات الخمس، بالإضافة إلى رغبتهم في أداء مناسك الحج مرة واحدة على الأقل طوال حياتهم. تقع مكة المكرمة في الغرب من المملكة العربية السعودية، محاطة بسلسلة جبال سيرات الداخلية التي تُعد جزءاً من سواحل البحر الأحمر. تضم هذه السلسلة العديد من القمم الجبلية، مثل جبل أجياد، الذي يبلغ ارتفاعه 1332 قدماً، وجبل أبو قبيس بارتفاع 1220 قدماً، وكذلك جبل حراء الذي يصل ارتفاعه إلى 2080 قدماً، ويحتوي على غار حراء، حيث كان الرسول محمد يجلس للتأمل قبل أن يُبعث نبياً. كما يبرز جبل ثور، الذي يرتفع 2490 قدماً، لاحتوائه على الكهف الذي احتمى فيه الرسول محمد بأبي بكر الصديق خلال هجرته إلى المدينة المنورة. سنتناول في هذه المقالة موقع غار ثور وأهميته التاريخية في هجرة الرسول.

جبل ثور

يقع جبل ثور في مدينة مكة المكرمة ويحتوي على الغار الذي لجأ إليه الرسول محمد عليه الصلاة والسلام هرباً من أعدائه. تم ذكره في القرآن الكريم ويعرف أيضاً باسم أطحل. على حد قول الزمخشري، فإن جبل ثور أطحل هو جبل من جبال مكة يقع في منطقة المفجر خلف المدينة، وقد أُطلق عليه هذا الاسم نسبةً لرجل يدعى ثور بن عبد مناف، رغم عدم وجود دليل يشير إلى وجود شخص بهذا الاسم. كما تم ذكر غار ثور في شعر أبي طالب، عم الرسول عليه الصلاة والسلام، حيث قال في إحداها:

أعوذ برب الناس من كل طاعنٍ

علينا بشرٍ، أو مخلوق باطل

ومن كاشحٍ يسعى لنا بمعيبة

ومن مفترٍ في الدين ما لم يحاول

و ثورٍ، ومن أرسى ثبيراً مكانه

وعير وراقٍ في حراء ونازل

موقع جبل ثور

يعتبر جبل ثور من الوجهات التي يقصدها الحجاج خلال موسم الحج، حيث يقع جنوب المسجد الحرام، على بُعد 4 كيلومترات. يُشرف الجبل على حي الهجرة ويقع بين سهل وادي المفجر شرقاً وبطحاء قريش غرباً. للجبلة قاعدة دائرية مع عشرة قمم جبلية مدبّبة ترتفع من القاعدة. يبلغ ارتفاع جبل ثور حوالي 754 متراً فوق مستوى سطح البحر، وحسب البيانات الاستخباراتية الأمريكية، يقع الجبل على خط طول 39° 51′ 04″ شرقاً وخط عرض 21° 22′ 36″ شمالاً.

غار ثور والهجرة النبوية

غار ثور هو عبارة عن تجويف صخري يقع في أعلى جبل ثور، ويشبه السفينة الصغيرة التي تبرز من الأعلى ولها فتحتان. يُعتبر غار ثور أكبر وأبعد من غار حراء عن مكة. لجأ الرسول محمد إلى هذا الغار مع أبي بكر الصديق عندما كانا يهربان من كفار قريش، الذين كانوا يلاحقونهما ويعرضون مكافأة كبيرة لمن يعثر عليهما. ذُكر الغار في القرآن في قوله تعالى: (إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا).

في ليلة الهجرة، لم تكن قريش تعلم بإذن الله للرسول بالهجرة، وكانوا يخططون لمؤامرات ضد الرسول والمسلمين. في السابع والعشرين من شهر صفر في السنة الرابعة عشر من البعثة، ذهب الرسول إلى منزل أبي بكر وأخبره بقرار رحيلهم. توجها معاً من مكة قبل طلوع الفجر، وسلكا الطريق الجنوبي للوصول إلى جبل ثور.

عندما اكتشفت قريش هجرة الرسول،بدأت في البحث عنه، وتفقدوا جميع جبال مكة. بينما كانوا يقتربون من غار ثور، سمع الرسول محمد أصوات أقدامهم، فقال أبو بكر للرسول: (يا رسولَ اللهِ! لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا تحت قدميه)، فأجابه الرسول: (ما ظنُّك باثنَين اللهُ ثالثهما). أمضوا في الغار ثلاث ليالٍ حتى انقطعت أخبار كفار قريش عنهم، وفي ليلة ربيع الأول من السنة الرابعة عشرة من البعثة، خرجا من الغار واستكملا رحلتهما مع عبدالله بن أريقط وعامر بن فهيرة. وبالتالي، يحمل غار ثور أهمية كبيرة في نجاح هجرة الرسول محمد إلى المدينة المنورة.