هارون الرشيد
على مر العصور، تولى حكم الأمة الإسلامية رجال عظماء رفعوا راية الإسلام بكل اعتزاز، وضحوا بأرواحهم وأموالهم في سبيل نصرة رسالته. وامتد صيتهم إلى أنحاء المعمورة، مشتهرين بذكائهم وفطنتهم وتقواهم. هؤلاء القادة هم الذين أبحروا بالعالم الإسلامي إلى بر الأمان، متحدين كل ما واجههم من تحديات وصعوبات.
من بين عظماء الدولة العباسية وأبرز خلفائها، يبرز الخليفة هارون الرشيد، الذي عاش تاريخاً حافلاً من البطولات حيث تمجده كتب التاريخ لدوره القيادي في تعزيز الإسلام أمام أعدائه. استُدعيت انجازاته السياسية والعسكرية لتعكس نموذجاً رفيعاً للإنسانية وللإسلام نفسه.
قبر هارون الرشيد
توفي الخليفة هارون الرشيد في مدينة طوس بمنطقة خراسان، حيث وافته المنية في العام الثالث والتسعين من الهجرة أثناء خوضه معركة ضد الروم. وقد كان حينها في الخامسة والأربعين من عمره، في حين قيل أنه توفي عن سبعٍ وأربعين سنة.
كما ورد في كتاب “البداية والنهاية” لابن كثير: “أمر بحفر قبره قبل موته في الدار التي كان فيها، وهي دار حميد بن أبي غانم الطائي. وكان ينظر إلى قبره ويقول: ابن آدم تصير إلى هذا! ثم أمر بقرّاء فقرأوا في القبر القرآن حتى ختموه، وهو في محفة على شفير القبر.”
نسبه ومولده
هو أبو جعفر هارون بن المهدي، محمد بن المنصور أبي جعفر ابن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي. وُلِد في منطقة الري بالعراق في التاسع عشر من آذار من العام مئة وثمانية وأربعين للهجرة. بينما كان والده أميراً على خراسان والري، ووالدته تُدعى الخيزران.
نشأ هارون الرشيد متعلماً للقرآن والعلوم والفلك، حيث تخصص في دراسة العديد من الكتب وتحليلها. وكان معروفاً بالشجاعة والقوة، ويقود الحملات العسكرية في عهد والده الأمير، رغم أنه كان لا يزال في بداية شبابه.
خلافته
تولّى هارون الرشيد الخلافة بعد وفاة عمه الهادي في العام مئة وسبعين هجرية. عُرف بذكائه وحسن تدبيره، وكان شديد الحرص على مصلحة أمته. حيث كان يزرع عيونه بين العامة لاستطلاع أوضاعهم ومعرفة أخبارهم. كما كان هارون مُحباً للعلم، وزرَع حب المعرفة في نفوس ولديه الأمين والمأمون منذ صغرهما، وأرسلهما إلى الإمام مالك لدراسة وحفظ كتاب الموطأ.
تميز هارون الرشيد بالتقوى والورع؛ إذ كان يحرص على الحج سنوياً، ويغزو عاماً، وكان دائم الانشغال بالصلاة والصيام وتمييز الطاعات المخلصة لوجه الله -تعالى-. وقد كان يقود الحملات العسكرية بنفسه.
حقق انتصارات عظيمة ضد الروم حتى طلبوا منه الصلح، فقبل. ولكن جاء اليوم الذي أُرسل فيه خطاب من ملك الروم يطالبه فيه بإعادة ما يؤخذ من خراج وكذلك استرجاع الممالك التي سُبيت. فما كان من الخليفة هارون الرشيد إلا أن نزل مدينة هرقل، وزوجهم بخراج سنوي يُدفع للدولة الإسلامية.