مسجد الجن: تاريخ وموقع
يُعتبر مسجد الجن أحد المعالم التاريخية البارزة في المملكة العربية السعودية، ويقع على القمة العالية لمكة المكرمة، بالقرب من المسجد الحرام. تحديدًا، يتواجد المسجد في حي الغزة، ويجاوره من الشمال مقبرة المعلاة، المعروفة كونها واحدة من أقدم وأشهر المقابر في مكة. تاريخيًا، عُرف مسجد الجن بعدة أسماء، ومنها مسجد البيعة ومسجد الحرس.
أسباب التسمية
تعود تسمية مسجد الجن بهذا الاسم إلى كونه المكان الذي تمت فيه بيعة الجن للنبي محمد -صلى الله عليه وسلم-. وقد شهد هذا الموقع أيضًا لحظة قام فيها النبي برسم خط لعبد الله بن مسعود عندما استمع الجن إلى تلاوة القرآن. وبخصوص تسميته بمسجد الحرس، فإن ذلك يُعزى إلى أن صاحب الحرس في زمن الدولة الأموية كان يتجول في مكة وينتهي دوره عند المسجد، حيث كان يبقى فيه حتى يحضر حراسه.
قصة مبايعة الجن للرسول
ترد تفاصيل مبايعة الجن للنبي -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم، تحديدًا في سورتي الأحقاف والجن. وفيما يلي ملخص القصة:
- تبدأ الحكاية عندما مر عدد من الجن بالنبي -صلى الله عليه وسلم- واستمعوا إلى آيات من القرآن الكريم.
- بعد الاستماع، قام الجن بمبايعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وآمنوا به، ثم عادوا إلى قومهم ليخبرونهم بما سمعوه، كما جاء في قوله تعالى: (قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ).
- نصح الجن قومهم بضرورة اتباع النبي -عليه الصلاة والسلام- ووجهوا تحذيراتهم إلى عواقب عدم الاستجابة لدعوته، كما ورد في قوله تعالى: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّـهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَن لَّا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّـهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءُ أُولَـئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ).
أيضًا، وردت تفاصيل قصة مبايعة الجن للنبي -عليه الصلاة والسلام- في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، حيث كان مع مجموعة من الصحابة في إحدى الليالي، وفجأة فقدوا النبي -عليه الصلاة والسلام-. بحثوا عنه بقلق، حتى جاءهم في صباح اليوم التالي ليخبرهم أنه قد شهد قدوم الجن واستماعهم للقرآن.
وذهب النبي -عليه الصلاة والسلام- بأصحابه إلى موقع لقائه بالجن حيث شاهدو آثارهم كما ورد في الحديث: (أتانِي داعِي الجِنِّ فَذَهَبْتُ معهُ فَقَرَأْتُ عليهمُ القُرْآنَ، قالَ: فانْطَلَقَ بنا فأرانا آثارَهُمْ، وآثارَ نِيرانِهِمْ وسَأَلُوهُ الزَّادَ فقالَ: لَكُمْ كُلُّ عَظْمٍ ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عليه يَقَعُ في أيْدِيكُمْ أوْفَرَ ما يَكونُ لَحْمًا، وكُلُّ بَعْرَةٍ عَلَفٌ لِدَوابِّكُمْ. فقالَ رَسولُ اللهِ: فلا تَسْتَنْجُوا بهِما فإنَّهُما طَعامُ إخْوانِكُمْ).
تاريخ المسجد وإعماره
تعرض مسجد الجن للهدم نتيجة السيول، كما فقدت آثاره في عام 1126هـ. وقد أثبتت الأبحاث وجود آثار لمحراب المسجد تحت سطح الأرض بمقدار ثلاثة أمتار. تم إعادة بناء المسجد، وشهد عددًا من التوسعات والإصلاحات، أبرزها تلك التي تمت في عهد الملك فهد بن عبدالعزيز آل سعود في عام 1421هـ.